في 10 أذار/مارس في حوالي الساعة الثامنة صباحا بتوقيت العاصمة الامريكية واشنطن، اذيعت اخبار من قناة (سي ان ان) الامريكية يمكن القول، بانها كانت تعد (الصدمة) بالنسبة للمسؤولين الامريكان عند سماعهم لها. فبعد سبع سنوات من غياب العلاقات الدبلوماسية بين السعودية و ايران، اعلن ان البلدين سيقدمان على تطبيع علاقاتهما، وكانت الصين هي الطرف الوسيط الجامع الذي قرب الجانبين.
يتضمن الاتفاق فتح السفارات بين البلدين خلال أسبوع او مدة أقصاها شهرين من الاتفاق، كذلك تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين البلدين عام 2011، واتفاقية التجارة الموقعة بينهما في عام 1998.
الاتفاق يمثل اتماما لمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ وتأكيدا على ان الصين نجحت في زيادة نفوذها في الشرق الأوسط، حيث أعلن عن هذا الاتفاق في نفس اليوم الذي بدأ فيه شي جي بينغ ولايته الثالثة في الصين.
هذا الاتفاق في واقع الامر ينهي قطيعة دبلوماسية استمرت 7 سنوات بين السعودية ودول خليجية مع ايران، وذلك احتجاجا على اقتحام المتظاهرين الإيرانيين لبعثات الرياض الدبلوماسية وذلك بعد تنفيذ السعودية حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي نمر النمر، مما أدى لتدهور العلاقات بشكل كبير ومباشر، كما ان السعودية كانت دائما تتهم ايران بانها تقف خلف جماعة انصار الله اليمنية والتي تحاربها السعودية ضمن تحالف عربي تقوده منذ سنوات.
برر بعض المحللين السياسيين الامريكان هذا الامر الى شعور حكام السعودية بالجفاء مع إدارة بايدن وقلة الدعم الذي تتلقاه منه ومن الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي، مما دفعهم ذلك الى التفكير جديا في التقرب من ايران.
رغم ان قبلها بأيام قلائل صرح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة في حديث لإذاعة (سي بي اس نيوز) هو ان المملكة ستحدو حدو ايران بسرعة في اشارة الى امتلاك ايران قنبلة نووية او انها تستطيع صنعها.
أيا كان الامر، فهذا التقارب بين ايران والسعودية سوف تؤدي الى إيجاد حلول لحرب اليمن واتفاق سلام مع الحوثيين الذي تدعمه ايران ماليا وتزودهم بالسلاح وذلك كله بعد ان أبدت السعودية استعدادها للانسحاب من المواجهة مع ايران والتوجه نحو مشاركة الخليج معها.
طرحت الصين ثلاث مبادئ أساسية للتعامل مع الاضطرابات السياسية والأمنية التي تمر بها معظم دول الشرق الأوسط تمثلت بالاتي:
1. استبعاد استخدام القوة.
2. الالتزام بميثاق الأمم المتحدة للقوانين الدولية.
3. ان تكون المساعدات الخارجية للدول ذات طبيعة بناءة.
ولو أردنا البحث في تاريخ السياسة الصينية تجاه الشرق الأوسط لوجدنا التالي:
1. الصين كان لها دور انتفاعي من الحرب العراقية الإيرانية خلال 1980-1988، عندما زودت كلا الجانبين بالذخيرة والسلاح وكانت آنذاك تراعي مصالحها التجارية فقط وليس الدبلوماسية في المنطقة.
2. امتنعت الصين عن التصويت لصالح قرار مجلس الامن المرقم 678 لسنة 1991 اثناء حرب الخليج الثانية، الذي نص على قيادة الولايات المتحدة الامريكية للمجتمع الدولي لاستعادة الأراضي الكويتية من العراق ولم يكن الموقف الصيني حينها مرضيا لدول الخليج العربي التي قبلت القرار لشعورها بالخطر على سلامة أراضيها.
3. لفترة طويلة ورغم تأييد الصين لتسوية تاريخية لصراع العربي الإسرائيلي الا انها كانت تتعمد الابتعاد عن الدخول في تفاصيل هذه العملية، كان الموقف الغالب للصين هو التأييد عن بعد لكل ما هو متصل بالمفاوضات العربية الإسرائيلية دون التدخل المباشر في تفاصيلها (دون الانحياز لاحد في مواجهة الاخر).
الملاحظ على السياسة الصينية الخارجية ان الصين تتجه الى تنشيط تحركاتها تجاه الشرق الأوسط وبشكل فاعل خلال المرحلة الحالية من مزاحمة الولايات المتحدة الامريكية في الهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط من خلال تقديم المنح والمساعدات والوساطة بين الدول المتنازعة.
من وجهة نظري، اجد ان بكين تتعامل بذكاء اكبر من الولايات المتحدة الامريكية في قضايا الشرق الأوسط فهي تحاول سحب البساط بذكاء ودهاء كبيرين وخاصة عبر المجال الاقتصادي والاستثمار، اذ يشير تقرير صدر عن معهد (امريكان انتر برايس) في واشنطن الى اهتمام صيني مستمر بالاستثمار في اقتصاديات الخليج العربي.
اجمالي قيمة الاستثمارات التراكمية الصينية ومشاريع البناء بلغت 43,47 مليار دولار امريكي في السعودية، 36,16 مليار في الامارات، 30,05 مليار في العراق، 11,75 مليار في الكويت، 7,8 مليار في القطر 6,62 مليار في سلطنة عمان و1,42 مليار في مملكة البحرين.
اذن من المتوقع ان تلعب الصين دورا مهما في النمو المستمر للصناعات غير النفطية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، وهناك تعاون كبير بين الحكومة الصينية ودول المجلس في مجالات عديدة في التنمية مثل السياحة والاتصالات والطاقة المتجددة والمدن الذكية والذكاء الاصطناعي والاعمال الموجهة نحو التكنلوجيا.
ولا يخفى على القارئ محاولة أمريكا في منع رسم نظام عالمي جديد بقوة ناعمة صينية، وذلك عبر وقف هذا التمدد الصيني في عمق الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج العربي، حيث أعربت الحكومة الامريكية عن تحفظاتها بشان استخدام دول الخليج العربي لتكنلوجيا الجيل الخامس الصينية، وكذلك الاستثمارات في البنية التحتية الحساسة مثل الموانئ.
بيد ان بعض المخاوف الامريكية في واقع الامر تعد غير مبررة، ولم تلق صدى واذان صاغية من قبل الدول الخليجية والعربية عموما التي ترغب في تنويع اقتصاداتها واستثماراتها.
غير ان تفعيل دور الصين في الهيمنة وتعميق التعاون الاقتصادي للشرق الأوسط قد تواجهه بعض التحديات في الواقع العملي يمكن ارجاعها للامور التالية:
1. عدم وجود سياسة خارجية محددة او رؤية استراتيجية للدول الشرق أوسطية، مع اعتماد سياستها الخارجية على ردود الأفعال، واقتصارها على قرارات شخصية لا تراعي المصالح العامة للدولة.
2. ضعف التعاون الثقافي والإعلامي، الذي لا يرقى بتاتا الى مستوى العلاقات والمصالح الاقتصادية بين الطرفين والعلاقات التاريخية القديمة.
3. قلة عدد الباحثين بالشأن الصيني في دول الشرق الأوسط نسبة الى المختصين بالشأن الأمريكي والاوربي، بالإضافة الى قلة انتشار معاهد تعليم اللغات الصينية لدول الشرق الأوسط.
4. تخوف الصين من انشاء علاقات استراتيجية على شكل تحالفات، خوفا من ان يحدث تحركها رد فعل سلبي لدى الولايات المتحدة الامريكية، فتدخل معها في دائرة صراع قبل ان تتهيأ لهذا الوضع.
على اية حال اشارت صحيفة (فاينيشال تايمز) في تقرير لها، ان الاتفاق الإيراني السعودي يعد انتصار للدبلوماسية الصينية وسلط الضوء على نفوذ الأخيرة لمنطقة الشرق الأوسط كما يعده تحديا واضحا للولايات المتحدة الامريكية التي لم تعد علاقاتها قوية مع السعودية مؤخرا.
ختاما نشير الى ان العلاقات الدولية تشهد تسارعا ملحوظا لخطوات الصين باتجاه العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج العربي وكأنها ترسم نظاما عالميا جديدا بأدوات ناعمة وغير خشنة لتصبح لاعبا ذو وزن في اطاره وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية...
ونحن بدورنا ندعو الحكومة العراقية الى بناء علاقات رصينة مع دولة الصين وإعادة تفعيل (طريق الحرير) مرة أخرى والتوسع في ابرام اتفاقيات تعاون اقتصادي سياسي ثقافي اسوة باتفاقية الاطار الاستراتيجي.
يتضمن الاتفاق فتح السفارات بين البلدين خلال أسبوع او مدة أقصاها شهرين من الاتفاق، كذلك تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين البلدين عام 2011، واتفاقية التجارة الموقعة بينهما في عام 1998.
الاتفاق يمثل اتماما لمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ وتأكيدا على ان الصين نجحت في زيادة نفوذها في الشرق الأوسط، حيث أعلن عن هذا الاتفاق في نفس اليوم الذي بدأ فيه شي جي بينغ ولايته الثالثة في الصين.
هذا الاتفاق في واقع الامر ينهي قطيعة دبلوماسية استمرت 7 سنوات بين السعودية ودول خليجية مع ايران، وذلك احتجاجا على اقتحام المتظاهرين الإيرانيين لبعثات الرياض الدبلوماسية وذلك بعد تنفيذ السعودية حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي نمر النمر، مما أدى لتدهور العلاقات بشكل كبير ومباشر، كما ان السعودية كانت دائما تتهم ايران بانها تقف خلف جماعة انصار الله اليمنية والتي تحاربها السعودية ضمن تحالف عربي تقوده منذ سنوات.
برر بعض المحللين السياسيين الامريكان هذا الامر الى شعور حكام السعودية بالجفاء مع إدارة بايدن وقلة الدعم الذي تتلقاه منه ومن الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي، مما دفعهم ذلك الى التفكير جديا في التقرب من ايران.
رغم ان قبلها بأيام قلائل صرح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة في حديث لإذاعة (سي بي اس نيوز) هو ان المملكة ستحدو حدو ايران بسرعة في اشارة الى امتلاك ايران قنبلة نووية او انها تستطيع صنعها.
أيا كان الامر، فهذا التقارب بين ايران والسعودية سوف تؤدي الى إيجاد حلول لحرب اليمن واتفاق سلام مع الحوثيين الذي تدعمه ايران ماليا وتزودهم بالسلاح وذلك كله بعد ان أبدت السعودية استعدادها للانسحاب من المواجهة مع ايران والتوجه نحو مشاركة الخليج معها.
طرحت الصين ثلاث مبادئ أساسية للتعامل مع الاضطرابات السياسية والأمنية التي تمر بها معظم دول الشرق الأوسط تمثلت بالاتي:
1. استبعاد استخدام القوة.
2. الالتزام بميثاق الأمم المتحدة للقوانين الدولية.
3. ان تكون المساعدات الخارجية للدول ذات طبيعة بناءة.
ولو أردنا البحث في تاريخ السياسة الصينية تجاه الشرق الأوسط لوجدنا التالي:
1. الصين كان لها دور انتفاعي من الحرب العراقية الإيرانية خلال 1980-1988، عندما زودت كلا الجانبين بالذخيرة والسلاح وكانت آنذاك تراعي مصالحها التجارية فقط وليس الدبلوماسية في المنطقة.
2. امتنعت الصين عن التصويت لصالح قرار مجلس الامن المرقم 678 لسنة 1991 اثناء حرب الخليج الثانية، الذي نص على قيادة الولايات المتحدة الامريكية للمجتمع الدولي لاستعادة الأراضي الكويتية من العراق ولم يكن الموقف الصيني حينها مرضيا لدول الخليج العربي التي قبلت القرار لشعورها بالخطر على سلامة أراضيها.
3. لفترة طويلة ورغم تأييد الصين لتسوية تاريخية لصراع العربي الإسرائيلي الا انها كانت تتعمد الابتعاد عن الدخول في تفاصيل هذه العملية، كان الموقف الغالب للصين هو التأييد عن بعد لكل ما هو متصل بالمفاوضات العربية الإسرائيلية دون التدخل المباشر في تفاصيلها (دون الانحياز لاحد في مواجهة الاخر).
الملاحظ على السياسة الصينية الخارجية ان الصين تتجه الى تنشيط تحركاتها تجاه الشرق الأوسط وبشكل فاعل خلال المرحلة الحالية من مزاحمة الولايات المتحدة الامريكية في الهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط من خلال تقديم المنح والمساعدات والوساطة بين الدول المتنازعة.
من وجهة نظري، اجد ان بكين تتعامل بذكاء اكبر من الولايات المتحدة الامريكية في قضايا الشرق الأوسط فهي تحاول سحب البساط بذكاء ودهاء كبيرين وخاصة عبر المجال الاقتصادي والاستثمار، اذ يشير تقرير صدر عن معهد (امريكان انتر برايس) في واشنطن الى اهتمام صيني مستمر بالاستثمار في اقتصاديات الخليج العربي.
اجمالي قيمة الاستثمارات التراكمية الصينية ومشاريع البناء بلغت 43,47 مليار دولار امريكي في السعودية، 36,16 مليار في الامارات، 30,05 مليار في العراق، 11,75 مليار في الكويت، 7,8 مليار في القطر 6,62 مليار في سلطنة عمان و1,42 مليار في مملكة البحرين.
اذن من المتوقع ان تلعب الصين دورا مهما في النمو المستمر للصناعات غير النفطية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، وهناك تعاون كبير بين الحكومة الصينية ودول المجلس في مجالات عديدة في التنمية مثل السياحة والاتصالات والطاقة المتجددة والمدن الذكية والذكاء الاصطناعي والاعمال الموجهة نحو التكنلوجيا.
ولا يخفى على القارئ محاولة أمريكا في منع رسم نظام عالمي جديد بقوة ناعمة صينية، وذلك عبر وقف هذا التمدد الصيني في عمق الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج العربي، حيث أعربت الحكومة الامريكية عن تحفظاتها بشان استخدام دول الخليج العربي لتكنلوجيا الجيل الخامس الصينية، وكذلك الاستثمارات في البنية التحتية الحساسة مثل الموانئ.
بيد ان بعض المخاوف الامريكية في واقع الامر تعد غير مبررة، ولم تلق صدى واذان صاغية من قبل الدول الخليجية والعربية عموما التي ترغب في تنويع اقتصاداتها واستثماراتها.
غير ان تفعيل دور الصين في الهيمنة وتعميق التعاون الاقتصادي للشرق الأوسط قد تواجهه بعض التحديات في الواقع العملي يمكن ارجاعها للامور التالية:
1. عدم وجود سياسة خارجية محددة او رؤية استراتيجية للدول الشرق أوسطية، مع اعتماد سياستها الخارجية على ردود الأفعال، واقتصارها على قرارات شخصية لا تراعي المصالح العامة للدولة.
2. ضعف التعاون الثقافي والإعلامي، الذي لا يرقى بتاتا الى مستوى العلاقات والمصالح الاقتصادية بين الطرفين والعلاقات التاريخية القديمة.
3. قلة عدد الباحثين بالشأن الصيني في دول الشرق الأوسط نسبة الى المختصين بالشأن الأمريكي والاوربي، بالإضافة الى قلة انتشار معاهد تعليم اللغات الصينية لدول الشرق الأوسط.
4. تخوف الصين من انشاء علاقات استراتيجية على شكل تحالفات، خوفا من ان يحدث تحركها رد فعل سلبي لدى الولايات المتحدة الامريكية، فتدخل معها في دائرة صراع قبل ان تتهيأ لهذا الوضع.
على اية حال اشارت صحيفة (فاينيشال تايمز) في تقرير لها، ان الاتفاق الإيراني السعودي يعد انتصار للدبلوماسية الصينية وسلط الضوء على نفوذ الأخيرة لمنطقة الشرق الأوسط كما يعده تحديا واضحا للولايات المتحدة الامريكية التي لم تعد علاقاتها قوية مع السعودية مؤخرا.
ختاما نشير الى ان العلاقات الدولية تشهد تسارعا ملحوظا لخطوات الصين باتجاه العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج العربي وكأنها ترسم نظاما عالميا جديدا بأدوات ناعمة وغير خشنة لتصبح لاعبا ذو وزن في اطاره وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية...
ونحن بدورنا ندعو الحكومة العراقية الى بناء علاقات رصينة مع دولة الصين وإعادة تفعيل (طريق الحرير) مرة أخرى والتوسع في ابرام اتفاقيات تعاون اقتصادي سياسي ثقافي اسوة باتفاقية الاطار الاستراتيجي.
إرسال تعليق