أول حرف تحرّك بين أصابعه الصغيرة، هو آخر حروف الأبجدية العربية، فصمم من (الياء) زورقاً عراقي الجذور، بغداديّ الولادة، حاملاً مراجيح العيد، وماء السبيل، ورائحة الصحبة، وأحلام الأصدقاء.
مطوّفا بين الشرائع والضفاف، متنقلاً بين الصوبين: الرصافة والكرخ ، توأمي حاضرة الزوراء.
(الياء) بادئة الصباح وبرفقة كلكامش هتفا سويا : (يا بلادي من اجلك بستمر الوجود، ويتواصل الغناء)، كان كما الحب الأول والغرام الأبدي، فاتحة (ياسين)، يتلوها متبتلاً بين الرصافة والجسر، وأمام أضرحة الشهداء.. وعند قارعة اليوم الأخير، في رحلة الوطن العظيم،..
عرفته منذ ثلاثة عقود من الزمان، كان يقظا نابها ونحيلاً، وفي رحاب الكاظمية تجاورنا في مجلس الشيخ عيسى الخاقاني. وكان الحوار العقلاني، منهجه وضالته، وهو في الزورق ذاته الذي كان يتجه به إلى عقول وافئدة الناس الطيبين ، من أفاضل العلماء والمتنورين من أعلام العراق، أصحاب المتون والأسفار: الدكتور علي الوردي، والدكتور حسين علي محفوظ، ، والشيخ جلال الحنفي، والعلامة الدكتور كامل مصطفى الشيبي، والفيلسوف مدني صالح، والمؤرخ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف، وإلى جوارهم مبدعو العراق ومثقفوه، من الكتاب والشعراء والفنانين، أصدقاء الزمن الثقافي ، الحاج عباس علي، وراضي مهدي السعيد، خليل الورد، ومحمد غني حكمت، وخالد الرحال، والدكتور محمد حسين آل ياسين،.
عرف سلام الشماع بموضوعاته التراثية الحميمة، وبتحقيقاته الميدانية المثيرة، يلج الأرض القصية، والبقع المترامية في (دربونات) بغداد وأزقتها في محاولة ابداعية لإحياء تراث المدينة الخالدة، وإعلاء قيمها الحضارية والإنسانية، ، وقد يلجأ أحياناً إلى طرق أبواب المسؤولين في الدولة، باحثاً عن الجواب الشافي أو الحل الممكن، فكان صوت اليتامى والأرامل ومشاغل عائلات الشهداء وأسرى حرب الثماني سنوات لا يغيب عن مشغله الصحفي النبيل.
ارض السواد
حمل سلام في زورقه البغدادي، طفولة العراق كلّها، وهو ينشد أغانيه على امتداد دجلة والفرات في (المزمار) متنقلاً في أنحاء أرض السواد بين المدن والقرى وتخوم البادية.. تلك كانت مهمته الجمالية المتألقة بحقائق الزمن الذي أمضاه صديقاً حميماً لكل طفل وصبي من البنين والبنات، وهو يواصل إنشاء حكاياته العذبة، وأقاصيصه الموحية في جريدة (المزمار).عندما غادر سلام العراق كان (الوردي) متاعه الوفير وبقي المرافق الأقدم للكاتب، الذي شغف بشخصية عالم الاجتماع وفكره، ولملم ما كان منسياً مبعثراً من تراثه العلمي وأعاد تدوين صفحات مجهولة من حياته وفكره بما يليق بمنزلة عالما يعد من مشاهير العلماء في تاريخنا العربي المعاصر.الشماع أصدر ستة كتب عن الوردي حظي الكثير منها بأكثر من طبعة، جراء اقبال الباحثين والقراء على اقتنائها، ووفقا لمضامين النصوص وآراء النقاد فإنها أضاءت الكثير من المناطق المجهولة وقدمت أجوبة لقضايا كانت غامضة في حياة مؤسس علم الاجتماع في العراق والوطن العربي:
موسوعة الشماع : عراقيون في المهاجر صمم الشماع مشروعه الوطني الشجاع ، في توثيق واحدة من اهم صفحات حملة التتار الجدد، حيث ولد عمله الموسوعي الرائد : (عراقيون في المهاجر) موسوعة وطنية اجتماعية 2019 . وضم الجزء الاول سير 50 عراقياً مهاجراً ..
ـ الموسوعة التي حررها الشماع وثيقة عراقية فريدة في دواعيها ومضامينها ، وستبقى في سجل كاتبها تاريخا مضيئا في الذاكرة الوطنية لكشفها خفايا مهمة عن طريق شهادات لشهود عيان. ، وكان الشماع قد عكف على تأليف الجزء الثاني من هذه الموسوعة التي كان يتوقع ان تتألف من أجزاء كثيرة .
فالعراقيون منذ جيل حكمة الطين الاولى إلى جيل دار الحكمة البغدادي ر عمارة العراق الفلسفية المعاصرة ، ومن الصروح الاكاديمية التي شيدها الرواد النابهون في عشرينيات القرن القشرين أدت إجراءات تخريب مؤسسات الدولة وتعليق القوانين إلى فوضى تدميرية فقد فيها العراقيون الأمن ، وكان أفدح الخسائر وأشدها إيلاما ما تعرّض له العلماء اغتيال 235 أستاذا في وضح ، وإذا كانت هموم المهاجرين العراقيين تصدر عن منبع واحد هو التمسك بالوطن والالتصاق بالمكان ، فإن حنين العراقي إلى المنازل الاولى وإلى مرابع الوطن يظل قانون الحياة العنيد الذي بمنح العراقي المغترب ، الامل ، بالعودة إلى دار السلام.
دفاتر الغياب
هذه الوقائع المحزنة ومثيلاتها وغيرها مرقومة في دفاتر الغياب، ووصايا الشهداء ، دون مآسيها المهاجرون العراقيون، زاخرة بكل ماعرف ومالا يعرف من ضروب الشقاء الإنساني وبكل ما هو عجيب ومثير من ايلام الغربة وعذاب الانتظار ، بخلاف مفارقات الزمن الضنين، في تحولاته التراجيدية من وطن هو الابهى في الحضارة الإنسانية علما وحكمة وأدبا هو ذا الفتى سلام، قائما في الزمن المستحيل، قابضاً جمرات الحقيقة الوطنية المتأججة، صوتاً عراقياً عربياً مقاوماً شجاعا ، وبقي حتى اللحظة الفاصلة في حياته كاتبا طليعيا يشد عزمه حلم العودة من غربته المديدة، يرنو إلى الوطن المفدى وهو يدون اشراقات ثورة شباب تشرين 2019 وامتداداتها على صفحة ماء النهرين لتشرق شمس الوطن العظيم مرة أخرى على الدنيا ليستعيد العراق مقامه الجليل ، بوصفه جمجمة العرب وعاصمة العقل والحرية والوحدة والنهضة.. وفي اللحظة الفاصلة الاخيرة اتجه قارب الشماع تحو الأعالي إلى ضفة الخلود الابدي والسلام على سلام في رحلته العراقية الكبرى.
مطوّفا بين الشرائع والضفاف، متنقلاً بين الصوبين: الرصافة والكرخ ، توأمي حاضرة الزوراء.
(الياء) بادئة الصباح وبرفقة كلكامش هتفا سويا : (يا بلادي من اجلك بستمر الوجود، ويتواصل الغناء)، كان كما الحب الأول والغرام الأبدي، فاتحة (ياسين)، يتلوها متبتلاً بين الرصافة والجسر، وأمام أضرحة الشهداء.. وعند قارعة اليوم الأخير، في رحلة الوطن العظيم،..
عرفته منذ ثلاثة عقود من الزمان، كان يقظا نابها ونحيلاً، وفي رحاب الكاظمية تجاورنا في مجلس الشيخ عيسى الخاقاني. وكان الحوار العقلاني، منهجه وضالته، وهو في الزورق ذاته الذي كان يتجه به إلى عقول وافئدة الناس الطيبين ، من أفاضل العلماء والمتنورين من أعلام العراق، أصحاب المتون والأسفار: الدكتور علي الوردي، والدكتور حسين علي محفوظ، ، والشيخ جلال الحنفي، والعلامة الدكتور كامل مصطفى الشيبي، والفيلسوف مدني صالح، والمؤرخ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف، وإلى جوارهم مبدعو العراق ومثقفوه، من الكتاب والشعراء والفنانين، أصدقاء الزمن الثقافي ، الحاج عباس علي، وراضي مهدي السعيد، خليل الورد، ومحمد غني حكمت، وخالد الرحال، والدكتور محمد حسين آل ياسين،.
عرف سلام الشماع بموضوعاته التراثية الحميمة، وبتحقيقاته الميدانية المثيرة، يلج الأرض القصية، والبقع المترامية في (دربونات) بغداد وأزقتها في محاولة ابداعية لإحياء تراث المدينة الخالدة، وإعلاء قيمها الحضارية والإنسانية، ، وقد يلجأ أحياناً إلى طرق أبواب المسؤولين في الدولة، باحثاً عن الجواب الشافي أو الحل الممكن، فكان صوت اليتامى والأرامل ومشاغل عائلات الشهداء وأسرى حرب الثماني سنوات لا يغيب عن مشغله الصحفي النبيل.
ارض السواد
حمل سلام في زورقه البغدادي، طفولة العراق كلّها، وهو ينشد أغانيه على امتداد دجلة والفرات في (المزمار) متنقلاً في أنحاء أرض السواد بين المدن والقرى وتخوم البادية.. تلك كانت مهمته الجمالية المتألقة بحقائق الزمن الذي أمضاه صديقاً حميماً لكل طفل وصبي من البنين والبنات، وهو يواصل إنشاء حكاياته العذبة، وأقاصيصه الموحية في جريدة (المزمار).عندما غادر سلام العراق كان (الوردي) متاعه الوفير وبقي المرافق الأقدم للكاتب، الذي شغف بشخصية عالم الاجتماع وفكره، ولملم ما كان منسياً مبعثراً من تراثه العلمي وأعاد تدوين صفحات مجهولة من حياته وفكره بما يليق بمنزلة عالما يعد من مشاهير العلماء في تاريخنا العربي المعاصر.الشماع أصدر ستة كتب عن الوردي حظي الكثير منها بأكثر من طبعة، جراء اقبال الباحثين والقراء على اقتنائها، ووفقا لمضامين النصوص وآراء النقاد فإنها أضاءت الكثير من المناطق المجهولة وقدمت أجوبة لقضايا كانت غامضة في حياة مؤسس علم الاجتماع في العراق والوطن العربي:
موسوعة الشماع : عراقيون في المهاجر صمم الشماع مشروعه الوطني الشجاع ، في توثيق واحدة من اهم صفحات حملة التتار الجدد، حيث ولد عمله الموسوعي الرائد : (عراقيون في المهاجر) موسوعة وطنية اجتماعية 2019 . وضم الجزء الاول سير 50 عراقياً مهاجراً ..
ـ الموسوعة التي حررها الشماع وثيقة عراقية فريدة في دواعيها ومضامينها ، وستبقى في سجل كاتبها تاريخا مضيئا في الذاكرة الوطنية لكشفها خفايا مهمة عن طريق شهادات لشهود عيان. ، وكان الشماع قد عكف على تأليف الجزء الثاني من هذه الموسوعة التي كان يتوقع ان تتألف من أجزاء كثيرة .
فالعراقيون منذ جيل حكمة الطين الاولى إلى جيل دار الحكمة البغدادي ر عمارة العراق الفلسفية المعاصرة ، ومن الصروح الاكاديمية التي شيدها الرواد النابهون في عشرينيات القرن القشرين أدت إجراءات تخريب مؤسسات الدولة وتعليق القوانين إلى فوضى تدميرية فقد فيها العراقيون الأمن ، وكان أفدح الخسائر وأشدها إيلاما ما تعرّض له العلماء اغتيال 235 أستاذا في وضح ، وإذا كانت هموم المهاجرين العراقيين تصدر عن منبع واحد هو التمسك بالوطن والالتصاق بالمكان ، فإن حنين العراقي إلى المنازل الاولى وإلى مرابع الوطن يظل قانون الحياة العنيد الذي بمنح العراقي المغترب ، الامل ، بالعودة إلى دار السلام.
دفاتر الغياب
هذه الوقائع المحزنة ومثيلاتها وغيرها مرقومة في دفاتر الغياب، ووصايا الشهداء ، دون مآسيها المهاجرون العراقيون، زاخرة بكل ماعرف ومالا يعرف من ضروب الشقاء الإنساني وبكل ما هو عجيب ومثير من ايلام الغربة وعذاب الانتظار ، بخلاف مفارقات الزمن الضنين، في تحولاته التراجيدية من وطن هو الابهى في الحضارة الإنسانية علما وحكمة وأدبا هو ذا الفتى سلام، قائما في الزمن المستحيل، قابضاً جمرات الحقيقة الوطنية المتأججة، صوتاً عراقياً عربياً مقاوماً شجاعا ، وبقي حتى اللحظة الفاصلة في حياته كاتبا طليعيا يشد عزمه حلم العودة من غربته المديدة، يرنو إلى الوطن المفدى وهو يدون اشراقات ثورة شباب تشرين 2019 وامتداداتها على صفحة ماء النهرين لتشرق شمس الوطن العظيم مرة أخرى على الدنيا ليستعيد العراق مقامه الجليل ، بوصفه جمجمة العرب وعاصمة العقل والحرية والوحدة والنهضة.. وفي اللحظة الفاصلة الاخيرة اتجه قارب الشماع تحو الأعالي إلى ضفة الخلود الابدي والسلام على سلام في رحلته العراقية الكبرى.
إرسال تعليق