الزوار وخيرات العراق

مشاهدات

 




                                                                            
سيف الدين ناصر
                                                                                  
يفاخر البعض باستضافة العراق لكل تلك الأرقام من الزائرين في اربعينية الحسين رضي الله عنه وتختلف الإعداد والإحصاءات لغياب التسجيل والدقة في النقل فهناك تبايناً ملحوظاً في عدد الزوار بين الرقم الذي تذكره وزارة الداخلية وبين الرقم الذي يذكره محافظ كربلاء ولكن يبقى الواقع الحقيقي هو الذي يشير الى ان اعدادهم تتجاوز الخمسة ملايين .

خمس ملايين زائر وافد يحتاجون الى الاف الأطنان من المواد الغذائية والأرزاق الجافه  وضعف ذلك من الأغذية الطرية والمياه والإسكان ودورات المياه والمراقبة والاهتمام الطبي والصحة الوقائية وغيرها ويبدو ان العراق قد نجح في تأمين كل تلك الشؤون الإدارية وامتدت المواكب من منفذ الشلامجه الحدودي في البصرة حتى بوابة كربلاء وملأت الأغذية الموائد بل وزاد على ذلك بعض الممارسات للمبالغة بالترحيب والتي هي خارج كل اعرافنا وتقاليدنا وحتى موروثنا وانا اعتبر ذلك شأناً شخصياً وممارسات فردية لا علاقة للمجتمع بها .

العراق يشتكي منذ اشهر بعدم قدرة وزارة التجارة من تأمين مفردات البطاقة التموينية للشعب العراقي بل سمعنا اكثر من تصريح لوزارة التجارة ان خزيننا قد لا يكفي لشهر قادم وما يوجد في السوق لا يسد ١٠% من احتياجات العائلة العراقية من مواد الطحين والرز والبقوليات فمن اين أتت كل تلك الموارد التي تطعم ما يعادل ٢٥% من نفوس العراق ولمدة أسبوع او اكثر ؟ وكيف تمكنا من تأمين كل تلك الموارد ونحن بلا موازنة ؟ وهل سيكون غذاؤنا مؤمناً للأشهر القادمة سواء كان في مخازن الدولة او في مخازن التجار ؟

في العام الماضي هلك العديد من الأطفال في مخيمات النزوح من العراقيين شيوخاً ونساءاً واطفالاً ، ماتوا شهداء لأننا عجزنا عن تأمين الغذاء والاغطيه او وقود او انابيب غاز لتدفئة خيمهم المتهالكة في موجة صقيع شتاء لا يرحم ،  وهم الآن يأنون جوعاً وعطشاً ولم تستطيع الحكومة والمتنفذين ورجال الدين والميسورين من ارسال قليلاً من ارغفة الخبز نسكت بها صريخ أطفالهم جوعاً او قناني مياه تروي ظمأ شيوخهم لنتركهم واقدارهم ،   فأين هي العدالة ؟ وأين البحث عن الأجر وأين هو الأثوب ؟ اطعام النازح الذي على شفير الموت جوعاً ام فرش الموائد للزائرين والتي تترك اغلبها الى النفايات لتلفها  كونها فائضة على الحاجه ، من الأكثر أجراً عند الله وعند الحسين رضي الله عنه ؟ . يتسابق رجال السلطة وزعماء الأحزاب ورجال الدين ومريديهم واتباعهم بالتفاخر بنشر الأفلام التي تصور كرمهم تجاه الزوار الغرباء في الوقت الذي لم تكلف تلك المسميات نفسها لزيارة ابناءهم في مخيمات النزوح او حتى ذكرهم في خطب الجمعه وتسليط الضوء على ظلمهم ومظلوميتهم ... كيف من يستقبل ١١ مليون زائر كما هي رواية الحكومة ويؤمن لهم الاطعام والإسكان والطبابة يعجز عن تامين سبل الحياة فقط لعدة الاف من اهله النازحين قسراً …
 
لا حول ولا قوة الا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل ، مواكب تفرش الموائد للاغراب وتغفل وتتغافل عن سد رمق إخوانهم في الوطن ،  بل موائد تفرشها المواكب وابناؤهم ليس لديهم مدرسة تصلح لتعليم البشر ولا مشفى يعالج مريضهم  وهم يريدون بذلك القربى لله ويطلبون الاثابة من ال البيت الأطهار ، اخبرني احد الأخوة الذين يعملون في مجال الأغاثة الأنسانية للنازحين والالم يعتصره ،  ان إحدى مؤسسات الإغاثة الإنسانية الدولية التي كانت قد اوعدتهم بارسال مساعدات طبية ومواد اغاثة قد غيرت قرارها امس الأول وحولت تلك المساعدات الى نازحين من أوكرانيا بعد ان كنا نعمل على ذلك منذ اشهر ،  وكان السبب بأنها لاحظت ان المجتمع العراقي  وحكومته قادر على اطعام واسكان ملايين الزائرين ولا حاجة له للمساعدات لإغاثة بضعة الاف من النازحين  …

فكيف نفهمهم ان الواقع العراقي الحالي اسيراً لمتلازمة (  هم ونحن ) وان مفردة الجميع قد غادرت ضمائرهم وغادر معها التراحم والتكافل لفئة هم والآخرون بل حتى منابرهم أصبحت تتحدث بلا حرج وتحذر من ذهاب الحكم والسلطة للآخرون لترسخ الانقسام وترسخ مترادفة نحن ومن بعدنا الطوفان ،  وسنبقى امتان امة نحن وأمة هم حتى ينفض الجميع غبار الطائفية الى اجل غير معلوم .


0/أرسل تعليق

أحدث أقدم