نهاد الحديثي
بعدما واجه العراقيون سنة حافلة بالتحديات الاقتصادية على مدى عام، تزداد المخاوف من ازدياد الامور سوءا بعد تقديم مشروع موازنة لعام 2021 تركز على التقشف ما قد يعرض العراقيين ضغوطات أكبر العام الجديد.ويقول مسؤولون عراقيون عملوا على إعداد مشروع القانون إن هدفهم هو “الصمود” بعد أزمة مالية غير مسبوقة ناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد وانهيار أسعار النفط الذي يعول العراق على مبيعاته لتمويل 90 بالمئة من ميزانيته.وكانت الخيبة اكبر حيثااكدت اللجنة المالية النيابية،ان مشروع قانون موازنة 2021 هو الأسوأ طيلة السنوات الماضية، فيما بينت سبب ذلك كون القانون يستهدف المواطن الفقير والموظف البسيط، وهو خالي من اي حلول حقيقة لحل الأزمة المالية وبينت ان "مجلس النواب لا يمكن أن يمرر مشروع قانون موازنة 2021 بشكله المرسل من قبل حكومة مصطفى الكاظمي، فلا يمكن للبرلمان ان يكون ضد الشعب العراقي,, كما كشف الخبير الاقتصادي حسين العسكري، عن خطوات دفع بها صندوق النقد الدولي لموازنة 2021 في العراق، مؤكدا ان هناك خطوات اخرى مقبلة, وهناك اوامر قاسية” من النقد الدولي للعراق “تم تطبيقها” بتسريح “الاف الموظفين وخفض الرواتب ومخصصات التقاعد ورفع الضرائب … “القادم اسوأ” واضاف ان الخطوات القادمة، رفع الدعم عن الكهرباء والمحروقات، وتفكيك البنوك الحكومية وإعطاء صلاحيات وفضاء اوسع للبنوك الخاصة، وربما الغاء البطاقة التموينية واستبدالها بمساعدات اجتماعية للطبقات الاكثر فقرا وخصخصة شركات النفط والغاز والمطارات والموانئ وبيع اراضي الدولة الخ، هذه حصلت في دول كثيرة
ويعتبر أستاذ الاقتصاد الدكتور نبيل المرسومي أن "الموازنة لا تتفق مع الواقع المالي والاقتصادي العراقي، وتحتوي على مفخخات كبيرة إذا تم تمريرها بهذا الشكل"، واصفاً الموازنة التي "تعد ثاني أكبر موازنة في تاريخ الموازنات العراقية من حيث المبلغ الكلي"، بـ"الأسوأ".ويضيف المرسومي أن "الموازنة لا تتوافق مع الانكماش الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط وأزمة كورونا والضرر الكبير الذي يعاني منه الاقتصاد العراقي، إذ كنا نتوقع أن تكون موازنة رشيقة إلا أننا وجدناها ثاني أكبر موازنة من موازنات الدول العربية وغارقة في النفقات". ويلفت إلى أن "العجز يبلغ 71 تريليون دينار (قرابة 48.6 مليار دولار)، وهو ما يعادل موازنة أربع دول عربية
الموازنة بُنيت على رؤية إصلاحية قدمتها وزارة المالية، وستعمل على تنشيط القطاع الخاص”، موضحاً أن “الحكومة لم تنفرد في وضع الموازنة وكان ضمن نقاش مع قادة الكتل السياسية الذين أبدوا استعدادهم للتصويت عليها علما ان “موازنة عام 2021 تبلغ 164 تريليون دينار، حدد فيها النفط بسعر 42 دولارا للبرميل”، مبينا أن “نفقات الرواتب في الموازنة تبلغ 53.8 تريليون دينار- اولديون الواجبة الدفع بالموازنة تقدر بأكثر من 16 تريليون دينار، لافتا إلى أن النفقات التشغيلية تبلغ نحو 50 تريليون دينار- عجز الموازنة يبلغ 71 تريليون دينار”، وأن “تخصيصات البطاقة التموينية في الموازنة تبلغ 4 تريليونات دينار
والموازنة تخلو من الدرجات الوظيفية”، منوها بأن “موازنة 2021 لا تختلف عن سابقاتها سوى في الأرقام، حيث إنها تعد ثاني أكبر موازنة في الوطن العربي بعد السعودية,, وستشهد موازنة العام الحالي ٢٠٢١ ستشهد سجالات سياسية كبيرة من قبل الكتل السياسية داخل البرلمان وسيكون لكل طرف رأي خاص بالموازنة- وسيكون هنالك سعي من قبل الأطراف السياسية جميعاً من أجل كسب المزيد من الأموال لمحافظاتهم وتضمينها بقانون الموازنة للعام الحالي- مجلس النواب عازم على ألا تمرر بصيغتها الحالية، بل هناك مناقلة بين عدة أبواب، لكن لا يمكن زيادة تقدير الموازنة كونها من صلاحيات الحكومة- وتقليل تقديرات إنفاق موازنة عام ٢٠٢١ المبالغ بها جداً، والتي تعادل مجموع ما أنفق في عامي ٢٠١٦، ٢٠١٧ مجتمعاً -
الموازنة تفتح باباً مشرعاً للفساد
كما اشرت اللجنة المالية مجموعة ملاحظات في مقدمتها الصلاحيات الكبيرة الممنوحة لوزير المالية في الموازنةبخصوص الاصول المملوكة للدولة حيث تضمن مشروع القانون مواد خطيرة من شأنها ان تمنح الحكومة الحالية الحق في التصرف في تلك الاصول ومنها,, وتسمح له بتصحيح صنف الأراضي المثقلة بحق التصرف الزراعي المملوكة للدولة وتحويلها الى قطع سكنية وتنقل ملكيتها من الدولة لأغراض سكنية، وتنهي استغلالها لأغراض الإنتاج النباتي أو الحيواني، وتسمح لصاحب حق التصرف ان يحولها من الغرض الزراعي الى غرض سكني أو تجاري-وتمنح وزارة المالية حق بيع الاراضي الزراعية لأصحاب الحقوق التصرفية فيها، والتعامل مع هذا الموضوع يتطلب تحديد الأسلوب الأكثر نفعا لايرادات الدولة هل يتحقق ببيع تلك الاراضي أم الإبقاء على عقود الايجار لأصحاب الحقوق التصرفية أو لنفس شركات الوزارة لإقامة مشاريع استثمارية تشكل مصدرا لزيادة واردات الدولة وبشكل دائمي دون اُسلوب البيع الذي يوفر ايرادات لمرة واحدة وتنقطع بعدها،
ويؤكد مختصون ان المادة (47) من الموازنة تتضمن مبدأ خطيراً وفيه تفريط بالغ بأصول الدولة المملوكة للشركات العامة حيث تقرر الحق للوزارات ببيع تلك الاصول ، علما ان هذه الأصول قد صرفت الدولة على تشييدها عشرات مليارات الدولارات ولسنين عديدة والأخطر في هذه المادة انها تباع في ظروف هيمنة الفساد على قرارات الدولة مما يعني انها ستقود لبيعها بأرخص الأثمان ومن المؤكد ان الساسة النافذين ومن خلال واجهاتهم التجارية سيستحوذون على هذه الأصول الوطنية ، ومن هذه المادة والمواد التي تشابهها في قانون موازنة ٢٠٢١ تتضح سياسة الحكومة بالتوجه لإنهاء ملكية الدولة لكل الأصول الإنتاجية سواء كانت زراعية او صناعية وعرضها للبيع ، ولا ندري مدى ارتباط هذا التوجه بسياسات ونصائح صندوق النقد الدولي وشروطه القاسية على العراق - وطالبوا بمعالجة الخروقات القانونية في موازنة ٢٠٢١ قبل اعادتها للحكومة من قبل البرلمان- وعدم الموازنة محققة لغايات انتخابية مبكرة، وابعدوها عن التجاذبات السياسية فقد حدد الدستور صلاحية البرلمان بشأنها وكتبتها الحكومة للجميع بعيداً عن الغايات الانتخابية والتجاذبات السياسية,, تم تسجيل ٢٩ خرقا قانونيا، جوهريا وشكليا ، على الموازنة من قبل اللجنة القانونية في امانة مجلس الوزراء ، ولم تعالج حكوميا- ابرز خرقين قانونيين يشكلان خطرا على قوت العراق يتمثلان ببند تسديد ديون اقليم كردستان الخارجية ، وهي فقرة غير قانونية ، باعتبار هذه الديون غير قانونية لان الاقتراض الخارجي صلاحية اتحادية حصرية,, الخرق الثاني المهم يتعلق بعدم قانونية فقرة بيع عقارات الدولة خارج الضوابط القانونية ، وهي فقرة فساد جسيم واضحة وتحتاج الى الغاء لعدم الحاجة لها ، وهي تضمر اكثر مما تبدي من البرلمان ، وتبرز سلسلة من المشاكل في مشروع الموازنة، أهمها التباين الكبير في المخصصات المالية للمحافظات العراقية، وعدم استنادها إلى الكثافة السكانية، وارتفاع فاتورة الرواتب إلى مستويات قياسية واستمرار ارتفاع النفقات التشغيلية لمؤسسات الدولة بشكل لا ينسجم مع إعلان الحكومة أن الموازنة ستكون تقشفية وإصلاحية. بعد ان ارتضت الحكومة على نفسها خرق القانون ومحاربة الشعب العراقي من خلال صياغة اسوأ واغرب موازنة في تاريخ العراق
ان معالجة مواطن الضعف في نظام الحوكمة والحد من الفساد ستكون عوامل حيوية للتنمية الاقتصادية للعراق مستقبلاً. كما أن التبسيط واستخدام التكنولوجية الرقمية وممارسة مستوى أكبر من الشفافية في الخدمات العامة الأساسية وفي المؤسسات، سيخفّض مخاطر الفساد، وبخاصة في نظام المشتريات العامة. وإلى جانب ذلك، فإن تعزيز عمليات التدقيق والمراجعة، وتحسين الأطر القانونية والتنظيمية بما يتوافق مع المعايير والاتفاقيات الدولية، وتوسيع نطاق القدرات اللازمة للرقابة المستندة إلى المخاطر، وإنفاذ متطلبات الامتثال لقواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سوف تساعد جميعها على تعزيز ثقة الجمهور والمستثمرين,, ووضع استراتيجية حاسمة لإصلاح المصارف الكبيرة المملوكة للدولة، وتحقيق تكافؤ الفرص في القطاع المالي سوف يمكّن من تنمية القطاع الخاص، ويؤمّن الاستقرار المالي. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ تعزيز الرقابة على طرق حوكمة هذه المصارف، وممارسة الرقابة المعزّزة عليها، سيتطلب إجراء عملية تدقيق دولية للمصارف الكبيرة المملوكة للدولة، لإثراء الخيارات المتاحة لإعادة هيكلتها
مهمة اللجنة المالية البرلمانية ستكون شاقة، وستشهد الموازنة تغييرات في أبوابها وفقراتها، لذلك سيستغرق إنجاز هذه التعديلات وقتاً"، الموازنة جاءت في وقت عصيب في ظل محاولات لإفشال الحكومة وظرف اقتصادي صعب، إضافة إلى التدخلات الخارجية مع محاولات لإيقاف مشروع ميناء الفاو ومطالبات باستثمار الغاز العراقي وضغوط لدعم المنتج المحلي وتنشيطه مع محاولة تخفيف الضغط على فاتورة رواتب القطاع العام، وهي أكبر نفقاتنا”.والقطاع العام هي أكبر صاحب عمل في العراق مع نحو أربعة ملايين موظف بالإضافة إلى ثلاثة ملايين متقاعد ومليون شخص يتقاضون مرتبات الرعاية الاجــتماعية. مجلس النواب سيدفع الى حماية المواطن والموظف بعدة طرق لان الحكومة عاجزة عن ايجاد وتقديم حلول ناجعة للازمة الراهنة - واخيرا نؤكد بالامكان تغيير هذا الوضع بسهولة، لكن دون الرجوع إلى نصائح الصندوق وتلاميذ لندن وول ستريت، مشاكل العراق المالية سهلة الحل. المشكلة هي في الاقتصاد الريعي، وعدم الاهتمام بالبنية التحتية والزراعة والصناعة والتعليم والصحة والتي نالت اقل حصة من موازنة ٢٠٢١.ولتكن الارادة السياسية صادقة- وانتمائنا الوطني العراقي حقيقي
إرسال تعليق