احبك

مشاهدات



محمود الجاف


كانت والدتي تخبر ابي انها تحبهُ وكذلك هو . كانوا في شوق لترجمة ذلك من خلال انجاب طفلاً جميلاً يُداعب قلوبهُم في حركاته وسكناته . كانوا يُخبروني انهم يُحبونني ويتوسلون بي حتى انطق كلمة بابا وماما وكل جزء من جسدي مهبطا لشفاههم . كثيرا ما سمعتها ( احبك ) لكنها تحولت بعد الكبر الى ( الله ياخذك وموت يلفك وطاح حظك وساعة السودة ) انشودة من تأليف البؤساء الذين تربوا في الزوايا المظلمة من الحياة . كانت كلمة صباح الخير تترجمها الصفعات او الركلات واحيانا كثيرة دموع الوالدة وصرخات الوالد الذي كان يُؤدي دور روميو بإتقان حتى وصل اهدافه . وهي ادت دور جوليت ببراعة . كانت ترد عليه بان تندب حظها وتقسم انها ستنتحر او ترميني في الشارع او دار الايتام او تتركني في البيت وتهرب . ضحك احدهما على الاخر حتى ارتبطوا فرُفعت الاقنعة وبانت وجوههُم الحقيقية . كان والداهما يُؤديان نفس الادوار والاطفال دوما هم الضحية .


اما البنت التي تَسوَد الوجوه ساعة ولادتها فهي قصة بحد ذاتها . حيثما حلت او ارتحلت تُطاردها عيون المُراقبة الدائمة المُستمرة على مدار الساعة . تخشى ان تَلمسَ او تُلمَس . تنام في الظل وتجلس وتختبئ فيه وتحلم بالسعادة التي لن تراها وتُمارس مهنة الخدمة بنجاح ساحق . طباخا ومُنظفا ونادلا مجانيا يعمل بلا كلل او ملل وفي نهاية اليوم يأخذ حصته من التوبيخ واللعن والطعن . تنام بلا احلام وتصحوا على اوهام وقد انساها التعب ما جرى بالأمس لتبدأ يوما بائسا جديدا ورحلة اخرى تطوي صفحاتها اخر النهار حتى يتم بيعها الى اقرب فاشل فتموت وهي على قيد الحياة . هكذا نحيا ببساطة واختصار منذُ نعومة اظفارنا حتى نكبُر . ثم اخبرها اني احبها وتخدعني بنفس الكلمة ونعيد عرض المسرحية نفسها حتى ننجب طفلا جديدا يعيش في مُستنقع الفقر والم التعاسة ... ثم تتوالى الطعنات في المدرسة حين نتعلم وعلينا ان نفهم دون ان نتكلم . في الحارات والشوارع وكل حين نقع في ورطة مع الناس او الشرطة . خداع دائم وعلاقات مزيفة ونفوس اخرى مُترفة وواقع مرير ومُستقبل مُبهم في نهايته نفق مظلم ... احبك . نغمة نسمعها ليل نهار . لكن واقعها مُختلف تماما عن الحقيقة فما هو الحُب :


هُو الحالة الجميلة المغرية التي يصنعها العقل ويُسعِد بها الحواس فتتعانق الأيدي وتمشي الأقدام وتأكل المعدة وتهضم الطعام بحُب . ويعيش الكبد وينام وينبض القلب ويدق على أبواب الحُب . وغالباً ما يعود التحكم بالعواطف بالمنفعة على الشخص حيث يجعلهُ أقوى ويُساعدهُ على اتخاذ القرارات الصحيحة لأنه يُدرك انها ليست سجناً يُعتقل فيه بل هي حالة نفسية مُؤقتة يجب تَجاوزها فإدارة المشاعر لا يجب قمعها وتجاهلها بل تخطّيها بشكل فعّال وذلكَ يتطلّب تحديدها بدقّة لان عدم معرفة الاحاسيس وسوء التعبير عنها يُؤدي إلى اتخاذ القرارات الخاطئة .


لقد كان اشهر ضحايا العاطفة هو الشاب الايطالي الذي وقع في حب فتاة من أسرة ادنى منهُ في المُستوى المَعيشي . اتفقا على الزواج ولكنهُ لقي مُعارضة شديدة وصلت الى حد التهديد . كبرت الضغوط عليهما فقررا الانتحار وتوجها الى صخرة عالية تطلُّ على البحر . الشاب كان هو البادئ لأنه لا يستطيع رؤيتها وهي تموت . لكنها خافت وتراجعت وعادت إلى البلدة وتزوجت شخصا آخر . وعندما علم أهل القرية بذلك قرروا أن يَتقدم النساء في كل الاحوال ومن هنا ظهرت مقولة السيدات اولا ( Ladies first …. اعرف شابّا عشق فتاتا جميلة ولكنه أُسِرَ في بداية الحرب العراقية الايرانية وعندما عاد عام 1990 اعتذر منها وتزوج غيرها . انتظرته وكانت وفية له وجمالها لن يعود ولا خديها اللذان كانا كالورود . كان يقول لها احبك الف مرة في اليوم . واشقاء كانا يعملان معا منذ الطفولة جمعا ثروة كبيرة واملاك لاتعد ولاتحصى وعندما كبر اولادهما وبدأت تثار التساؤلات حول ماهو حقي وحقك قال له الكبير : كنت تعمل عندي وكل شيء ملك لي ولأولادي فتوقف قلبه من اثر الصدمة ومات . كان الحب هو الذي حوله الى عبد لأخيه بإرادته .


استخدم الموازين في عقلك دوما عند التعامل مع الاخرين أيا كانوا وضع العنان في عنق مشاعرك ولاتطلقها الا بعد الفحص والتدقيق وقيِّم وقوِّم مسيرتك كل حين وبدل وعدل رفوف القلب فالذي كان في القاع قد يرتفع الى القمة او العكس . كم جريمة ارتكبت باسم الحب ؟ كم مراهقة هربت من بيتها ولم تعد ؟ وكم طفلا ولد في موعد غرامي تحت جنح الليل ؟ ثم تركاه على قارعة الطريق . كم بنتا اعتقدت أنهُ الفارس المثالي ثم خدعها ورحل وتركها لأوجاعها ومصيرها ؟ كم من خطيئة جلبت من ورائها ندم ؟ … عندما تسرقون بعض اللحظات بعيداً عما شرعه الله تجعلون منه جريمة لان الشيء الجميل النقي لا يكبر تحت جنح الظلام ابداً . مشاعر وقوة خارقة لا تنمو إلا في النور وبين احضان الاهل وامام ابصارهم . كم مرت علينا قصصا لأشخاص خدعوا باسم الحب . عشرات مجهولي النسب كانت امهاتهم تحلم بالمُنقذ فانجرفت خلف الملذات ونسيت الحلال .


الحب الحقيقي هي تلك اللحظات التي تكونين فيها الملكة بعقد شرعي وليس خفية في مساء عيد الحب وانتم تفترشون الدباديب الحمراء . تأكدي أن من أحبك بصدق سيأتيك الى بيت ابيك ولو حافي القدمين مع والديه . عندما تتحرك العاطفة وتُثار النفس وتعمل الغرائز الجياشة يتوقف العقل وتتولى نفسك القيادة فتدفع بك الى الهاوية والمصيبة انهم بعد ان يصحوا وينظروا في المرآة سيجدون ان قطار العمر قد فات وان كل شيء في داخلهم قد مات ...


تعالوا نجعل من عقولنا المهبط الحقيقي لطائرات الحب . حتى لانسقط في مستنقع الخيانة والخداع والاوهام . لايربى الطفل وفق الاسس الدينية او العلمية والاخلاقية الصحيحة عند زواج الرجُل الجاهل والانثى الاكثر جهلا . بل ينشأ عاطفيا الى حد الغباء فيصدق ويُصبح تابعا لكل من هبَّ ودب باسم الدين او العشق ثم يكتشف انه كان على وهم واذا به قد خسر كل شيء والمصيبة ان الزمان لا يعود حتى نصحح اخطائنا ؟


ايها المُثقفون والمُثقفات . في العصر الذي تُطلقون عليه الجاهلي قال أعرابي من فزارة : عشقتُ جارية من الحيّ ولكني والله ما حدّثتُ نفسي بريبة قط . سوى اني خلوت بها يوما فرأيت بياض اصابعها في سواد الليل فوضعت كفي على كفها فقالت : مَهْ . لا تُفسد ما صلح . فسال جبيني عرقاً ولم أعد ...

مَهْ : اسم فعل بمعنى انكففْ …


تريثي ولاتنتحري وتنحري اطفالك قبل ان يولدوا فالعنوسة افضل بكثير من العذاب الابدي الذي تغلفه ثياب العروسة ...

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم