قال تعالى في كتابه العزيز: ((وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) سورة البقرة 188.
تمت المصادقة على موازنة العراق لعام 2023-2025 ونشرت في الوقائع العراقية في العدد 4726 في 26/حزيران/2023.
شهدت الموازنة في إقرارها من قبل أعضاء مجلس النواب العراقي، جدلا كبيرا ونقاشا عقيما، ولعل من المهم الإشارة الى ان حذف المادة (42) من مشروع الموازنة الخاص بفرض الرسوم والجبايات، يعد من اهم المواد التي أحسن مجلس النواب العراقي بإلغائها من مشروع الموازنة وكذلك لابد من الإشارة، الى ان التعديل الخاص بالمادتين 12و13 من مشروع الموازنة الخاصة بإقليم كردستان وكيفية التعامل مع انتاج نفط الشمال وعوائد النفط، والتعديلات الحاصلة على مشروع القانون، من النقاط الإيجابية التي تصب في خدمة العراق وتحقيق العدالة والمساواة التي حرص أعضاء مجلس النواب العراقي وبشجاعة على العمل على تعديلها لضمان الشفافية وتحقيق العدالة والمساواة في توزيع ثروات العراق تطبيقا لنص المادتين (111،112) من الدستور العراقي.
بيد ان مراجعتي للموازنة بعد نشرها، وجدت هنالك ثلاث مواد تضمنتها الموازنة، اجدها مواد خطرة لابد من الحذر في التعامل معها، وهذه المواد وبحسب خبرتي القانونية تتمثل بما يلي:
أولا: المادة (15) من الموازنة التي تمنح الصلاحية لوزير المالية الاتحادي بإطفاء السلف الحكومية السابقة. حيث تمنح هذه المادة للوزير صلاحية إطفاء سلف حكومية قد تناهز قيمتها 100 مليار دولار وذلك بحسب رأي الخبراء العراقيين.
ربما يعتقد البعض ان هذا النص يعطي لوزير المالية مكنة، سلطة، وقدرة على اسقاط هذه المبالغ وكما يقال في اللغة الدارجة _بجرة قلم_ ولكني اجدها عكس ذلك تماما، فهي باب للمساءلة القانونية إذا ما اسيئ استخدامها فهي سلطة تجر الى مسائلة قانونية خطرة يسائل عنها المسؤول المختص.
ربما لم اعتد على تقديم النصيحة لمن لا يطلبها مني، ولكن أجد نفسي الان، وربما لوازع أخلاقي، انساني، وجدت من الضروري ان أنبه لخطورة هذا النص، خاصة إذا كان الامر يتعلق بمخالفة لقرارات صادرة من المحكمة الاتحادية العليا واقصد في هذا الشأن قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (59) / اتحادية/2012 بتاريخ 15/2/2022 الذي الزم حكومة الإقليم بتسليم كامل انتاج النفط من الحقول النفطية من إقليم كردستان والمناطق الأخرى.
فمن الخطورة بمكان الاقدام على تفعيل هذا النص خاصة وانه يتعلق بأموال الشعب العراقي، الذي يراقب وبدقة عالية مصير هذه الأموال وغيرها، كما ان تفعيل هذا النص سوف يؤدي لا محال الى فتح باب السؤال والاستجواب وربما المسائلة خاصة حينما يستقيل المسؤول او يقال من منصبه او لربما تتغير الحكومات فيصار الى السؤال والاستجواب من قبل هيئات النزاهة وعندئذ يتعرض المسؤول للملاحقة والسؤال لم، وكيف وعلى أي أساس تم ذلك العمل...الخ.
أجد من واجبي، ان احذر من خطورة هذا النص وان لا يصار الى التعامل معه الا بحذر شديد ولبواعث إنسانية مهمة والأفضل ان لا يصار الى تفعيله والعمل على هجره.
ثانيا: المادة (5/ب) ونصها الاتي " للوزارات والمحافظات والجهات غير المرتبطة بوزارة الممولة مركزيا فتح باب الاستثمار والشراكة مع القطاع الخاص بحدود اختصاصاتها على ان تشكل لهذا الغرض لجنة عليا لأعداد تعليمات خاصة بها ومنحها الاستثناءات من القوانين ذات العلاقة يصدرها مجلس الوزراء".
هذا النص ينظر البعض اليه بانه لربما مدعاة للفساد في المال العام إذا ما اسيئ استخدامه، فالتعاقد المباشر سلطة منحها القانون للوزراء والمحافظون ورؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة، فلهم حق البيع والشراكة والاستثمار مع القطاع الخاص، استثناء من احكام القوانين من خلال اللجنة العليا التي منحت الحق بالتصرف وبشكل مستثنى من احكام القوانين العراقية.
والسؤال هنا ...ماهي القوانين التي استثنيت في التعاقد؟
نجيب على ذلك بالقول، ان النص يشير وبشكل صريح لا لبس فيه الى كافة القوانين العراقية من دون تحديد، والحقيقة ان هذا الامر يحصل خلافا للمبدأ القانوني القائل (الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تطبيقه وتفسيره) وذلك لأنه ثابت بخلاف الأصل، والاصل في هذا المبدأ ان يصار الى تحديد القوانين والنصوص المستثناة منها حتى يكون التصرف موافقا للقانون من عدمه. وعلى هذا الأساس.
غير اننا نجد عكس ذلك تماما، حيث جعل الاستثناء واسع، فضفاض، بعبارة أخرى قد قلبت القاعدة وبشكل كلي. ليس هذا فحسب بل السؤال الأهم هنا لم تعط مثل هذه الاستثناءات غير المحددة بقيود او نصوص؟ ولمن تعطى؟ وهل سيحسن أعضاء اللجنة التعامل معها؟
أجد هذا النص لا يقل خطورة عن النص السابق وإذا اسيئ استخدامه فلا محال سوف يكون بابا من أبواب الفساد التي من الصعب المسائلة عنها لأنها مسبقا منحت الصلاحية (في مخالفة القوانين) وبشكل مطلق والمطلق يجري على اطلاقه مالم يقيد.
ثالثا: المادة (ه/4) حيث جاء نصها الاتي " ه_ يخول المحافظون ورؤساء الصناديق غير المرتبطة بوزارة الواردة في هذا القانون صلاحية التعاقد المباشر لغاية (6 مليار دينار عراقي) للمشروع الواحد استثناء من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم 2 لسنة 2014 والضوابط الملحقة ".
الواقع من الامر، ان هذا النص لا يقل خطورة عن النصين السابقين أعلاه فهو يجيز التعاقد المباشر بخلاف الأصل (المزايدة والمناقصة) ولغاية مبلغ وقدره 6 مليار دينار عراقي، وهو مبلغ اجده كبيرا جدا، وقد يساء استخدامه إذا لم يحط بضمانات وقيود معينة، خاصة وان النص قد أجاز وبصراحة واضحة (التعاقد المباشر).
في خاتمة مقالنا لابد من التأكيد على ان هذه النصوص الثلاث أعلاه هي في حقيقتها تعد من أخطر النصوص القانونية الواردة في الموازنة إذا ما اسيئ استخدامها، واني لاستغرب من تمريرها وإقرارها والمصادقة عليها من دون الانتباه لمدى خطورتها. داعية الله ان يوفقنا لخدمة بلدنا الغالي.
تمت المصادقة على موازنة العراق لعام 2023-2025 ونشرت في الوقائع العراقية في العدد 4726 في 26/حزيران/2023.
شهدت الموازنة في إقرارها من قبل أعضاء مجلس النواب العراقي، جدلا كبيرا ونقاشا عقيما، ولعل من المهم الإشارة الى ان حذف المادة (42) من مشروع الموازنة الخاص بفرض الرسوم والجبايات، يعد من اهم المواد التي أحسن مجلس النواب العراقي بإلغائها من مشروع الموازنة وكذلك لابد من الإشارة، الى ان التعديل الخاص بالمادتين 12و13 من مشروع الموازنة الخاصة بإقليم كردستان وكيفية التعامل مع انتاج نفط الشمال وعوائد النفط، والتعديلات الحاصلة على مشروع القانون، من النقاط الإيجابية التي تصب في خدمة العراق وتحقيق العدالة والمساواة التي حرص أعضاء مجلس النواب العراقي وبشجاعة على العمل على تعديلها لضمان الشفافية وتحقيق العدالة والمساواة في توزيع ثروات العراق تطبيقا لنص المادتين (111،112) من الدستور العراقي.
بيد ان مراجعتي للموازنة بعد نشرها، وجدت هنالك ثلاث مواد تضمنتها الموازنة، اجدها مواد خطرة لابد من الحذر في التعامل معها، وهذه المواد وبحسب خبرتي القانونية تتمثل بما يلي:
أولا: المادة (15) من الموازنة التي تمنح الصلاحية لوزير المالية الاتحادي بإطفاء السلف الحكومية السابقة. حيث تمنح هذه المادة للوزير صلاحية إطفاء سلف حكومية قد تناهز قيمتها 100 مليار دولار وذلك بحسب رأي الخبراء العراقيين.
ربما يعتقد البعض ان هذا النص يعطي لوزير المالية مكنة، سلطة، وقدرة على اسقاط هذه المبالغ وكما يقال في اللغة الدارجة _بجرة قلم_ ولكني اجدها عكس ذلك تماما، فهي باب للمساءلة القانونية إذا ما اسيئ استخدامها فهي سلطة تجر الى مسائلة قانونية خطرة يسائل عنها المسؤول المختص.
ربما لم اعتد على تقديم النصيحة لمن لا يطلبها مني، ولكن أجد نفسي الان، وربما لوازع أخلاقي، انساني، وجدت من الضروري ان أنبه لخطورة هذا النص، خاصة إذا كان الامر يتعلق بمخالفة لقرارات صادرة من المحكمة الاتحادية العليا واقصد في هذا الشأن قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (59) / اتحادية/2012 بتاريخ 15/2/2022 الذي الزم حكومة الإقليم بتسليم كامل انتاج النفط من الحقول النفطية من إقليم كردستان والمناطق الأخرى.
فمن الخطورة بمكان الاقدام على تفعيل هذا النص خاصة وانه يتعلق بأموال الشعب العراقي، الذي يراقب وبدقة عالية مصير هذه الأموال وغيرها، كما ان تفعيل هذا النص سوف يؤدي لا محال الى فتح باب السؤال والاستجواب وربما المسائلة خاصة حينما يستقيل المسؤول او يقال من منصبه او لربما تتغير الحكومات فيصار الى السؤال والاستجواب من قبل هيئات النزاهة وعندئذ يتعرض المسؤول للملاحقة والسؤال لم، وكيف وعلى أي أساس تم ذلك العمل...الخ.
أجد من واجبي، ان احذر من خطورة هذا النص وان لا يصار الى التعامل معه الا بحذر شديد ولبواعث إنسانية مهمة والأفضل ان لا يصار الى تفعيله والعمل على هجره.
ثانيا: المادة (5/ب) ونصها الاتي " للوزارات والمحافظات والجهات غير المرتبطة بوزارة الممولة مركزيا فتح باب الاستثمار والشراكة مع القطاع الخاص بحدود اختصاصاتها على ان تشكل لهذا الغرض لجنة عليا لأعداد تعليمات خاصة بها ومنحها الاستثناءات من القوانين ذات العلاقة يصدرها مجلس الوزراء".
هذا النص ينظر البعض اليه بانه لربما مدعاة للفساد في المال العام إذا ما اسيئ استخدامه، فالتعاقد المباشر سلطة منحها القانون للوزراء والمحافظون ورؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة، فلهم حق البيع والشراكة والاستثمار مع القطاع الخاص، استثناء من احكام القوانين من خلال اللجنة العليا التي منحت الحق بالتصرف وبشكل مستثنى من احكام القوانين العراقية.
والسؤال هنا ...ماهي القوانين التي استثنيت في التعاقد؟
نجيب على ذلك بالقول، ان النص يشير وبشكل صريح لا لبس فيه الى كافة القوانين العراقية من دون تحديد، والحقيقة ان هذا الامر يحصل خلافا للمبدأ القانوني القائل (الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تطبيقه وتفسيره) وذلك لأنه ثابت بخلاف الأصل، والاصل في هذا المبدأ ان يصار الى تحديد القوانين والنصوص المستثناة منها حتى يكون التصرف موافقا للقانون من عدمه. وعلى هذا الأساس.
غير اننا نجد عكس ذلك تماما، حيث جعل الاستثناء واسع، فضفاض، بعبارة أخرى قد قلبت القاعدة وبشكل كلي. ليس هذا فحسب بل السؤال الأهم هنا لم تعط مثل هذه الاستثناءات غير المحددة بقيود او نصوص؟ ولمن تعطى؟ وهل سيحسن أعضاء اللجنة التعامل معها؟
أجد هذا النص لا يقل خطورة عن النص السابق وإذا اسيئ استخدامه فلا محال سوف يكون بابا من أبواب الفساد التي من الصعب المسائلة عنها لأنها مسبقا منحت الصلاحية (في مخالفة القوانين) وبشكل مطلق والمطلق يجري على اطلاقه مالم يقيد.
ثالثا: المادة (ه/4) حيث جاء نصها الاتي " ه_ يخول المحافظون ورؤساء الصناديق غير المرتبطة بوزارة الواردة في هذا القانون صلاحية التعاقد المباشر لغاية (6 مليار دينار عراقي) للمشروع الواحد استثناء من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم 2 لسنة 2014 والضوابط الملحقة ".
الواقع من الامر، ان هذا النص لا يقل خطورة عن النصين السابقين أعلاه فهو يجيز التعاقد المباشر بخلاف الأصل (المزايدة والمناقصة) ولغاية مبلغ وقدره 6 مليار دينار عراقي، وهو مبلغ اجده كبيرا جدا، وقد يساء استخدامه إذا لم يحط بضمانات وقيود معينة، خاصة وان النص قد أجاز وبصراحة واضحة (التعاقد المباشر).
في خاتمة مقالنا لابد من التأكيد على ان هذه النصوص الثلاث أعلاه هي في حقيقتها تعد من أخطر النصوص القانونية الواردة في الموازنة إذا ما اسيئ استخدامها، واني لاستغرب من تمريرها وإقرارها والمصادقة عليها من دون الانتباه لمدى خطورتها. داعية الله ان يوفقنا لخدمة بلدنا الغالي.
إرسال تعليق