كي لا تكون السنة الجديدة كسابقاتها

مشاهدات

 





نهاد الحديثي


نجا العراق في العام 2022 من أحداث جسام، كان أخطرها على الإطلاق شبح الحرب الأهلية التي كادت أن تندلع بين أنصار التيار الصدري وقوى الإطار، على خلفية سيطرة الأول على الأغلبية البرلمانية المطلقة. وعاش العراق عدة أشهر في ظل هذا الشبح الذي توقف بإعلان مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي وسحب تياره من الحياة العامة
لم يكن هذا هو الحدث الوحيد خلال عام 2022، بل ارتفعت خلال هذا العام توقعات باندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران في الساحة العراقية بفعل الضربات المتتالية التي نفذتها قوى ومليشيات خارجة عن القانون من قصف للقواعد العسكرية للمارينز والقنصلية الأمريكية في أربيل وسفارة واشنطن في العاصمة بغداد

خارجياً، واجه العراق ولا يزال أزمات متلاحقة مع إيران وتركيا، بسبب استباحتهما لأراضيه من خلال دخول الجيش التركي إلى العمق العراقي لمطاردة معارضيه، فيما تفعل طهران الشيء ذاته لكن بطريقة مختلفة، إذ تعتمد في هجماتها على إقليم كردستان على الطائرات المسيرة، وهي القضية التي فشل العراق في حلها رغم كل الطرق الدبلوماسية التي سلكها حتى الآن , وأمضى العراق طيلة العام 2022 في ملاحقة فلول تنظيم «داعش»، وتعرض للعديد من العمليات التي نفذها التنظيم الإرهابي، إضافة إلى أحداث محلية تمثلت في اعتصامات ومظاهرات وحرق مقرات أحزاب في إطار الصراع الداخلي على السلطة، وحاولت الحكومة السابقة التي كان يقودها مصطفى الكاظمي إلى إعادة الأوضاع لطبيعتها في العراق، فضلاً عن إطلاق إستراتيجية الانفتاح الخارجي السياسي والاقتصادي فاقترب من مصر والأردن وهو يحمل عنوان العراق لعمقه العربي، إلا أن القوى «الولائية» خصوصاً في البرلمان عطلت جميع مشاريع الكاظمي الخارجية، التي كانت في الأساس مشاريع اقتصادية لصالح الشعب العراقي.


الاقتصاد العراقي في 2022.. بلد بلا موازنة و"سرقة القرن" وارتفاع الدولار أبرز زواياه

 

وشهد العام، الماضي، تراجعاً حاداً على مستوى الزراعة بسبب عزوف الفلاحين عن هذه المهنة نتيجة إلغاء الحكومة للضرائب المستوفاة عن المواد الزراعية المستوردة من الأردن، ما جعلها منافساً للزراعة العراقية التي تعاني تراجعاً بسبب الفساد الذي أدخل إليها الأسمدة والحبوب المستوردة التالفة، ما جعلها تتخلف عن مثيلاتها العربية والعالمية. العراق في عام 2022 عاش أزمات متلاحقة، أبرزها الأزمات السياسية التي انعكست اقتصادياً على المجتمع، فارتفعت نسبة البطالة إلى أرقام غير مسبوقة وارتفعت معها نسبة الفقر، وربما كانت الأزمة الأكبر هو الكشف عن «سرقة القرن» المقدرة بأكثر من ملياري دولار، والتي شكلت صدمة كبيرة للداخل والخارج.

وعلى الرغم من كل تلك الأزمات المتلاحقة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، فإن رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني يسعى بشتى الوسائل إلى إخراج البلاد من عثراتها خلال العام الجديد، رغم أن تلك الأزمات تلقي بظلالها على العام الجديد، فقد بدأ الرجل عمله بعقد مؤتمر «بغداد 2» في الأردن، على أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه خصوصاً في المسألة الاقتصادية. ويبقى الرهان في هذا الأمر مرتبط بمدى قدرة السوداني على إقناع البرلمان، الذي تسيطر عليه قوي الإطار، بتنفيذ ما تتوصل إليه الحكومة من تفاهمات واتفاقيات خارجية ودوليا ---- ما من شك في أن الحرب في أوكرانيا هي الحدث الأهم في عام 2022. منذ أكثر من ربع قرن، تنبّأ هنتنغتون في كتابه «صراع الحضارات» أن تسعى روسيا إلى ضم شرق أوكرانيا إليها، وشهد عام 2022 تصعيدا في المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، وازدادت حدّة التوتّر بينهما، تبعا لعمق المخاوف الأمريكية من تعاظم قوّة الصين الاقتصادية وغير الاقتصادية.

رياضيا --- بطبيعة الحال كان مونديال قطر الحدث الرياضي الأضخم والأهم هذا العام. ويمكن تلخيص ما كان فيه عبر سلسلة من علامات التعجّب وبعض علامات الاستفهام. المونديال كان ناجحا جدّا بكل المعايير، فالتنظيم كان بأعلى المستويات، ومباراة النهائي كانت مثيرة، وهناك من يصفها بأنّها الأفضل في التاريخ،

مع اقتراب نهاية العام، وتحديدا يوم الثلاثاء 13.12، أّعلن عن نجاح تجربة للانصهار النووي، بحيث تمكّن العلماء للمرة الأولى من إنتاج كمية من الطاقة أكبر من تلك التي استهلكتها التجربة. ولا مبالغة في القول إن هذه بداية انقلاب في مجال الطاقة الآمنة والنظيفة، فالانصهار النووي هو عكس الانشطار ولا يؤدي إلى بث إشعاعات نووية خطيرة وهو يحاكي إنتاج الطاقة في الشمس. وجاء في إعلان وزارة الطاقة الأمريكية «لقد صنع فريق مختبر لورانس ليفرمور الوطني التاريخ بتحقيق الاشتعال الاندماجي، وهذا اختراق سيغيّر مستقبل الطاقة النظيفة والأمن القومي الأمريكي إلى الأبد». وبغض النظر عن النغمة الأمريكية الشوفينية، فإن الطريق قد فُتحت أمام البشرية جمعاء للحصول على طاقة نظيفة لا تنضب.

ما وأن السنة 2022 قد رحلت, دعونا نذكر بأن السنة المقبلة في بلاد العرب ستلحق بالسنوات العربية العجاف التي سبقتها،فقد ملت الشعوب العربية من التفرج العاجز اللامبالي من قبل المؤسسات المشتركة العربية، بشأن الجحيم والدمار والانتهاك الذي تعيشه بعض أقطار الوطن العربي، ومن ترك حلول مشاكل الوطن العربي كله في يد الأغراب والأعداء التاريخيين وكل من هب ودب من القريبين والبعيدين.

ويجب استعادة الإرادة العربية القومية المشتركة المستقلة القادرة، رغماً عن الضغوط والابتزاز الأمريكي، على الرجوع إلى تفعيل ثوابت التنسيق والتضامن، وصولاً إلى التوحيد العربي التدريجي التراكمي، في حقول السياسة والاقتصاد والمال والأمن والصناعة الحربية والثقافة , واتخاذ موقف واحد من محاولات زج هذه الأمة في المماحكات والصراعات الدولية، وإدخالها في متاهات التنافسات التجارية والحروب الانتهازية العبثية في ما بين الدول الكبرى التي ستستنزف طاقاتها وثروات وطنها العربي, ما عاد مقبولاً أن يتوقف أو يتباطأ زخم وحيوية المشروع التوحيدي لطاقات الأمة، الذي عمل ويعمل أعداء الأمة على إخراجه من ذاكرة ووعي وضمير شباب الأمة--وإيقاف المستباحات الممنهجة لسيادة وثروات الوطن العربي. ولأنها مطالب ترتبط أشد الارتباط بتحرر واستقلال هذه الأمة وكرامتها، وخروجها من حالة التخلف التاريخي الذي تعيشه، فإنها مطالب تستدعي نضالاً شعبياً واسعاً متصاعداً، خصوصاً من قبل الشابات والشباب، ضد كل من يعارض هذه المطالب، أو يتلاعب بجدية تحققها في الواقع، أو يحاول تأجيلها بشتى الأعذار والمبررات

ترى هل ستمحو سنة الجديدة 2023 تجمع خزي وعار وهوان المشهد الحضاري المظلم الذي نعيشه، ونئن تحت وطأته، بالأخص منذ عدة عقود من السنين؟ هذا ما يحتاج إلى إرادة وتنظيم وتلاحم شعبي ورسمي تعاضدي يتحدى ويفعل ولا يتراجع.
وتبقى أمنياتنا كبير , واحلامنا أكبر في وطن أمن مستقر, في وطن لا تحركه اجندات خارجية ولا اهواء ومزاجيات ساسة لا يجيدون لعبة الكراسي والمناصب ,ونتمنى لشعبنا الصابر دوام الشموخ والعز والكبرياء – وما توفيقنا الا بالله العلي القدير


0/أرسل تعليق

أحدث أقدم