مثل اعلى

مشاهدات


 
 

شيماء عقيل

 
أخذتني الأفكار بعيداً بينما كنت اقلب صفحات كتاب خمسة آلاف عام من الأنوثة العراقية للمؤلف سليم مطر الذي أهدتني إياه الكاتبة والصحفية الرائعة رند الاسود، وأخبرتني بكل ما في الأرض من فخر ان الكتاب يحمل في طياته ذكراً لجدتها السيدة أميرة نور الدين التي كانت بمثابة نبراس يضيء الدرب وشكلت مثالاً اعلى يقتدى به فنهلت الحفيدة منها وورثت عنها حب المعرفة وعشق الكتب.
قلت لها بكل ثقة ان هذا أفضل ارث في الوجود وان كل كلمة تعادل كنوز الدنيا.
أميرة نورالدين ولدت في بغداد سنة 1925م ودرست الابتدائية والمتوسطة والثانوية في بغداد، وبدأت تميل نحو الاتجاه الأدبي فاختارت دراستها في كلية الآداب في جامعة القاهرة في قسم اللغة العربية، وقد التحقت في الجامعة سنة 1943م وتخرجت سنة 1947 م. وقد قامت بتدريس اللغة العربية في المدارس الثانوية ببغداد مدة سبع سنوات.
لقد شجعها أبوها على نظم الشعر، وزوَّدها من الشعر العربي القديم. ودرست العروض قبل أن تلتحق بالجامعة لشدة ميلها إلى النظم، ودرست اللغة الانكليزية وهي تجيد اللغة التركية والفارسية، وهذا ما ساعدها على ترجمة درر من شعر الشاعر الاسلامي الشهير اقبال عن الفارسية منشورة في مجموعة مطبوعة تولت السفارة الباكستانية في بغداد طبعها على نفقتها.
وكانت تنظم الشعر وهي في مقعد الدراسة ما يدل على عبقرية هذه الشاعرة وقريحتها الجبارة. قصائدها ستظل اصداؤها في الاسماع والقلوب المرهفة بالإحساس.
وقد أبدعت في الوصف بأسلوب رائع متين، وحق لها ان تلقب بشاعرة الطبيعة.
كما يتناول الكتاب سيرة أعظم ما انجبت ارض بلاد الرافدين من نساء، سطرت كل واحدة منهن تاريخاً بديعاً وسيرة عطرة في كل مجالات الحياة الفنون والعلوم والأدب انارت به الدرب وعمرت به الأرض.
والكتاب عبارة عن موسوعة من مئات الصفحات مع مئات الصور لشخصيات نسوية عراقية، الكثير منها نادر وتنشر لأول مرة مع أكثر من أربعين موضوعاً ألّفها حوالي أربعين كاتباً وكاتبة. تم التعريف بحوالي مئة شخصية نسوية.
شخصيات فريدة تبدأ من عشتار وتنتهي بزها حديد، بدأت أفكر في خليفات هؤلاء العظيمات في العصر الحديث فوجدت ان المرأة العراقية ليس لها مثيل في العالم كله.
الام العراقية التي لا يضاهي دفئها وحنانها كل نساء الكون.
عنوان للصبر والطيبة والإخلاص والمثابرة والرضا، تحملت العراقية الحروب والحصار والتهجير والطائفية وكل الصعاب.
وقفت في وجه الفساد والظلم والجهل والتخلف وتحدت كل العقول المتحجرة المتزمتة التي تدعي ان المرأة عورة ومكانها البيت، فصاحت بكل قوة ان المرأة ثورة وليست عورة.
بالرغم من ان التاريخ الإسلامي مليء بنساء أسهمنَ في التاريخ والحضارة الإسلامية؛ فكانت منهن مَن آوى بيتُها الرسالةَ النبوية، وبذلت الجهد والمال لنصرة الدين مثل «خديجة بنت خويلد»؛ أول مَن آمن بدين الإسلام وصدَّق نبيَّه وناصَر دعوتَه أمام طواغيت قريش، والتي أنجبَت للنبي (صلى الله عليه وسلم) سيدةً عظيمة أخرى، هي «فاطمة الزهراء» أم الشهيدَين (الحسن والحسين)، والحانية التي ضربَت المثلَ في العطف على الأيتام والمساكين.
والسيدة زينب عليها السلام التي وقفت بوجه الطغيان لا تبالي بالموت وأصبحت باباً من أبواب الحرية والعلم والفقه.
استطاعت النساء أيضًا تولِّي الحكم وإدارة شئونه كما فعلت «شجر الدر» ملكة مصر المُحنكة، التي تمكنَت من تصفية الوجود الصليبي في البلاد وإدارة المفاوضات مع ملك الصليبيين الأسير «لويس التاسع». يحفل الكتاب بنماذج نسائية أخرى لمَعنَ في مجالات كالأدب، والتصوُّف، والسياسة.
وفي بيوتنا امهات وأخوات وبنات كل واحدة منهن تاج يحمل على الراس.
وعندما بدأت باستعراض من اعرفهم من النساء سواء على مستوى العائلة او الأصدقاء وجدت أمثلة حية للإصرار والعزيمة.
 شخصية عظيمة كالشهيدة (امية ناجي حسين جبارة) التي تفوقت على الرجال بموقفها البطولي حين نذرت نفسها وروحها للدفاع عن قريتها العلم، اذ وقفت بوجه الدواعش ابان غزوهم مناطق العراق عام 2014، تقاتلهم وتصد هجماتهم مع اخوانها وأبناء عمومتها ولتمنعهم من الدخول الى قريتها، كانت تتجول بين المقاتلين تلقي الخطب والهوسات الشعبية والاشعار فيعلو صوتها بمقولة (لن يدخلوا العلم الا على جثتي).
حاصلة على شهادة البكالوريوس في القانون، وكانت تحلم أن تخفف من معاناة الارامل والايتام من ابناء قريتها (العلم) فانتمت الى منظمات المجتمع المدني كي تدافع عنهم وتطالب بحقوقهم، هكذا عرفها اهالي الناحية "شجاعة، جسورة لاتهاب الموت" وهي المبادرة الاولى لحمل السلاح مع شقيقها شيخ عشيرة الجبور (الشيخ خميس ناجي جبارة) حينما أعلن محاربة الدواعش والتصدي لهم بالدفاع عن اراضيهم.
الشيخة "امية" تلك المرأة القوية التي واجهت الارهاب الى جنب اخوتها وأبناء عمومتها وفي الصفوف الاولى، بالإضافة الى توزيعها السلاح والماء والطعام على المقاتلين، وتشد من عزمهم بأهازيجها، لم تكن ساكنة مرتابة من الخطر الذي يقابلهم ولم تغمض لها عين في الليل ولا النهار بل كانت دائمة الحركة حتى ان البعض أطلق عليها اسم (أم الهمة) فيما احتفظ البعض باسمها الشيخة أمية.
في يوم 22/6 سقطت شهيدة برصاص قناص داعشي وهي مبتسمة لتسجل ملحمة نسائية متميزة، وتدخل بوابة التاريخ كشهيدة سجلت اعلى معاني الحب والتضحية وذادت بروحها فداء لوطنها.
الغريب ان القناص اصابها هي فقط دون سواها من المقاتلين، ربما أدرك بانها فخر النساء، وفخر لكل عراقية، ولكي تخلد قصتها، فقصتها لن ينساها اهل العلم لما قدمته من بطولة وشجاعة كبيرة.
وهنالك قصص لا تنتهي عن الكفاح والمثابرة، ولكن المعضلة التي تعصف حالياً بالجيل الجديد هو اختيار القدوة والمثل الاعلى اذ ان هذا الامر يعد في غاية الخطورة.
ف العديد من بنات هذا الجيل يقتدين بشخصيات لا تمت صلة بالثقافة او العلم شخصيات تافهة وسطحية وركيكة من فايروسات مواقع التواصل الاجتماعي بسبب قوة تأثير مشاهير تلك المواقع على سلوك الفتيات في سن الطفولة والمراهقة.
وبدلاً من الاقتداء بشخصيات عظيمة مثل زها حديد ونازك الملائكة، أصبحن يقتدين بشخصيات التكتوك اللواتي يروجن للاهتمام بالمظاهر وعمليات التجميل والسهرات المشبوهة ويتكلمن بألفاظ بذيئة ويقمن بتصرفات سيئة.
المصيبة الأكبر ان تلك الشخصيات تتباهى بالبذخ والترف والسيارات الفارهة والسفر الى افخم المنتجعات وأكبر الفنادق ويلبسن الماركات العالمية فتصبح تلك الشخصيات حلم وغاية وهدف العديد من الفتيات اللاتي لا يدركن الخطأ من الصواب ويفتقرن الى التوجيه والنصح من الأهل فيقمن بتقليد حركاتهم وترديد كلامهم والسير على خطاهم.
وهنا يأتي واجب الاهل اذ ان عليهم مهمة غاية في الخطورة الا وهي ضرورة توجيه الابناء والبنات نحو اختيار القدوة والمثل الاعلى والبيان لهم بان كل هؤلاء المشاهير ما هم الا قشور وفقاعات وعقول فارغة تخلو من اي وعي او ثقافة.
بالإضافة الى واجب المدرسة وبالأخص المدرسات والمعلمات اذ تقع عليهم مسؤولية التوعية وتوضيح المفاهيم والمبادئ التي يجب ان يستند عليها الجيل الجديد وعدم الانسياق خلف المظاهر الخادعة والعقول الفارغة.
اذكر احدى زميلاتي في العمل وتدعى ندى كانت تحرص دوماً على توجيه اولادها ان تكون قدوة لهم  وتحثهم على الاجتهاد والعلم مثلما تفعل هي ، فبالرغم من كونها تعمل كموظفة وتتحمل مسؤوليات البيت  والأولاد ودراستهم والاعتناء بهم والتكاليف المادية والإحباطات   واللغط الكثير حول عدم اهمية الشهادة لم تتقاعس عن إكمال دراستها العليا فحصلت على الماجستير في مجال علوم المواد  والآن هي تدرس الدكتوراه وتكاد لا تصل ساعات نومها في اليوم الى ثلاث ساعات لكن الطموح والإصرار وصناعة القدوة والمثل الاعلى هو الحافز الأكبر للاستمرار.  
تحية مني الى كل نساء العالم وبالأخص نساء العراق الفريدات.






0/أرسل تعليق

أحدث أقدم