ضيف يزن || شاعر عراقي
حقاً هنالك وقت
لحدبائي
دائماً هنالك وقت
لأن أحصي خسارتي
حتى وأنا أركض
لن أختبىء كجرذ في إحدى المزابل
راجياً
أنْ تسقط القذيفة في الجهة المقابلة
لا أحد يتمنى أن تسقط القذيفة
فوق رأسه..
حتى أنا
أنا الذي طالما غنيت للسلام والأطفال والياسمين
أنا الذي كلما رأيت شهيداً
قلت في نفسي
ليتني كنتُ مكانه..
أنا الذي كلما رأيت طائرة
تجوب في السماء
كنتُ أسمعُ قلبك يردد:
بكل نبضة
على الأطفال في المبنى المقابل
على الورد في المبنى المقابل
على الأغنيات فيك
*
أنا الذي
كلما رأيت طائرةً
رمت قنابلها.. وحلقت بعيداً
كنت أخرج من ركامي
من فوضاي
وأنا أدس يداي بخجل في جيوبي
كأني اعتذر عن بقائي حياً
دائماً هنالك وقت
لأن يقدم الناجون اعتذاراتهم
بين كل قذيفة وأخرى
وأنا أوزع خطواتي
على كل الطرقات
*
وأنتَ تترك قدميك وظلالك وذاكرتك
على كل الأرصفة
وأنت تشعر بالضألةِ
في كل المنافي
دائماً هنالك وقت
لأن تقدم اعتذاراً خفياً
للبلاد..
البلاد التي تريد أيضاً
أن تهاجر..
ليس هناك متسع
في الحقائب وتأشيرات السفرِ والذاكرة
ليس هناك متسع
لكل هذه الجثث والأحزان والمراثي
اذهبي لعابر آخر
أيتها البلاد
اسألي مهاجراً أخر
أن يحملك على قدميه..
أيتها البلاد
قفي في الطوابير الطويلة
دون جواز سفر أو حذاء أو غطاء رأس أو بطاقات للمعايدة.
لربما يمنحك رئيسٌ عشاءً ساخناً
أو ربما يراك شاعر ما
فيكتب لك مرثية
ليبرهن عن إنسانيته..
أو ربما تفوز صورتك
وأنت حافية
وعيناك جمرتان باردتان
يدك زرقاء
قلبك أزرق
وأسنانك تصطك ببعضها
حزناً وخوفاً وتشردْ..
ربما تفوزين
بجائزة الموسم..
كما حصل مع الأب الذي فقد كل ذويه إلا نورسه
وأصبح حديث النساء
ليس هنالك متسع يا موصلي..
ليس هناك وقت
لندفن كل هذه الجثث
ليس هناك وقت
لأن نحمل كل هذه الأمنيات
ليس هناك وقت
لأن نغرس كل هؤلاء الأطفال المبتورين
في تراب الحديقة
لأن نكتب لكل شهيد مرثية..
لأن نقول لكل مسافر وداعاً..
لكن دائماً.. دائماً..
هنالك وقت
لأن يحب غريبين بعضهما
في طريقهما الطويل..
نحو القيامة
دائماً.. دائماً..
هناك وقت
لأن يكبر الأطفال في أحدابنا
لأن تنجبي مني أطفالًا جدد
ولأن ينبت الورد في عيونك أيتها الصبية المنفية
دائماً هنالك وقت
لأن ينسج المنفيون من نفيهم
حياة أخرى
حياة جديدة..
تكون تقريباً، على مقاسك..
دائماً هناك وقت
أمام هذا القلب
أن يحب..
نعم يعشق
كي لاتسأم نفسهُ
كي لا ينتحر..
ودائماً.. دائماً..
هنالك وقت لأن يلقي الجُندُ أسلحتهم
ويقول كل واحد للآخر:
ارفع كأسك
فغمازتاها أجمل عند الضحك .
إرسال تعليق