مقداد خالد الكركري
في بداية المظاهرات الشعبية في سوريا وتحولها فيما بعد إلى اعتصامات مفتوحة مطالبة بإسقاط نظام السوري بقيادة بشار الأسد من حكم سوريا وتغير نظام الدولة بشكل جذري، اتخذت تركيا موقف تنديد واستنكار لما قام به النظام السوري من عملية القمع والاستبداد ضد المعارضين المطالبين بتغيير النظام ورحيل الأسد من سدة الحكم وأنظمت تركيا لمجموعة من دول التي طالبت باستقالة نظام بشار الأسد وتخليه عن الحكم ، وساهمت تركيا بشكل كبير في دعم المعارضة السورية وتقويتها عبر تدريب المقاتلين المعارضين للنظام السوري والسماح بالمرور الأسلحة للمعارضة عبر حدودها مع سوريا وعندما تشكل الجيش الحر سوري المعادي للنظام بشار الأسد في سوريا وقفت تركيا إلى جانب جيش الحر وقامت بدعمه مع عدد من دول الأخرى مثل ( القطر والسعودية ودول غربية)، كذلك قامت تركيا بإغلاق سفارتها في دمشق عام 2012.
وطالبت تركيا المجتمع الدولي إنشاء منطقة آمنة على الحدود في الداخل السوري لإيواء المدنيين السوريين الفارين من الحرب الأهلية، حيث أن لجوء السوريين بشكل مكثف إلى تركيا شكل عليها ضغطاً سياسياً واقتصادياً وأحدث فجوة كبيرة داخل المجتمع التركي بين مرحب باللاجئين الفارين من الحرب وبين رافضين لقدومهم إلى تركيا هدفت تركيا من محاولة إنشاء منطقة آمنة إلى إيجاد منطقة آمنة للمعارضة السورية والحكومة المؤقتة وقوات جيش الحر وحمايتها من القصف نظام السوري و براميله المتفجرة وتتطلب هذا الأمر إلى وجود حظر الطيران نظام السوري من التحليق فوق المنطقة مزعمة انشائها، حظر الطيران نظام سوري فوق منطقة. آمنة يحتاج إلى إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة وكان صعب من الصعب إصدار مثل هذا القرار لوقوف كل من روسيا والصين بجانب النظام السوري وتمتعهم٠ بالحق نقض "فيتو" في المجلس الأمن الدولي.
ولا شك فيه أن تركيا كانت تحاول ضرب الكورد ايظاً من خلال إنشاء منطقة آمنة ووضع حد لتوسعهم على الشريط الحدودي التركي-السوري . ورفض نظام السوري مقترح تركي لإنشاء منطقة آمنة واعتبره محاولة لاحتلال أراضي سورية واستعمارها.
وبعد تعاظم نفوذ الكورد في سوريا وسيطرتهم على مناطق عديدة في شمال-شرق سوريا جراء محاربتهم لتنظيم داعش الارهابي بدعم واسناد من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية زادت بذلك مخاوف تركيا الأمنية بشأن وجود مقاتلين الكورد على حدودها وخوفها أن يؤدي ذلك إلى نشوء كيان كوردي مستقل على حدودها وبتالي زيادة مشاعر قومية كوردية وانعكاسها على كورد في تركيا؛ وتنظر تركيا إلى وجود إدارة كوردية ذاتية خطر كبيراً على أمنها القومي واستقرارها ، ومما شك فيه أن توسع الكوردي "وحدات الحماية الشعب الكوردية" في سوريا أحدث تغييراً كبيراً في موقف تركيا تجاه الأزمة السورية والنظام السوري فتحول الهدف تركيا من دعم المعارضة السورية للقضاء على نظام سوري وتغييره إلى تحريض المعارضة على قوات كوردية ومحاربة بجانب المعارضة ضد وحدات حماية الشعب الكوردي وعدم سماح لها بالسيطرة على كامل الشريط الحدودي السوري-التركي وحرص على عدم السماح بإيصال منطقة عفرين بباقي مناطق إدارة ذاتية الكوردية، ولتحقيق هذه. الأهداف شنت تركيا عملية عسكرية في عام 2016 سميت "بالدرع الفرات" ضد تنظيم داعش الإرهابي في منطقة جرابلس واعتزاز وما حولها من مناطق محيطة وفرضت سيطرتها على تلك المنطقة قاطعة بذلك الطريق أمام الوحدات الكوردية لإيصال عفرين بباقي مناطق إدارتها الذاتية، وبعد تلك العملية قامت تركيا بعدة عمليات اخرى داخل أراضي سورية استهدفت بها مشروع الإدارة الذاتية للكورد ومنها عملية غصن زيتون في منطقة عفرين وعملية نبع السلام ضد قوات سورية الديمقراطية قسد "ووحدات حماية الشعب الكوردي" ؛ لابعادها عن حدود التركية وتخلص من مخاوفها الأمنية بشأن أمنها القومي. وطالبت تركيا مجتمع الدولي بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغربية وروسيا بأهمية الحفاظ على وحدة جغرافية الأراضي السورية ومحاربة كافة التنظيمات الإرهابية وعدم دعم تنظيمات الانفصالية وفق مفهوم التركي .
وفي عام 2017 انخرطت تركيا في مفاوضات استانة مع كل من إيران وروسيا حول الأزمة السورية مع حضور وفود من النظام السوري والمعارضة وتوصلت الأطراف المجتمعة بأنه لا يوجد حل عسكري للازمة السورية، وشددوا وضرورة تفعيل المفاوضات بين النظام والمعارض للوصول إلى حل سلمي للازمة السورية،واتفقت الأطراف المشاركة على أن تكون المفاوضات ومسار آستانة بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254. واتفقوا ايظاً على ضرورة محاربة التنظيمات الإرهابية المتطرفة "جبهة النصرة" وتنظيم داعش الإرهابي". وخلال كل هذه المفاوضات تم استبعاد كافة الأحزاب والمنظمات الكوردية من المشاركة في مفاوضات آستانه وغيرها من مفاوضات متعاقبة مثل مفاوضات سوتشي التي رعتها روسيا بين المعارضة ونظام. ووفق لتلك المفاوضات أنشئت روسيا وتركيا نقاط مراقبة لعملية وقف إطلاق نار ضمن اخفض التصعيد بين قوات المعارضة والنظام السوري في إدلب ووقف هجوم نظام سوري عليها.
وفيما يخص بموقف تركيا الاخير من الأزمة سورية فإن تركيا ترى بأن اعظم منفعة للشعب السوري هو تخلص من وحدات حماية الشعب الكوردي وضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ؛ وتخلص بذلك من شبح تقسيم سوريا في المستقبل ومخاطرها على الأمن القومي التركي والشعور كوردي فيها، وتلوح تركيا منذ شهرين برغبتها القيام بالعملية عسكرية جديدة ضد القوات السورية الديمقراطية (قسد) التي يشكل الكورد عمودها الفقري.
أما ما يتعلق يتقارب تركي-سوري الأخير فقد أشارت وكالة "تسنيم" الإيرانية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد قد يجتمعان في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سبتمبر بأوزبكستان. وأشارت الوكالة ذاتها أن وفود سياسية تركية ستتوجه قريبا الى سوريا للتفاوض مع النظام السوري حول الأوضاع في سوريا.
ونتيجة لهذا تقارب تركي-سوري هناك مخاوف من جهات معارضة السورية وكذلك من القسد حول التعاون الأخير بين الطرفين وتتخوف المعارضة ان تتخلى عنها تركيا في إدلب وتسمح للنظام بالمهاجمة عليها بينما تتخوف قسد ان تسمح نظام السوري روسيا لتركيا أن تهاجم عليها وتسيطر على مناطق نفوذها .
يبدو أن هناك التقاء المصالح في وقت الحالي بين تركيا وسوريا خاصة فيما يتعلق بإدلب ومنطقة الإدارة الذاتية التي تسيطر عليها القسد في شمال-شرق سوريا ،وضرورة وجود استقرار في سوريا؛ وإن غاية تركيا تكمن في محاولة إنهاء إدارة ذاتية في شمال شرق سوريا التي يقودها الكورد مي تتخلص من كافة هواجسها الأمنية وتخلص من وقود قوات قسد على حدودها بشكل نهائي؛ بينما يحلم نظام السوري بإعادة السيطرة على محافظة إدلب وإعادة الأمور إلى قبل 2011 بشكل تدريجي عبر تفاهم مع تركيا بالواسطة روسية مع تفهمها لمخاوف تركيا الأمنية .
إن العلاقات التركية-السورية ستتجه نحو التحسن والتعاون في مجالات الأمنية والدبلوماسية مع رعاية الاثنان لمصالح بعضهما البعض ، وترغب تركيا أن تسيطر قوات النظام السوري على كافة مناطق الإدارة الذاتية واضعافها تدريجياً ومن تم تفكيكها ومقابل ذلك يتوقع أن تتخلى تركيا عن المعارضة في الإدلب وقد تتعرض المعارضة ايظاً لخطر التفكيك ضمن رعاية مصالح متبادلة بين طرفين......
إرسال تعليق