أحببْ حبيبَكَ هوناً ما وأبغضْ بغيضَكَ هوناً ما

مشاهدات

 



 علي العوادي


من البديهي أن الإنسان كائن اجتماعي  لما يحمله من وسيلة جبارة للتفكير والتأمل في كيفية استمرارية الحياة  ألا وهي (العقل) الذي ميزه عن مخلوقات الله الأخرى ، وبما يحمله من قلب نابض ملأته الأحاسيس والمشاعر ، ولسان يترجم ويفقه لغة الآخرين ويوصل أفكاره ومشاعره إليهم ،  لذا فان العلاقات الاجتماعية المباشرة - وليس علاقات  السوشيال ميديا - بين بني البشر عمرها عمر البشرية على وجه الخليقة ، تتوثق تلك العلاقات بالمحيطين لتتمدد شيئا فشيئا إلى بقية أفراد المجتمع ، ومع تعدد متطلبات الحياة تتسابق الأغلبية من الناس للاستزادة من ملذاتها وبأي طريقة كانت ، حتى ولو كان الثمن قطع صلة رحم ، أو تضحية  بأخٍ لم تلده الأم ، وصار البعض يلهثون لبناء أواصر الصداقة مع  من ثقُلت جيوبه بالأموال ولمع اسمه بين الوجهاء ، وصارت له كلمة مسموعة في المحافل الاجتماعية أو السياسية ، دون النظر إلى سلوكه ، إيجابي أكان أم سلبي ،  وبسبب تلك الارهاصات تتولد المشاكل وما يتبعها من خصام وقطيعة و (زعل) قد يستمر لايام واشهر وربما إلى سنين  تتلوها سنين وقد يمتد ليشمل الاب وفلذات كبده والاخ وأخيه والجار وجاره ، والصديق وصديقه ، فتذهب الألفة وتتلاشى روح المودة  والتسامح ، فتسود الفرقة والبغضاء  ويخيم الجهل حتى على سلوك ممن يحسبون على طبقة المثقفين والأكاديميين بل وعلى طبقة الفلاسفة في شؤون البلاد والعباد ! ، والسبب هو أننا رمينا دُرَرَ عقائدنا وموروثنا الاصيل وراء ظهورنا وبنينا علاقاتنا الإجتماعية والإنسانية على أسس ثقافات أخرى ، وصار من يختلف مع أخيه على مسألة ما - أو يحمل ولو نزرا من الغيض عليه - عدواً ما من عداوته بُدُّ ، وعلى جميع الأهل وذوي القربى رفع راية العداء  بوجهه مهما كانت الصلة التي تربطنا به ، حيث أن الكثيرين منا يحول الخصومة - التي قد تكون إختلاف في الرأي أو منافسة أحيانا - إلى عداوة مقيتة ربما تحرق بنيرانها ما سيأتي وما سلف.  بطبيعة الحال أن من محاسن الأخلاق أن نضع ثقتنا بالاقربين الذين هم أولى بالمعروف وبالجار الجنب وباصدقاء الدراسة والعمل ونوثق علاقاتنا معهم وحتى بأصدقاء السفر ، فكما يقول المثل ألف صديق ولا عدو واحد ،  فنتبادل معهم الود والاحترام بل الحب في الله ، ولا ضير من البوح ببعض مكنونات النفس فيما بيننا ، على أن لا نفتح باب عالمنا الخاص على مصراعيه أمام فضول الآخرين ، وانما يستوجب أن ندع للحديث بقية في صدورنا ف(ان ضاق صدر المرء من سره ... فصدر الذي يُستودع السر أضيقُ) ، وإن تسلل غضبٌ أو كرهٌ واخترق شغافَ قلوبٍ رقيقة وحول رقتها إلى غلظةٍ وبُغض فلنتذكر كلام سيد البلغاء والمتكلمين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يرسم لنا طريق العلاقات الإنسانية القويم حيث يقول: (أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ).

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم