النخب العراقية وازمة الحضور

مشاهدات



د . سامي الزيدي 


منذ اول التغيير واقصد عام ٢٠٠٣م وقفت النخب العراقية متفرجة على المشهد السياسي دون ان تحرك ساكنا وتركت للوافدين من خارج العراق ان يشكلوا المشهد بعيدا عن اشراك القوى العراقية في الداخل والنخب السياسية والمثقفة .

  لقد مرت النخب العراقية بكل اطيافها بهاجس الضعف والانهزام امام القوى الخارجية القادمة بحمولة الجهاد والمعارضة للنظام السابق ، وتركت الساحة السياسية لتلك القوى وكأنها صاحبة الحق في تشكيل المشهد السياسي دون ان تلتفت الى الداخل او تحاول ان تشركه في ادارة الدولة والعملية السياسية .

حتى القوى التي تشكلت في الداخل لم تكن قوى نخبوية انما تشكلت على اساس عقدي او مذهبي او انها حملت شعار المقاومة ، ولم تكن لها رؤية سياسية او مشروع دولة بقدر ما كانت متخبطة بين المقاومة والمعارضة والاشتراك في الحكومة معتمدة المزاج الشخصي لقادتها . 

  ضاعت النخب العراقية بين نرجسية التعالي على الاخرين وعملقة الانتاج الفارغ ، وبين الانشغال في امور ذاتية ، وترك الشارع العراقي يواجه مصيره دون وجود النخبه الواعية التي تدرك بمجساتها حجم الدمار والتمزق والتراجع وآلية معالجتها . فالنخب هي المسؤولة بما تملكه من وعي في تنبيه المجتمع الى مخاطر الكوارث قبل وقوعها لانها تستطيع قراءة المشهد وتتكهن بما سوف يحدث .

هذه النخبة لم تكن حاضرة في المشهد العراقي ولم يحسب لها الحساب فهي نخب تملكتها السلبية والانعزال تحت حجج واهية ومبررات لا منطقية . مما دفع الشارع العراقي الذي عاش اليأس والاحباط بغياب نخبه ليدرك انه في عراء دون مظلات واقية ودون حائط صد . 

هذا الامر دفع في النهاية الشارع الى ان يأخذ زمام الامور ليخرج في تشرين ثائرا على كل الرموز  . فالشباب الذين نزلوا الى الشارع كانوا يعلمون انهم لا يملكون نخبا واعية قادرة على تغيير المشهد السياسي فكان لابد ان ينتهي الانتظار الذي طال كثيرا دون جدوى .. فقالوا (الوعي قائد ) وهذا يعني لا وجود لنخب قائدة او رمز يلتف حوله جمهور الناس .  اعلنوا انهم ادركوا بوعيهم ان وعيهم يقودهم لفهم المشهد السياسي ، لان القيادات تكاسلت عن اخذ دورها ومسؤوليتها في قيادة الناس نحو الخلاص .

افرز مشهد الانتخابات صورا من السلبية الواضحة للكثير من النخب بعدم مشاركتهم فيها وعزوفهم عن ممارسة دورهم مع انهم كانوا ينتقدون العملية السياسية طيلة ال ١٨ عام الماضية . فهم لم يقدموا مشروعا جديدا لانقاذ الواقع العراقي ولم يشكلوا كتلة سياسية تمتلك القدرة على طرح اليات الخروج من الازمة ، كل ما يمتلكونه هو النقد المزمن للواقع ، والحقيقة ان المثقف الواعي لا ينشغل بنقد السلبيات انما في تقديم الحلول . لم نرى ايا من الامرين لا مشروع حقيقي يدل على وجود نخبة واعية ولا كتلة يثق بها الناس تأخذ زمام المبادرة لاصلاح الخلال .

ان النخب العراقية بكل اطيافها تتحمل مسؤولية ما يحدث في العراق من خلل وانزلاق نحو الهاوية لان الانكفاء والانعزال والتعالي والتشظي والتقاذف والسلبية صارت صفات واضحة تتميز بها نخبنا فهي منشغلة ببيت شعر مختل الوزن او سطر في رواية لم يكن فيه المؤلف موفقا ، ولم تنشغل باختلال اوزان العملية السياسية او خروج الدستور في بعض مواده عن تحقيق امل الشارع العراقي .

ان غياب النخبة تعني غياب الحلول وتعقّد الازمة السياسة في العراق واستمرار الانسداد السياسي .

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم