عندما غرد فائق ..سقطت العصافير..

مشاهدات



ثائرة اكرم العكيدي 


الغريب حقا أن تمر موجات الفساد تحت أغطية متعددة أخطرها التحجج بالحريات وأولوية حمايتها، فمن العجيب حقاً أن يذهب الإنسان إلى تدمير نفسه بخلط الفكر الشاذ وربطه بمبادئ إنسانية عظيمة، فيخلط بينها وبين المستهجَن من الفكر والسلوك، مثلا دمج الحرية والبغاء في بوتقة واحدة، مع أنهما لا يلتقيان قط من حيث الهدف والنتيجة، فالحرية تقوّم الناس وتزيد من تلاحمهم ووعيهم وتحمي كرامتهم، أما البغاء فإنه لا يمكن تمريره تحت غطاء أو عباءة الحرية.

تقع على قادة النخب لاسيما الاجتماعية والدينية والثقافية وحتى السياسية الوطنية محاربة ظواهر الفساد التي تضرب خطوات الإصلاح في الصميم، والإبقاء على الفرد ومن ثم المجتمع مهزوزا ضعيفا منشغلا بملذاته وشهواته، تاركا المبادئ والثقافة التي تحصنهُ من الوقوع في فخاخ الفساد والإفساد، ومن الخطوات المهمة لردع هذا الخلل، اتخاذ الحكومات خطوات جذرية لمنع البغاء ومظاهر الفساد عبر وسائل التثقيف والإقناع، مع استخدام التشريعات القانونية التي تحد من ذلك.

مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي وكثافة وسهولة استخدامها بين مختلف فئات المجتمع،برزت على السطح الكثير من التأثيرات خلال الأسبوعين الماضيين، انشغل الوسط العراقي سياسيا ودينيا واعلاميا بتغريدة فريدة من نوعها للسياسي المخضرم فائق الشيخ علي فاشعل مواقع التواصل الاجتماعي بها  وخلق تساؤلات ظلت تبحث عن أجوبة بين رافض لهذه التغريدة وبين مؤيد لها بين من يعتبرها حرية شخصية لاعلامية عراقية ظهرت  سابقا بفيديو لها تسب العراق وبين كونها معيارا لما وصلت إليه منظومة الأخلاق في مجتمعنا العراقي .

لقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في إماطة اللثام عن جانب من جوانب الانحلال الأخلاقي الذي تعرفه المجتمعات العربية، والذي كان في مراحل سابقة يتم في الخفاء، في ظل النفاق الاجتماعي ووراء ستار (الأخلاق) والتدين. وتيك توك هو احد هذه المواقع التي استطاعت تحقيق انتشار كبير، واضحى عبارة عن ملهى ليلي مباشر للعريّ والايحاءات غير اللائقة والرقص الماجن. حيث رفع الحياء، عن مجتمع لطالما كان يصنف عرض نسائه في خانة الحرمات والممنوعات.

ما يثير الانتباه أن الفتيات اللواتي ينشرن هذه المقاطع، معظمهن مشهورات اعلاميا في القنوات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ويصل الى كل بيت عراقي بالتالي هذا يؤدي الى فشل العملية التربوية التقليدية، وانهيار القيم الأسرية، ذات الطابع الديني والأخلاقي. ناهيك عن بعض التطبيقات قد ساهمت في كسر حرمة البيوت بشكل لا يُصدق لدرجة أن الفتيات ينشرن رقصهن وميوعتهن داخل بيوتهن بملابس غير محتشمة وبغناء أغلبه من أغاني الملاهي الليلية واستعراض مراحل حياتهم الخاصة امام الملاء جون خدش او حياء كخطوبتهن وزواحهن وحملهن وحتى ولادتهن في صالة العمليات وذلك بمرئ وعلم  حضرة أبائهن أو أمهاتهن وازواجهن خصوصا وأنه من المفترض على الآباء الإشراف على أبنائهم، ونهر بناتهم وردعهن على مثل هذه التصرفات غير المقبولة والتي تسيء لهن ولسمعتهن بدلا من مشاركتهن هذه الافعال التي لاتمت لا من قريب ولا من بعيد باخلاق مجتمعنا العراقي الذي لطالما كان قدوة لباقي المجتمعات العربية .

ان اوضاع المجتمع العراقي لابد من تفكيكها، ونقد مضامينها بجرأة وإقدام .. انها بحاجة ماسة الى الوعي بها من قبل الناس والخروج من دوائر تجميل هذا الواقع المزري ومداراته ، او الخوف منه او الخوف على المصالح الانوية .. ان نكبة العراق ستستمر ان تربت الاجيال الجديدة على افرازات هذا الواقع وتناقضاته المهلكة. ان العراقيين بحاجة ماسة الى ثورة تربوية وعلمية لا يمكن ان يحققها هؤلاء الذين جلسوا في السلطة واستحوذوا على مؤسسات العراق الحيوية. وعليه ، فان الضرورة تقضي بتغيير العملية السياسية الى ثورة اجتماعية من اجل التمدن والاخلاق قبل اي شيء آخر . اننا بحاجة ماسة الى قيادة اخلاقية للبلاد ، وكما يري عالم الاجتماع هيفتيز بأن على القيادة الاخلاقية استخدام السلطة لجعل الناس اسوياء في مجتمعهم والاعتماد على افضل الناس في النمو الاجتماعي .. أما عالم الاجتماع الآخر بيرنز فيرى ان على القادة الاخلاقيين التخفيف من القيم المتصارعة وتلبية الحاجات المعنوية والمادية معاً .. فمن ذا الذي يسمع ومن ذا الذي يرى من قيادات العراق الكسيحة .

لقد انحدر العراقيون الى الاودية والقيعان في 20 سنة ، ولم يرتفعوا نحو القمم واعالي الذرى باخلاقياتهم .. انحدروا حيث الهاوية السحيقة التي ليس باستطاعتهم الخروج منها ابدا .. لقد فقدوا كل سبل العودة، ولم يتركوا هامشا واحدا كي يعودوا من حيث ذهبوا، او يصعدوا من حيث نزلوا وخاصة الوسط الفني والاعلامي مع احترامي لبعض الشخصيات التي مازالت متمسكة بمبادئها واخلاقها رغم تهميش المجتمع لها فهي تفضل ان تعيش في الظل على ان تبيع مبادئها واخلاقها .

الكارثة، ان تجد في مجتمعاتنا من يدافع اليوم عن تلك الترسبات من العادات والتقاليد البالية، ويحاول ان يجد الاعذار والتبريرات لسلوكياته المهترئة  لهؤلاء او يحاول ان يجد مثالب وسلبيات في سلوكيات مجتمعات متمدنة ، ويقارنها مباشرة بالدين اولا وبجاهلية تلك المجتمعات. 

 أتمنى أن لا يتشدق البعض بالقول إننا نتجنى على الشعب العراقي إذا ما تدارسنا سايكلوجياته وأمراضه وتعقيداته اليوم، وما آلت إليه أحوال العراقيين بعد أزمنة توالى خلالها الدمار والخراب يوماً بعد آخر، وحلت الانقسامات الاجتماعية الضارية إثر الانشقاقات السياسية المدمرة، واستفحل دور الملالي متدني المستوى سواء كانوا بالعمات السوداء أو البيضاء أو بغيرها، وحكم البلاد الشقاة والطائفيون والمليشيات والمتحزبون والمرتزقة والمتعصبون الذين أتى بهم أولئك الانقلابيون من المجانين الحمقى أو أولئك المحتلون البغاة الذين تقاطعت مصالحهم مع حكم المستبدين وهيمنة أبناء العائلة ومن أحاطها من أحلاف العشائر التي ضمت شرائح من الجهلة القساة والأغبياء العتاة ومن صفق لهم من المنافقين (اللوكيين) والمرائين والملالي والمرضى النفسيين.

تغريدة الاستاذ فائق الشيخ ذكرتني بقصة  في عهد زعيم الجمهورية الأولى الشيوعي عبد الكريم قاسم حيث تداول العراقيون وقتها حادثة طريفة  عندما تبادل القوميون والشيوعيون الشتائم في الصحف وأجهزة الراديو؛ فأرسل الشيوعيون رسالة إلى إذاعة صوت العرب في مصر مفادها أنَّ الشيوعيين اعتقلوا المجاهدة حسنة ملص ونكلوا بها، فخرج المذيع الشهير أحمد سعيد آنذاك دون أن يعرف حقيقة حسنة ملص وهو ينادي عبر إذاعة صوت العرب إذا ماتت حسنة ملص.. فكلنا حسنة ملص.

لقد بدأ الاستياءه الشديد من تغريدة النائب فائق الشيخ لاغلب الذين يتابعونه كانت تغريدته موجهه لكل اعلامية او اعلامي دمج عمله كسلطة رابعه مع سلطة السياسية فقط لمصلحته الشخصية حتى لو كانت على حساب اخلاقه وشرف مهنته  ولا يمكن تحرير الإعلام أو فصله عن المؤسسات والشركات والقنوات التي تملكه وتتحكم فيه.

اذن الفساد ومكافحته ليست رهينة السلطة والقضاء فقط وانما ينبغي على المجتمع والمواطن العراقي تبني القيم الاخلاقية التي تجعل من الفساد عاراً وتجعل من الفاسدين اناس سيئين ينبغي مقاطعتهم اجتماعيا وتوصيفهم باقذر الاوصاف حتى يصبحوا عبرة للاخرين .

في العراق من يشجع على البغاء والفساد وانحلال الاخلاق اشخاص لهم مراكز حساسة في الدولة ولهم ارتباط مباشر مع 

بعض من الفنانات والاعلاميات او ممن يديعن الاعلام والفن 

لان وظيفة الاعلام سامية لمن حمل اسمها بصدق واخلاص 

وايضا الفن لطالما شهدنا فنانات على مستوى عالي من الثقافة والخلق خاصة  في العقود الماضية لكن هناك اليوم من يقوم بزرع واسقاء كما يدعون رموز إعلامية لم تكن معروفة سابقاً، ولا تحظى بقبول الناس، لكنها وَجَدت دعماً غير معلوم، وأصبحت ذات تأثير كبير في الحياة الاجتماعية، بطريقة تتفق مع من يحرك الخيوط سراً وتقديم قدوات زائفة، لتسطيح الفكر المجتمعي، ونقل المجتمع من التركيز على المهمات، إلى البحث عن سفاسف الأمور، والجري وراء الموضة والملذات، وفقدان الحس بأهمية احترام الوطن وأُسسه ورموزه.

ان لتعبير الإعلام الأخلاقي الحقيقي الشريف يحيل إلى  اليوم حيث برزت على الساحة الاعلامية وجوه ليس لها علاقة بالاعلام والفن عينتها قنوات هابطة المستوى وروجت لها بيجات تابعه لجهات هي بالاصل تخطط وترسم للقضاء على الاعلام الحقيقي في العراق وهدم كل معالم الفن والابداع الذي لطالما كان العراق محافظا علية في اصالة المشهد وصدق الرويا لسنوات ماضية إذ إن وظيفة الإعلامي ليست نقل الحقيقة  وانتقاد ممارسات من هم في السلطة، أو هكذا يُفترض بل ايضا بث تقويمات ورسائل اخلاقية عبر شخصه هو لان هناك الملايين ممن يشاهدونه واحيانا يكون ضيف كل يوم في البيوت العراقية.

وإذا كانت الأخلاق هي مجموعة القيم التي يعتبرها الناس جالبة للخير وطاردة للشر، فعلى الجميع خصوصا المؤسسات في الدولة أن تعيد تدريس مادة الأخلاق في مدارسها، وأن تتدخل بحكمة العاقل لا بمقص الرقيب في متن الرسالة الدرامية والإعلامية التي تقدم على تلفزيوناتنا وإعلامنا ودرامتنا والسينما أيضا .

اليوم نجد ان العقل العراقي بدأ بتقبل التفاهات والتافهين بشكل تدريجي الا القلة القليلة التي لازالت تحارب من أجل جعل الوعي والفكر حاكماً ويعلوا ولايُعلى عليه، لكن اني ارى ان هذا لايستمر طويلاً مع سيلان التفاهة وأثرها في واقعنا العراقي، ومن امثلتها أصحاب التفاهات الخاصه وهذا ما سنشهده ينعكس سلباً أيضاً حتى على الانتخابات البرلمانيه القادمة لكثرة التافهين وغياب الوعي، فأن حكمنا على التافهة بتفاهته، وجب بنا التفاهه في تعاملنا فلا تلوموا أنفسكم على ظلمكم اولاً، وللاجيال القادمة ثانيا .

 فالأمور واضحة، أي أنها من باب شرح السماء فوقنا مع ذلك، لن نسلم بما يبدو بديهياً، وسنتابع البحث في كيف يفهم الناس الفساد.

1/أرسل تعليق

إرسال تعليق

أحدث أقدم