لن تتحرر اجسادنا..مالم تتحرر عقولنا..

مشاهدات



ثائرة اكرم العكيدي 


لا يوجد تطور بدون حرية ولا توجد إنسانية بدون حرية .. فحرية العقل هى التى أخرجت الإنسان من الكهوف إلى بناء الحضارة .نحن شعوب تعيش فى كهوف ولكن داخل أبنية خرسانية فلم نتطور ولم نعى معنى الحضارة .. نتصور أننا متمدنيون ويكون لدى الكثير منا توابع وقداعتادت الثقافة العراقية  أن تفرز مصطلحات واتجاهات ثقافية لوصف مراحلها السياسية، فمن اليقظة إلى الصحوة، ومن القومية إلى الأممية، ومن الوطنية إلى الطائفية، وتشترك أغلبها في عامل الهاجس السياسي،قد تصل بعضها الى حد القتل والعنف والظلم .

فبالرغم من ان الكثير منا يملك البيوت ويسكن في عمارات وشقق ويمتلك سيارة ويجلس أمام اجهزة الكمبيوتر ولكن لم يتخلص بعد من ذهنية ونفسية أهل الكهف فلا يدرك ماهو هذا الإختراع الذى يُسمى الحرية ... الحرية ليست أن تختار ان تردى قميص رمادى أو أزرق بل حرية عقل يمتلك التحليق فى عالم الفكر ليبنى حياته ومجتمعه , فمن حرية العقل سنحذو نحو الديمقراطية وسنبدع فى إنتاج الحلول لمشاكلنا وسننتج العلوم لترتقى بإنسانيتنا بحراك وصراع الأفكار .

ففى خضم الحالة المأساوية التى يعيشها الشعب العراقي بتشبعه بمنهجية الإستبداد والقهر والفقر فلا هى تعتنى أو تحترم أو تفهم قيمة ومعنى الحرية سيبرز سؤال ما العمل وكيف الخروج من هذه المعادلة مع العلم ان تلك المعادلة تزداد تعقيداً ليمنح كل حد من حدودها الدعم للحد آخر فى علاقة طردية فكلما نمت وإزدهرت الثقافة الدينية كلما زادت الرؤى ضيقا وتشرنقاً لترتفع معدلات التصلد والتعنت الغباء لاغلب العقول التي تعبد الاصنام  .

إياك ان تتصور أن التخلف هو عدم القدرة على إبداع العلوم أو إنتظار الآخر أن يبدعها لنستعيرها أو نشتريها منه هذا مظهر من التخلف ولكن جوهره هو تردى وتدهور وتجمد حرية عقل التخلف هو جمود عقل وإستبداده تجاه فكرة وجنوحه للخوف وتقبل الوصاية إيثاراً للسلامة .

فى ظل حالة العقم المجتمعى عن إنتاج علاقات ومنظومات حداثية تصل الأمور لحالة الإفلاس فتطلب إستدعاء نماذج قديمة لتتعالى أصوات كثيرة فى العراق تترحم على أيام صدام  حيث كان المواطن يحظى على الأمان والسيادة والذى أصبح مفقوداً علاوة أن ألاضاع الإقتصادية ومشاريع البناء والاعمار مستمرة. العراق لم يكن فى ظل سطوة صدام بهذه الهلهلة  بالفعل لا يوجد أى تبرير للأنظمة الفاسدة ولكن إنسداد الحلول وتردى الأحوال وعقم المجتمعات على إنتاج ثقافة حرية تجعل الشعوب تطلب ما فى جعبتها البائسة باحثة فى دفاترها القديمة .

هل ترى وجود ديكتاتور عادل حل للشعوب  التى لا تعى ولا تقيم وزنا للحرية والديمقراطية فهى شعوب غير مهيأة للتعاطى معها.. بصراحة سؤال حرج ويتحمل الإجابتين فإذا كنا شعب لا يعى الحرية  ولا يقيم لها وزنا فما المشكلة أن يفرض حاكم منظومة سياسية وإجتماعية وثقافية جيدة ترتقى بالشعب وتنتشله من التخلف ولكن هناك الكثير مما يقال فى هذا الشأن فبداية هذا الحل المطروح هو نتاج حالة إفلاس وعقم للشعب فى عدم قدرتها على إنتاج نماذج أخرى , كما أن هذا الحل لا يقدم ضمانات أنه سيسلك نهجا تقدمياً كما لا يوجد معيار محدد للتقدم فى حالة البؤس والترنح الثقافى فما أراه تقدميا قد يراه غيرى غير ذلك , وما أراه يبنى يراه غيرى مخرباً .. يبقى فى النهاية أن البنايات الفوقية ليس لها مستقبل فما تلبث أن تتهاوى مع زوال القوة الداعمة لها كونها بلا قواعد ولا جذور .

الإعتقاد بأن التخلص من طاغية أو النقش حول خطط إصلاح إقتصادية أن هكذا أصبح لنا مستقبل وسنُنتشل من برك ومستنقعات التخلف يعتبر وهم فنحن قادرين على إنتاج طغاة آخرين ففى داخل كل منا مستبد . ما لم نقتلع ثقافتنا المتحجرة والنخب المستفيدة من حضورها لن يكون لنا مستقبل ويكون كل سعينا كمن يحرث فى الماء .

مازلنا نترنح فى البحث عن حل ..فالحل الحقيقى يكمن فى تغيير العقليات فكراً ونهجاً وسلوكاً وهذا لن يتحقق نتيجة هيمنة منظومة ثقافية فاشية تغلغت حتى النخاع فلا تعنى ولا تعتنى بحرية الفكر لنصل لحالة من الضمور والتشوه  فالفرد العادى أصبح ذو نهج إستبدادى تعسفى لا يرى معنى وقيمة لحرية الآخر طالباً الوصاية عليه لتدور الدوائر ليستسلم لمن يمتلك القوة ويسحق افكاره ويمارس وصايته فلقد أصبح قهر الحرية وسحقها والوصاية نهجا فكريا .

تخلفنا هو نتاج بنية فكرية وثقافية لا تعى ولا تعتنى بأبسط معانى الحرية فتنكر على إنسان حرية فكره وإعتقاده .. نحن أمام مجتمع يطلب ذبح إنسان لأنه يفكر ولديه حرية .. لم يفكر أحد بل لن يفكر فى مفردة " ما شأنك " لتدخل فى حرية جارك وإعتقاده لتقتله نظير إرتداده عن فكرة تقدسها ليبرز منهج أصيل فى داخلنا وهو نهج الإستبداد والوصاية فأنا لا أعترف بحرية فكرك وإعتقادك بالرغم أنه شأن داخلى لك ولن يضر مصالحى وحياتى ولكن رغماً عن ذلك لن أتركك تحمل فكرة فى دماغك وضميرك فسأنزع رأسك من جسدك لأننى أمتلك الوصاية عليك.

يتطور المجتمع بتبنى ثقافة تحررية تعلى من قيمة وحرية وكرامة الإنسان ومن هذه القاعدة يمكن تأسيس الإنسان وحضارته لبناء منظومة فكرية حضارية لا ترتهن بقائد أو تنتظر زعيم ليكون لها البقاء والصيرورة ... حتى النماذج التى نراها وطنية تقدمية وقدمت لمجتمعاتها الكرامة والمساواة وإنتشلتها من كهوف الماضى جاءت قمعية وغير محترمة لحرية الإنسان فقد تم فرضها قهراً ولم تنتج نتيجة قناعات حقيقية للبشر وهذا ماحدث مع دول المنظومة الإشتراكية فلا ينفى أحد ان الإشتراكية إعتنت بالكرامة والعدالة وقضت على أشكال الإستغلال والجشع والنهب ولكن لم تبقى هذه الأنظمة لأن الأفكار مهما عظم شأنها إن لم يكن هناك حرية فى قبولها ونقدها فهى إلى إنهيار.

يؤسفنى القول بأن الطريق شاق وطويل نحو التحرر من التخلف فنحن هنا لا نواجه طاغية نتفق على فساده بل طبقة رجعية تبحث عن مصالحها لتتحصن بمنظومة دينية تؤصل لثقافة متحجرة منتجة شعوب أصبحت ممسوخة متخلفة.. فكم خطوة أنجزنا حتى الآن .

من رحم التجارب القاسية لابد ان نخوض ماخاضه الآخرين لنخط من أول السطر بالرغم من أن الإنسان يُفترض فيه التعلم من تجارب ونضال الآخرين كما يُفترض أيضا أن لا يبدأ بإعادة ممارسة التجارب من البدايات فهو كائن ذو تاريخ ولكننا نفتقد هذا الأمرنتيجة ان ليس لنا تاريخ نضالى لنيل الحرية كما نتوجس من ثقافة وتجارب الآخرين بحكم ثقافتنا العفنه التى ترى ابناء السعب الذين من غير طائفة او معتقد ديني هم  كافرون لذا فلابد ان ندخل دوائر الصراع من البدايات أى توضع ثقافتنا على المحك على أرض الصراع مع متطلبات الواقع والعصر لتتهاوى المنظومة الثقافية والفكرية الفاشية , وليس هناك مشكلة فى أن نخفق ونتعثر ونقف ثانية لنعلن التحدى من خلال صراع حى يمس مصالح واحتياجات مع ضرورة وجود بنيات ثقافية حداثية جديدة تواكب هذا الصراع لتبنى  لابد ان تدق الأفكار أدمغتنا الصلدة بقوة وعنف فلن نتغير من خلال المداهنه والتخدير والتسويف لن يجدى التحدى الخجول والخوف من القوة الغاشمة المتمثلة فى ثوابت الأمة وثقافتها التليدة لابد ان نتحدى ثقافتنا البائسة ونفضحها ونضعها على محك الواقع  فلن نخرج من عنق الزجاجة إلا بحراك ثوري شبابي قوي  فمن هؤلاء تتولد اللبنه الحقيقية ولا يكون إيمانهم بالحرية على إستحياء يكتفى بكونه وجهة نظر خجولة بل يجب أن يكون دفاعهم عن الحرية شرس وقوي الذين لا يخجلون عندما يطالبون الطغاة بأن لايحكموا ويتحكموا .

من دون شك  أن طرح قضايا على مائدة البحث وإستحضار النقد لما يعترى ثقافتنا من عوار هو أمر صعب أن ينتج تغييراً وينتشل المجتمع من غياهب التخلف فالعراك والصراع الثقافى لن يكون فاعلاً وذو صدى فى الشارع العربى لأنه يعتنى بالنخب والصالونات بينما التغيير والتطور لا ينتج إلا بعد أن تداس الأقدام فى الغبار والتراب , لذا أرى ان النضال ضد ثقافتنا البشعة يجب ان يكون متلازماً مع تمظهراته المادية فى الواقع أى البحث عن المستفيد من بقاء ثقافتنا العفنة والساعى دوماً لتأصيلها وهيمنتها فليس أصحاب الإسلام السياسى سوى الواجهة والعراب لمن يستفيد .. علينا البحث عن الطبقات والنخب الرجعية التى تريد ممارسة سطوتها ونهبها للشعوب بقفازات الإسلاميين وشيوخ الدجل والخرافة .. هؤلاء هم الأصحاب الحقيقين للمشروع الإسلامى الراغبين فى تقليم أظافر الشعوب وتشويش بوصلة الصراع الطبقى ومسخ وعي الشعوب وإنسانيتها لنجد فى النهاية مواطن يتحمس لقتل إنسان بناءا على فتوة اتته من رجل معمم لاتعلم لاي جهه ينتمي وهو بعيد كل البعد عن الدين واصوله وتشريعاته فقط تجنده دولخارجية ويدخل بحجة رجل دين ويزرع بين ابناءالشعب العنصرية والحقد والطائفية . الطريق شاق وطويل نحو التحرر من التخلف فنحن هنا لا نواجه طاغية نتفق على فساده بل طبقة رجعية تبحث عن مصالحها لتتحصن بمنظومة دينية تؤصل لثقافة متحجرة منتجة شعوب أصبحت ممسوخة متخلفة. بئس أمه شبابها تعبد الاصنام وتستباح الدماء فيها باسم الدين  مشبعون بالتخلف مهما إرتدوا من ملابس عصرية وإستطاعوا ان يمسكوا المايك بأيديهم وداعبت أناملهم لوحة الكى بورد فلاتفكروا فى تقدم وتحضر طالما شعوبنا بهذه الذهنية التى لا تعتنى بألف باء حرية ولنتمرغ فى التخلف.

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم