بهاء العوام
التسريبات الإعلامية الأميركية لا تظهر اهتماما من قبل إدارة بايدن بإبرام صفقة مع الروس لإبقاء الأسد على رأس السلطة، بل تتوقع أن تقلب الطاولة على بوتين كي يجبر الأسد على التنحي.
الرئيس القديم الجديد
حادثة تكررت مرتين في سوريا خلال بضعة أشهر، صور التقطت لـ”الرئيس” السوري بشار الأسد في القصر الجمهوري مع مجموعة من الإعلاميين، ثم نشرت عن قصد دون توضيح السبب. التفسير الأكثر ترجيحا هو أن الأسد أطلق حملته الانتخابية للاستحقاق الرئاسي المقبل، وإن كان الأمر كذلك فعلا، فإن هذه الصور ستكون أقصى ما يمكن لـ”الرئيس” تقديمه للسوريين في ولايته الجديدة القديمة.
لا شك أن مدير الحملة الانتخابية لـ”الرئيس”، أو مديرة الحملة بمزيد من الدقة، تعرف هذه الحقيقة جيدا. لا يملك الأسد ما يدفع السوريين إلى انتخابه، لأن يديه ملطخة بدماء السوريين، وسجونه تعج بالآلاف غيرهم، إضافة إلى الملايين ممن شردهم الاقتتال، والملايين غيرهم يعيشون تحت وطأة الفقر لتبقى جيوبه وجيوب عائلته وأزلامه ممتلئة بأموال الدولة المنهوبة لعقود طويلة من حكم “الأسود”.
تكشف الصور عن هوية مدير حملة “الرئيس” الانتخابية للاستحقاق المتوقع في أبريل المقبل، فلا يوجد أفضل من لونا الشبل، المستشارة الخاصة للأسد، لأداء هذه المهمة المستحيلة. ليس فقط لأن الأسد أكثر من رئيس بالنسبة إليها، وإنما لأنها تعرف أدوات مسرحية الانتخابات الرئاسية السورية بشكل عام، وانعكاسات هذه الجولة تحديدا عليها وعلى حاضنة الأسد الداخلية، و”أسياده” في الخارج.
فوز الأسد بولاية رابعة لا يحتاج إلى جهود إعلامية وسياسية لأنه مكفول عبر أجهزة المخابرات وفروع حزب البعث ومؤسسات ما بقي من دولة وجيش. قبل عام 2014 كان السوريون يجبرون على استفتاء شعبي يبقي الأسد الأب ثم الابن، على الكرسي بتأييد 99.99 في المئة، وبعدها أضيف بعض الكومبارس كمنافسين ليصبح الاستفتاء انتخابات يربح فيها الأسد بنسبة 80 في المئة.
ولأن الفوز مضمون، تصبح المهمة المستحيلة للشبل وفريقها من أبواق “الرئيس”، هي التسويق لهذا الفوز وكأنه انتصار لإرادة السوريين على “المؤامرة الكونية” التي تحاك ضد الدولة منذ عشر سنوات. هنا تكمن المعجزة التي لن تتحقق لا في الداخل ولا في الخارج، ليس ضعفا في إمكانيات الفريق، وإنما استحالة في سرد الرواية على نحو غير أن الانتخابات (الاستفتاء) مزورة بالكامل.
لن تجد إحصاء حياديا ونزيها يظهر حجم التأييد الشعبي للأسد، ولكن قلة قليلة فقط من السوريين تريد بقاءه في السلطة. لا تهم أسبابهم أبدا، لأن الغالبية الساحقة من الشعب لا يمكن إقناعها بأن “الرئيس” يمكن أن يكون رئيسا. هو لم يكن يوما، ولن يكون بعد كل هذا الخراب والموت الذي لحق بالبشر والحجر في البلاد، فقط لأن بشار لا يريد أن يعترف بفساد نظامه وعجزه عن أداء هذه المهمة منذ أن دفع إليها، بعد موت أخيه باسل الذي كان بمثابة “الوريث الشرعي” لحافظ الأسد.
ربما تساعد الصور التي تنشرها الشبل على إيهام القلة المؤيدة للأسد بشعبيته، ولكن ماذا ستفعل المستشارة لإقناع الملايين من اللاجئين الذين شرّدهم الأسد وقتل أفرادا من عائلاتهم؟ كيف ستقنع دول العالم بأن الذي استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه يمكن أن يعاد انتخابه ثانية؟ هل تلغي صور الأسد الضاحك في حدائق القصر الجمهوري، تلك المجازر التي ارتكبت ووثقتها عدسة قيصر؟ هل تخفف من معاناة مئات الآلاف من المعتقلين والمختطفين في السجون منذ سنوات طويلة؟
ربما لن تجد المستشارة نفسها مضطرة إلى الإجابة على كل هذه الأسئلة، فما هو مطلوب منها هو مجرد إخراج مسرحية فوز “الرئيس” إعلاميا، ثم يتكفل الروس بالترويج الخارجي، وعقد الصفقات مع خصوم دمشق للقبول بنتائجها. بدأت موسكو بالتمهيد لذلك منذ الآن، ووزير خارجيتها سيرجي لافروف يقول بعد اجتماعه مع نظيره الإيراني مؤخرا، إن عدم قبول الغرب بالانتخابات الرئاسية في سوريا يعني حرمان السوريين من حقهم في اختيار قادتهم السياسيين.
يتناسى الوزير الروسي أن طائرات وصواريخ بلاده من جهة وميليشيات إيران من جهة أخرى، هي من سلبت السوريين حقهم في اختيار رئيسهم، وأبقت الأسد على رأس السلطة حتى اليوم. ربما لو لم تتكفل موسكو وطهران بقمع المعارضين للنظام قبل سنوات، لكان السوريون اليوم يستعدون لانتخابات رئاسية حقيقية، أو يعيشون في ظل قيادة وطنية حقيقية اختارها الشعب بنزاهة وديمقراطية.
لم تفلح موسكو قبل أشهر في إقناع “حليفها” الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بدعم عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فكيف ستدفع بالرئيس الحالي جو بايدن إلى إعادة الشرعية للأسد؟ هي في هذا تحتاج إلى أكثر من مسرحية الانتخابات أو أكذوبة الممارسة الديمقراطية للسوريين في اختيار قياداتهم، وربما يتطلب الأمر صفقة من قبيل إبرام الأسد لاتفاق سلام مع إسرائيل برعاية موسكو.
التسريبات الإعلامية الأميركية لا تظهر اهتماما من بايدن بإبرام صفقة مع الروس لإبقاء الأسد على رأس السلطة في دمشق، بل تتوقع أن يقلب الطاولة على فلاديمير بوتين هناك، ويمارس الكثير من التضييق عليه كي يجبر الأسد على التنحي بدلا من الترشح للانتخابات، أو على الأقل يدفعه باتجاه التنفيذ الكامل للقرار 2254 والقبول بانتقال السلطة إما إلى رئيس آخر يختاره الشعب بانتخابات حقيقية وإما إلى مجلس وطني يقود مرحلة انتقالية تنتهي برئيس شرعي للبلاد.
سيفشل الروس في إقناع الأميركيين والأوروبيين بإعادة الشرعية للأسد عبر مسرحية انتخابات أبريل المقبل، ولكنهم ربما ينجحون في شراء تجاهلهم لها كما تعاملوا مع انتخابات 2014. لن تستعين موسكو في مسعاها هذا طبعا بالصور التي ينشرها الرئيس الفائز مع أبواقه، وإنما ستلجأ إلى عقد تفاهمات في الأزمة السورية وغيرها من ملفات المنطقة والعالم. هكذا ستكون نهاية مسرحية الانتخابات بنسختها الرابعة بعد نحو ثلاثة أشهر. وسيرفض الجميع شراء صور “الرئيس” الفائز، لتتحول إلى أحرف قرمزية تلاحق أصحابها بعار تأييد الأسد إلى الأبد.
صحافي سوري
إرسال تعليق