عن الحاجة لبناء قوة نووية موازية

مشاهدات



علي الصراف


لا يحتاج التهديد الإيراني لأمن اقتصاد العالم أي دليل إضافي وهذا يعني أن العالم يجب أن يتكاتف مع دول الخليج العربية لمساعدتها في بناء قوة الردع الضرورية ضد هذا التهديد.

دول الخليج العربي أبعد ما تكون عن تهديد أي أحد

السعودية، كقوة إقليمية، وكأحد أكبر 20 اقتصادا في العالم، لا يمكنها أن ترهن أمنها لأي طرف خارجي مهما كان حليفا أو موثوقا به. ولهذا السبب، فعندما تصبح إيران على حافة أن تكون قوة نووية، فإن الرد الوحيد المناسب هو أن تكون هي أيضا قوة نووية، لكي تحفظ أمنها وأمن دول مجلس التعاون الخليجي.

لقد أصبح بناء مشروع نووي خليجي تقوده السعودية خيارا لا مفر منه. كل دول المجلس يتعين أن تشارك فيه، وأن تكون قوة دعم مشتركة لإقناع دول العالم الأخرى بالحاجة إليه.

الإعلان عن النية لبناء هذا المشروع، سوف يشكل بحد ذاته، صدمة وعي ظلت غائبة لوقت طويل في مواجهة التهديدات الإيرانية. وسوف يقول لكل دول العالم: فشلكم في ردع النزعة العدوانية لإيران، فوق فشلكم في لجم مشروعها النووي، هو السبب.

إيران لا تهدد دول العالم الأخرى مثلما تهدد دول المنطقة. إيران لا تهدد أوروبا ولا الولايات المتحدة ولا إسرائيل. إنها تهدد شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن بعد نجاحها في اختطاف حكوماتها والهيمنة على قرارها الداخلي. كما أنها تهدد دول الخليج العربية على وجه التحديد والحصر.

ولقد راهنت هذه الدول على التضامن الدولي معها، ووثقت بصدقية حلفائها في التوجه نحو كبح المشروع النووي الإيراني، إلا أن قرارات إيران الأخيرة بإطلاق العنان لبناء قنبلة نووية تعني أن التضامن الدولي لم يعد كافيا، كما تعني أن استرخاء الحلفاء والأصدقاء حيال التهديد، قد أصبح مثيرا للريبة على الأقل.

يعرف الجميع أن مجرد إعلان النية عن بناء قوة نووية خليجية سوف يثير الفزع في أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل. وهو فزع، يا للمفارقة ويا للعجب، لم يظهر في التعامل مع إيران عندما بدأت ببناء برنامجها النووي

دول الخليج العربي أبعد ما تكون عن تهديد أي أحد، بما في ذلك إيران نفسها. وهي تريد للجميع أن يعيش بأمن وسلام، وأن يحافظ على قيم ومعايير العلاقات بين الدول. ولقد ضربت مثالا بعد آخر على حسن النية مع إيران ومع إسرائيل ومع تركيا، برغم أن لكل من هذه الدول أطماعه الخاصة. واستخدمت حيال مخاطرها القوة الناعمة فقط، ولم تجد نفسها بحاجة إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية. إلا أن وجود برنامج نووي متطور في إيران، ووجود نزعات عدوانية لم تتوان عن ارتكاب هجمات مباشرة لم تبق مجالا للشك بحاجة دول الخليج إلى بناء قوة ردع نووية موازية خاصة بها. وليس تهديد أمن الملاحة في مياه الخليج وأمن الطاقة للعالم، وقصف منشآت أرامكو، والهجمات المتواصلة التي تشنها ميليشيات الحوثي بصواريخ إيرانية ضد المواقع المدنية والاقتصادية في السعودية، سوى شواهد متكررة على نزعات همجية ظلت ساطعة المعاني على مرأى من العالم بأسره.

يعرف الجميع أن مجرد إعلان النية عن بناء قوة نووية خليجية سوف يثير الفزع في أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل. وهو فزع، يا للمفارقة ويا للعجب، لم يظهر في التعامل مع إيران عندما بدأت ببناء برنامجها النووي. ولكن مع ذلك، فإن الدوافع السلمية الخليجية إذا كانت تثير الفزع، فمن الأولى بالدوافع العدوانية الإيرانية أن تثير فزعا مضاعفا.

سوف تعود الولايات المتحدة إلى التفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي. والاستعداد لبناء برنامج نووي خليجي، يمكن بل يجب، أن يكون ورقة على طاولة المفاوضات.

هذه أدنى الفوائد الممكنة، ولكنه يجب أن يكون برنامجا قادرا على المضي قدما بموازاة ما حققته إيران من تقدم.

يمكن للدول العربية الخليجية أن تقدم كل ما تحتاجه دول العالم الأخرى من ضمانات بأن برنامجها النووي المشترك لن يشكل تهديدا لأي أحد. علماء من كل دول العالم، يمكن أن يشاركوا في الرقابة، بل ويمكن أن يشاركوا في أعمال البناء كدليل على الطبيعة السلمية لهدف بناء قنبلة نووية خليجية.

الهدف الوحيد هو بناء قوة توازن استراتيجي مع قوة العدوان الهمجية الإيرانية، لكي تحفظ لدول الخليج أمنها وأمن اقتصاد العالم.

لقد شاهد العالم كيف أن إيران هددت هذا الأمن، عندما مارست اعتداءات متكررة ضد أمن الملاحة في الخليج، وعندما ظلت تكرر التهديد بإغلاق مضيق هرمز أو بضرب السفن الحربية الأميركية أو بالاعتداء على المدن المزدهرة على ضفاف الخليج.

لا يحتاج التهديد الإيراني لأمن اقتصاد العالم أي دليل إضافي. وهذا يعني أن العالم يجب أن يتكاتف مع دول الخليج العربية لمساعدتها في بناء قوة الردع الضرورية ضد هذا التهديد.

لا يحتاج التهديد الإيراني لأمن اقتصاد العالم أي دليل إضافي. وهذا يعني أن العالم يجب أن يتكاتف مع دول الخليج العربية لمساعدتها في بناء قوة الردع الضرورية ضد هذا التهديد

إيران، كما يعرف المجنون والعاقل، تريد غطاء نوويا لكي تواصل أعمالها العدوانية، ولكي تجعل من سياسات التخريب والفساد والحروب الأهلية هي الشيء السائد في المنطقة، من دون أن يقف في وجهها أي أحد، بما أنها تملك من القوة ما يخيف.

إيران، في هذا التوجه الإجرامي، أكثر شرا بكثير من كوريا الشمالية. فهذا البلد لا ينشر ميليشيات في كوريا الجنوبية، ولا ينفذ أعمالا إرهابية في اليابان. إنه بلد إذا ما وُضع في مقابل ما ترتكبه إيران، سوف يبدو وكأنه حمامة سلام. بل ويجب أن يحظى قادته بجائزة نوبل للسلام لفرط قدرتهم على الامتناع عن القيام بأعمال شريرة في الخارج. وهو امتناع يدل على مقدار عال من ضبط النفس، حتى مع وجود قوة نووية، بل وحتى مع قدرات عسكرية أخرى يمكنها أن تكتسح ما تشاء في الجوار.

في المقابل، فإن إيران هي حزب الله في لبنان وميليشيات الحوثي في اليمن وحزمة ميليشيات في العراق تمارس أعمال الدجل والفساد والترويع، فضلا عن ميليشيات المجازر وأعمال التهجير الجماعية في سوريا. وإيران نفسها تمارس التدخل بالقوة المسلحة، وبخلايا الإرهاب، في هذه الدول وفي غيرها أيضا.

كل هذا يحصل، بينما تبني إيران قوة نووية، لتجبر العاقل والمجنون على استنتاج وحيد هو أنها تبني هذه القوة ليس لحماية نفسها من أي تهديد، ولكن لكي تواصل أعمال الجريمة والإرهاب والتخريب، تحت غطاء نووي.

لا الولايات المتحدة ولا أوروبا سلمتا من بعض إرهاب إيران، حتى وهي تحت الحصار. فكيف سيكون الحال، عندما تُصبح قوة نووية؟

ليس من الضروري نزع الثقة بالحلفاء والأصدقاء، ولكن ما لم يفهم هؤلاء الحلفاء والأصدقاء طبيعة التهديد، فصداقتهم لا تنفع، والتحالف معهم ضار. هذا ما يجب أن يفهموه على الأقل، طالما أنهم لا يشاركوننا المستوى نفسه من إدراك المخاطر.

تملك دول الخليج من الخبرات ما يكفي. كما أنها تملك من التقنيات المصنوعة محليا والمستوردة ما يكفي أيضا. كما لا ينقصها المال. وهي تستطيع أن تبني قوتها النووية في وقت قياسي. ولا يستطيع أحد، إلا المنافق، أن يلومها على الأخذ بهذا الخيار.

عندما يقول الخليجيون كلمتهم، فإن العالم سوف يصغي. والسعودية جديرة بأن تقود هذا الجهد الجليل. إنه جهد من أجل السلام. وكل الذين يحرصون عليه، سوف يتفهمون الحاجة إليه.

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم