ذرى كفاح
يقضي معظم الناس حياتهم نائمون وفي لهو الدنيا وزينتها يتقلّبون ، حتى يصيب سهم الحظ احدهم فيستيقظ من غفوته لبرهة وجيزة قبل انتهاء رحلة العمر . فيصعد بوعيه الى منطقة حياد يتمكن فيها من النظر الى جسمه وروحه وكيانه . ويتحول من حالة النائم الى حالة الناظر لحياته من زاوية مرتفعة يتمكن خلالها من التقييم ويتمتع فيها بالصفاء ووضوح الصورة . احساس غريب كأنه يرى حياته لأول مرة ، وقد يهوله ما يرى! مذابح دامية وبقايا معارك طاحنة خرج منها بجسده المعنوي مغلفاً بجراح لا يفتأ بعضها ينزف كلما مرت عليها مصابيح الذكرى .
وهنا ينقسم البشر الى نوعين ، نوع يعود من هذه "الصحوة" الى حياة روتينية تأسر مشاعره في سجن عميق يقضي الدقائق والأيام في نسق رتيب متواتر يستمد منه الأمان ويقلل سقف توقعاته الى الادنى ليمنح نفسه شعوراً بالراحة المؤقتة غير الحقيقية التي لا يلبث ان يزول تأثيرها عند اول منعطف للظروف . ونوع آخر أكثر شجاعة في مواجهة نفسه والعالم . يستغل هذه اللحظات كنافذة تفتح على روحه . لان توظيف هكذا لحظات يتطلب جبالاً من الشجاعة والوعي لاتخاذ قرار التوقف واعادة التنظيم وانتهاز الفرصة للتغيير الحقيقي .
هذا النوع من الحظ يصيب الناس على السواء بمقادير لا تختلف من شخص الى اخر الا بما يفسره عقل المتلقي للإشارة ، فالبعض يراها نقمة وكدراً لا يطيق الانتظار للتخلص منه ، والبعض الآخر يوظف لحظات الوعي هذه الى فرصة لتغيير الطريق نحو سعادة حقيقية دائمة لان التغيير معها يأتي بشكل تدريجي ثابت لا يعود الانسان معها الى ما كان عليه قبلها فيقف على ناصية الامل … ويقاتل .
إرسال تعليق