تشكيلات العقل العربي

مشاهدات

 




 
أ. د . سامي الزيدي

تشكل العقل العربي تشكيلا دينيا عقديا في الظاهر وصار الوعي الذي يقود المسلم العربي وعيا تراثيا اسسته المدونة التراثية الإسلامية فتشكل من مذاهب عدة تساقط اغلبها ولم يبق إلا سني / شيعي . المذهبان اللذان عاشا معا في خصومة دائمة لا تنتهي معتقدان خصومتهما خصومة دينية عقدية أساسها الحق الذي يزعم الاثنان أنهما متمسكان به فكل يدعي أنه الحق وأن نهايته إلى الجنة وأن الآخر يجانب الحقيقة ولا يكاد يتصل بها .. وحقيقة الأمر أن الصراع ابعد غورا من ذلك .. فالعقل السني تشكل بطريقة غير الطريقة التي تشكل بها العقل الشيعي.. اذا لا حقيقة تذكر لخصومة عقدية بين الاثنين .. السياسة هي المشترك الجامع للخصومة فالعقلان تشكلا سياسيا .. المدونة السنية الحديثية شكلت الوعي السني لطاعة السلطة وطاعة ولي الأمر ( الخليفة) وعدم الخروج عليها أو محاربته ومن خرج على السلطة يجب محاربته وعلى المسلمين الصبر على سوء خلق ولي الأمر وان كان فاسقا .قال النووي - -: " لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ووجوب طاعته وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك،فتجب طاعته في غير معصية" ،لذلك صار السني مطيعا لولي أمره محافظا على السلطة أمينا لها منقادا لأوامرها ونواهيها.. معتقدا أن المعارض لها خارج على السلطة يريد تفريق الجماعة .. في صحيح البخاري عن ابن عباس عن النبي' قال: من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتةً جاهلية) . وفي صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم, ويصلون عليكم وتصلون عليهم, وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال لا, ما أقاموا فيكم الصلاة, وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة) .
 أما العقل الشيعي فقد شكل بوعي المعارضة للسلطة .. فالشيعة يعتقدون أن الخلافة مغتصبة وان الائمة عاشوا حياتهم في أجواء المعارضة لا أجواء السلطة .. وان الحق في السلطة هو للامام المعصوم الواجب الطاعة .. وكل من ينزوي على السلطة هو غاصب لها مستحل لحق الامام .. قال كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة واصولها: (والإمامة متسلسلة في أثني عشر ، كل سابق ينص على اللاحق . ويشترطون أن يكون معصوما كالنبي عن الخطأ والخطيئة والا لزلزلة الثقة به ) لذلك عاش الشيعة أجواء المعارضة على مر التاريخ لا يقبلون السلطة ولا الخلفاء فهم سالبون لحق غيرهم .. ويجب الخروج عليهم وإعادة الحق المغتصب إلى أصحابه الحقيقين .. لذلك وقع هنا الاختلاف في طريقة التشكيل.. فالوعي السني يرفض المعارضة ويعتقد بشرعية السلطة .. والوعي الشيعي يؤمن بالمعارضة ويرفض السلطة .. فصار السني يرفض الشيعي وبالعكس .. وفي اعتقادي أن الصراع صراع سياسي شكلته المدونة التراثية وما زالت تشكله على طول الأزمان .. فالإمامة ( الخلافة) هي أساس الاختلاف والصراع الدائم .. لذلك نرى أن الشيعة اتخذوا الحسين ع رمزا للمعارضة لكونه خرج على السلطة.. وصارت المظلومية إحدى أهم تشكيلات الوعي الشيعي لان الشيعة عاشوا حياة التهميش من قبل السلطة فالثورة كانت شعارهم الدائم .. ولم يكن التهميش فقط سياسيا إنما تهميش عقدي ففقهاء السنة يرون الشيعة خارجين على القانون .. والشيعة يرون السنة فقهاء السلطان وأعوان السلطة .. هذه الثنائية المزمنة سادت الوعي المسلم وشكلت عقله التاريخي.. والتي ستظل عقدة جدلية وصراعا دائما ما لم يعاد تشكيل العقليين بطريقة أكثر مرونة وأقل حدية.. فلا الوعي السني ممكن له أن يظل بجانب السلطة مطيعا لها بشكل دائم مع تجاوزها حدود الإنسانية .. ولا الشيعة يظلون متزمتين بأحقية السلطة واغتصابها ..
أن المدونتين عملت على صناعة متخيل لا يقبل التصالح وصنعت من أعظم شخصيتين في التاريخ الاسلامي خصومة لا تنتهي فعمر / وعلي إحداهما رمز للسلطة المغتصبة والآخر رمز للمعارضة والحق الضائع .مع أن الرجلين كانا على وفاق دائم تاريخيا .. فليس من المنطقي أن يدعي شخص أن ما بين السنة والشيعة جدلا فقهيا أو عقديا.. لان الاختلاف الفقهي يوجد حتى عند المذاهب السنية الأربعة وربما وجدنا توافقا بين بعضها ومذهب التشيع .. كما أن العقائد ممكن أن تكون باصولها العامة واحدة فالرب واحد والنبي واحد والكتاب واحد والقبلة واحدة ويصلون بنفس الصلاة ويحجون بنفس الحج .. إلا أن العقدة التي شطرتهم هي عقيدة الإمامة .. التي قال عنها الشهرستاني في الملل والنحل ( ما سل سيف في الاسلام كما سل في الإمامة ) .

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم