سمير داود حنوش
حاولت عقولنا البسيطة أن تستوعب العلاقة بين منح جوازات دبلوماسية لِعارضات أزياء ونجمات تيك توك وفانشيستات، أو على الأقل تفهّم العلاقة بين الواقعين دون التوصّل إلى نتيجة، فِمثل هذا التشابك والتعقيد يحتاج إلى تفيقه وحيرة قد تؤدي إلى الجنون.
تألق الجواز الدبلوماسي بين أيادي عارضات أزياء وفتيات التيك توك ومراهقين في مشهد يُثير السُخرية والإشمئزاز يصل إلى حد النحيب للحال الذي وصلت إليه الدبلوماسية العراقية بعد أن أصبح هذا الجواز يتطاير فوق رؤوس فنانات النوادي الليلية.
ضاع الخجل والحَياء من إهانة مُستمسك للهوية العراقية في الخارج.
في الدول التي تحترم شعوبها وأوطانها يكون الجواز هو الوثيقة الرسمية الذي تتباين هيبته بين الدول التي تستضيف صاحبه حتى أنَّ هُناك دولاً تُخبرنا أنها مُستعدة لِتجييش الجيوش وتحريك الأساطيل فيما لو تعرّض مواطنها حامل الجواز إلى إهانة، لكن في العراق ومادامت السيادة ضائعة والوطن فاقد لِهيبته فَلِمَ لاتكون مرتبة الجواز في القاع.
مِن تعريف الجواز الدبلوماسي أنه وثيقة رسمية تُمنح لِفئات خاصة من المواطنين من بينهم الرؤساء والسُفراء وكِبار رِجال الدولة بقصد تسهيل أدائهم لمجموعة من الأعمال الهامّة التي تخدم مصالح الدولة، فأيُّ مصلحة ومنفعة تُستجدّى من منح جواز دبلوماسي لِعارضات أزياء وفنانات وبطلات تيك توك؟ وأيُّ حصانة دبلوماسية يتحصّن بها أولئك ولماذا وكيف وأين؟.
ومايزيد الشكوك والحيرة أنَّ مِيزة الجواز الدبلوماسي تستوجب من صاحبه مُخاطبة وزارة الخارجية لتقوم بدورها في مُساعدته بالحصول على الفيزا عِبر مُخاطبة سفارة البلد الذي يروم السفر إليه، ليس كما هو الحال في الجواز الإعتيادي الذي لايتطلب من صاحبه سوى الذهاب إلى سفارة البلد المعني للحصول على الفيزا، وهو مايؤكد وجود تواطئ لإطراف تسعى لتدمير سُمعة العراق أو حتى مجموعة من المُراهقين الذين يتحكّمون بمفاصل مُهمّة في البلد.
لايخجل هؤلاء عندما غابتْ عنهم قطرة الغيرة وسقطت من الجباه وهم يمنحون الجواز الدبلوماسي لفنانات وراقصات كل إبداعهم وإنجازاتهم وحتى مآثرهم تتمثّل بتقديم العُري والخلاعة بأرخص الأسعار للجسد الأنثوي.
الجواز العراقي الذي كان يُشعِر صاحبه بالزهو والفخر وهو يتجوّل به بين مطارات العالم حين كان العراق (بِضم العين) بلداً يفتخر مواطنيه بمواطنتهم التي تُغلّف صفحات هذا الجواز، لكن عراق اليوم وبعد أن كسروا حرف العين وجعلوه من الدول الهزيلة التي يحتضر جوازها عندما إنتُهكت في هذا البلد كل الأعراف الدبلوماسية وتحوّلت السفارات في الخارج إلى إقطاعيات عائلية وحزبية لِتقاسم النفوذ والمنافع لأنهم لايُجيدون من فنون الدبلوماسية سوى العناوين الوظيفية والديكورات التي يعتقدون أنها ترفع من شأنهم.
في مُفارقة تبعث على الخيبة والأسى لِما وصل إليه حال العراق أن قرارات الأمم المتحدة تُلزم الأعضاء فيها بتحديد إصدار ألف جواز دبلوماسي لكل (100) مليون نسمة من عدد سكانها، ففي اليابان مثلاً التي يبلغ عدد سكانها مايقارب (125) مليون نسمة أصدرت حكومته ألف جواز دبلوماسي فقط الذي هو أقل من إستحقاقها، أمّا في العراق المنكوب الذي لايتجاوز عدد سكانه الـ(40) مليون نسمة فقد أصدر لغاية عام 2021 مايُقارب (15) ألف جواز حسب تقارير دولية مُعتمدة، وهو مايُهدد سُمعة الجواز العراقي وعدم الإعتراف به مُستقبلاً.
إصدار الجواز الدبلوماسي أصبح مثل توزيع هدايا بابا نؤيل أو الحلوى على المقرّبين من السُلطة الحاكمة يُمارس تجارتها مُراهقين وسماسرة ويبدو أن الزمن القاتم المُغطّى بالسواد الذي حلّ على العراقيين لايُريد أن يُفارق حياتهم إلا ويُسجّل له بصمة سوداء في كل تفاصيل تاريخهم المعاصر لِتصل الفوضى إلى الجواز الدبلوماسي.
إرسال تعليق