دور التحول الرقمي في الحصانة الامنية لرجل الامن

مشاهدات

 





أ.د عبد الكريم عبد الجليل الوزان

ركز العالم في بداية الألفية الثالثة كثيرا على التحول الرقمي – أي تجسيد التكنولوجيا المتعلقة بالجانب الرقمي – على كل مجريات المجتمع خدمة له ودعما لسوق العمل ونفعا لصنّاع القرار : ويقصد به استخدام الإعلام لأحدث وسائل الاتصال وأكثرها تطورا من قبل القائم بالاتصال بغية تحقيق أهداف المضامين الاتصالية وفق خطاب إعلامي معدٍ مسبقا للحصول على رجع صدى تفاعلي ايجابي سريع ، فهو إعلام العصر الحالي و الصوت العالي.
وبلاشك فان هذا التطور التكنولوجي الهائل لايمكن حصر استخداماته بشكل ايجابي فقط بل يتعدى الحال الى الاستخدام السيء من قبل القائم بالاتصال الذي يمكن وصفه بانه يعمل بلارقيب أو مساءلة بسبب هذا العالم الاتصالي المنفتح . ومن هنا يتحتم أن نجد حلولا تحد من ذلك قدر الامكان ، منها مايتعلق بالجهات المسؤولة كحكومات او دول ، ومنها مايتعلق بالمؤسسات والشركات والجهات المعنية ، وآخر بالأسر والأفراد ، من أجل خلق حصانة أمنية متاتية من قدرات علمية متطورة ، متمثلة بقدرات القائم بالاتصال وبنوعية الخطاب الاعلامي ، وبجودة وحداثة الاجهزة والوسائل المتاحة ، في سبيل حماية المجتمع وخاصة اذا كان القائم بالاتصال يعمل ضمن أجهزة أمنية ويهدف لخدمة المرافق العامة ، حيث يتجلى لنا هنا حجم الخطورة والمسؤولية أكبرله وللمتلقي ، لاسيما وأن الشعوب تتطلع اليوم أكثر من أي وقت مضى للسلام وتنآى عن الارهاب والكراهية والبغضاء .
وربما تثار تساؤلات من اجلها طرحنا هذا البحث المبسط منها :
1- لماذا نهتم برجل الأمن ؟.
2- لماذا نهتم بالتحول الرقمي وخاصة لرجال الأمن العاملين في قطاع الاعلام ؟.
3- كيفية صقل قدرات القائم بالاتصال الأمني مهنيا وعلميا في ضوء عمليات التحول الرقمي للتمكن من أداء رسالته الاتصالية بشكل أفضل ؟.
4- كيفية تحقيق الحصانة الفكرية لأفراد المجتمع ولرجل الأمن نفسه ضد عملية البروباغاندا المعاكسة من قبل رجل الامن الاعلامي على وجه التحديد بالاستفادة من الرقمنة الاعلامية ؟.
5- كيفية تسخير الامكانيات المادية والمراكز البحثية العلمية لتسهيل الطريق أمام رجل الاعلام الأمني من أجل تنفيذ مهامه في ظل التطور العلمي والصراع الفكري وسط اختلاف الامكانيات والتقنيات الدولية .
والاشكالية العلمية هنا تكمن في كيفية تمكن رجل الأمن من الاستفادة من التحول الرقمي في واجباته والتصدي للأفكار السلبية المعادية التي تستهدف عقول المجتمع وخاصة الشباب منهم ، ومدى قدرته على الاستفادة من التكنولوجيا المتاحة باعتباره قائما بالاتصال قادرا على تصميم رسائل اتصالية موجهة للمجتمع وللجهات المعادية ، وكيفية الاستفادة من الوقت للحصول على رجع صدى سريع من المتلقي يضمن تحقيق السلامة الفكرية والامنية له وللمجتمع.
إن أهمية الموضوع تظهر لنا بشكل خاص بعد التطور التكنولوجي الهائل في العالم ومنه مايتعلق بالرقمنة الاعلامية ، وشمول الاعلام بكل فروعه وأشكاله بذلك التطور ، ولكون الاعلام أصبح يمثل الطريق للتواصل الاجتماعي والحضاري والتقارب بين الأديان والحضارات والدول ، ولأن السياسة باتت تتفاعل بشكل كبير ومفصلي مع الاعلام وتعول عليه كثيرا ، خاصة وأن الاعلام بات يدير الأزمات في العالم ويؤثر بشكل مباشر على الرأي العام بكل أنواعه.
وتعد مهنة رجل الأمن وظيفة حساسة خاصة في مجال الاعلام الذي أصبح خاضعا للتحول الرقمي ، في وقت أصبح الارهاب فيه يمثل عائقا للاستقرار والسلام وتحقيق الحياة الحرة الكريمة ، بما فيه الارهاب الفكري المؤدلج ، ولابد من حماية المجتمعات.
وبما ان التحول الرقمي ” يعتمد على التقنيات الرقمية في ابتكار المنتجات والخدمات ، وتوفير قنوات جديدة من العائدات التي تزيد من قيمة منتجاتها” (1). فان من ضمن تلك القطاعات الحكومية او المرافق العامة التي يفترض شمولها بالرقمنة قطاع الامن الذي يعتبر من المؤسسات الحساسة نظرا لتحكمه في الحريات العامة وحقوق الأفراد ولدوره الكبير في تحقيق الحصانة الامنية للمجتمع . وتعرف الحصانة بأنها :”مجموعة الاجراءات والقواعد التي تضعها الدولة والتي تسعى من خلالها لتعزيز البناء الامني السليم لرجل الشرطة للعمل المنتج البناء والخلاق بعيدا عن الخوف والقلق والانحراف والاختراق الاجرامي او السياسي او الارهابي له والناتج عن ممارسات وافعال خاطئة او متعمدة ترقى الى مستوى التجريم ، من خلال تبصيره بنتائج تلك الممارسات وازالة مسبباتها وتعزيز الارادة والوعي والايمان الذاتي الرافض لها كالرشوة والاختلاس او الفساد الاداري او الاخلاقي او الانخراط في صفوف العصابات الاجرامية او الارهابية اوغيرها من الممارسات السلبية “(2).
ومن هنا يتحتم على رجل الأمن ان يكون ملما – كقائم في الاتصال – بالثقافة المهنية والرقمنة الاعلامية لأداء دوره بشكل فعال في تصميم رسالته الاعلامية وحسن ارسالها والتأثير في المتلقي بشكل سريع ودقيق ، عندها يكون قد استفاد من التحول الرقمي وحقق هدفه المنشود في ترسيخ الحصانة الأمنية لنفسه أولا ولأفراد المجتمع الذي يعمل من اجله.
فهو عضو من أعضاء المجتمع الكبير الذي ينتمي اليه يتأثر به ويؤثر عليه بحكم التنشئة والثقافات والعادات والتقاليد ولابد أن يكون ملما بكل ذلك ، وعليه ان يتزود بثقافة أمنية وممارسة مهنية تمكنه من العمل بالشكل الأمثل . والحصانة الأمنية متعددة ، فهناك الفكرية والاقتصادية والاجتماعية بكل تفاصيلها ، والحصانة التي تتعلق بغسيل الدماغ والولاء للأجنبي والاختراق والتجسس والتسريب والثرثرة والرشا والسرقة والمخدرات والانحراف تحت طائلة المغريات والمساومة والانتهاك والابتزاز وغيرها ، وهذا بطبيعة الحال يحتم على رجل الأمن سواء كان يعمل ضمن المرافق العامة أو الخاصة أن يكون متحصنا تربويا وأخلاقيا قبل انخراطه للعمل في الأجهزة الأمنية ، ليكون بمقدوره بعد ذلك الاستفادة من الدورات التعليمية الاعلامية والفنية في اتقان الأجهزة والمعدات الحديثة التي تسهل له القيام بدور القائم بالاتصال والقادر على التعامل والتفاعل مع المتلقي ومع القائم بالاتصال المعاكس ، فيتمكن من التصدي له بما يمتلكه من قدرات ثقافية وفكرية وتقنية وفق خطاب ممنهج .
هذا ويعتبر الدين من أهم الثوابت التي تجعل الفرد ملتزما أمينا قادرا على القيام بواجباته بكل سهولة ويسر فيجنبه السقوط في مهاوي الرذيلة والخطيئة والانحراف ، ويكون بذلك قد حقق مفهوم الحصانة الامنية فيحمي نفسه ويحمي مجتمعه ويستفيد من الرقمنة في مجال عمله وتخصصه ويحقق أفضل النتائج .
ومن الطبيعي ان يتم الأخذ بنظر الاعتبار تحسين الأوضاع المعيشية لرجل الأمن قدر الامكان ، فهذا يعزز من حصانته الأمنية ويجنبه الانحراف والوقوع فريسة بأيدي الجهات المعادية التي تحاول اضعافه بمغريات المال او الجنس .
مما تقدم نرى الاتي :
1- لايمكن اختيار رجال أمن غير مؤهلين تربويا ووطنيا وعلميا وثقافيا .
2- لايمكن اهمال الدورات التدريبية والتقنية والأمنية لرجال الأمن .
3- من غير الصحيح عدم تحديث الأجهزة والمعدات التي يتعامل بها رجال الأمن.
4- عامل التكنولوجيا يؤسس لوسائل اعلام يكون بمقدورها ايصال خطاب اعلامي بالشكل الصحيح والسريع ومن ثم تقبل ثقافات جديدة.
5- عدم وجود استقرار اقتصادي لرجال الامن يضعف من حصانتهم الأمنية ويجعلهم فريسة سهلة للعدو .
6- – عدم وجود دعم مالي يساعد الأفراد بشكل عام ورجال الأمن على استخدام وسائل اعلام أكثر تطورا يمنعهم من مواكبة كل ماهو جديد ومفيد.
7-عدم تحقيق نتائج متقدمة بسبب قلة البحوث العلمية والمؤتمرات والدورات لرجال الأمن العاملين في مجال الاعلام الجديد.
وبعد كل ماذكرناه نوصي بـ :
1- اختيار رجال أمن مؤهلين تربويا ووطنيا وعلميا وثقافيا .
2- اقامة وتكثيف الدورات التدريبية والتقنية والأمنية والتوعوية لرجال الأمن.
3- اجراء عمليات رقمنة على الأجهزة والمعدات التي يتعامل بها رجل الأمن.
4- ضرورة تحقيق استقرار اقتصادي لرجال الامن لكي لاتضعف حصانتهم الأمنية ويقعوا فريسة سهلة للعدو.
5- الاهتمام بالبحوث العلمية وبشكل مستمر لرفع مستوى الاستخدام وجودة الانتاج وسرعة التنفيذ.
6- مراعاة حضور الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية المتعلقة بالتحول الرقمي وخاصة في الجانب الأمني.
7- المراقبة الدؤوبة لتصرفات وسلوك رجال الأمن العاملين في الاعلام الرقمي وملاحظة تغيّر الأحوال الاجتماعية لهم ، لحمايتهم بشكل مستمر ، بسبب خطورة دورهم بالتعامل مع وسائل اعلام متقدمة.

المراجع
1- التحول الرقمى كيف ولماذا؟ ، https://www.awforum.org/index.php/ar/2018/ ، 3 كانون الأول 2018
2- – وليد خليفة هداوي الخولاني ، الحصانة الامنية لرجل الشرطة ضد الفساد والاختراق ، الحوار المتمدن ، 28-5- 2020

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم