إنزويت في نهاية الشرفة المطلة على الغابة..
كانت لرائحة التراب المبلل بالمطر ذنب في أيقاظ مخزون الذكريات المعتقة والقابعة في قبو ذاكرتي.
ومع ترنيمة الكرسي الهزاز وتمايل الأشجار تأخذني أفكاري تارة وترجعني تارة اخرى، لم يفزعني ذلك المشهد الذي حصل قبل سنوات عدة في تلك الليلة المقمرة بقدر ما صدمني من قام بذلك..حينها لم أكن افهم ما يحدث.
- سيدتي، أحدهم في الباب يطلب رؤيتك..
تخلل صوت الخادمة مسامعي وبدد ذكرياتي الموجعة..
إلتفتت إليها مستغربة، لم أنتظر زيارة أحد، ترى من القادم؟ نهضتُ ومدت يدي لأرتب شعري المبعثر لكني طلبت من الخادمة أن تصطحبه الى الأستقبال ريثما أجهز حالي.
إتخذ الرجل الكرسي المنفرد في طرف الصالة وجلس واضعاً حقيبة جلد سوداء تحت ذراعيه..
دخلت الى الصالة بكامل أناقتي وبقوامي الممشوق وثقتي العالية هذا ماكان يميزني ألقيتُ التحية وأنا أتفحص ملامح الرجل..
- أهلاً بك
- أهلاً سيدتي، عذراً قد جئت بلا موعد لكن الأمر مستعجل..
- لا بأس تفضل ؟
- نحن من تعداد السكان..أحتاج معلومات لأدونها هنا في الإستمارة وإذا ممكن مستمسكات العائلة..إرتبكتُ في باديء الأمر لكنني تظاهرت بالثبات .نهضت لجلب الأوراق المطلوبة.
وضعت العلبة الفضية على الطاولة وفتحتها، ومن بين ركام الأوراق لمحت صورة تجمع والداي وهما يبتسمان ويحتضنان بعض، بأصابع مرتعشة تناولت الصورة وضعتها جانباً وأعطت بقية الأوراق للموظف..بدأ الموظف يدون المعلومات بينما تجاذبنا أطراف الحديث.
- قبل سنوات عدة أتذكر جئت الى هذا المنزل مع والدتي..قالها الموظف وهو يبتسم..وكنت أخاف من والدك..كان يخزرني بنظرات تكاد تثقب رأسي وأختبيء خلف أمي ممسكاً طرف ثوبها بأصابعي الصغيرة..
جحضت عيناي وأنا أنظر إليه، وسألته:
- من والدتك؟ ولماذا جئتما؟
- والدتي كانت تخيط الفساتين لسيدة المنزل..
- وأين هي الآن؟
- توفيت.. قالها والحزن بدل ملامحه وكأنه كبر مئة عام في تلك اللحظة..سألته عن سبب وفاتها لكنه وقبل أن يجيب رنَّ هاتفه وبعد أنهاء المكالمة أستأذن مني مؤكداً عودته لاحقاً لينهي ما بدأه..لملم أوراقه وخرج وتركني أسيرة للذكريات التي تأبى أن تُمحى..
تلك الليلة حين إستيقضت على نشيج إمرأة خلف النافذة..لم أميزها في بادئ الأمر بسبب النعاس الذي أثقل أجفاني لكنها كانت تستنجد بنحيب خافت، كان المشهد أشبه بالحلم..عند باب القبو المهجور قرب نافذة غرفتي.
نهضت من سريري وأنا ارتعد خوفاً لألقي نظرة من خلف النافذة، وعلى رؤوس أصابعي الصغيرة وقفت لأحضى بحقيقة مايحدث في تلك الزاوية، صعقت حين رأيتها تحت ضوء القمر كأنها دمية حزينة مبعثرة، تقدمت خطوة الى يسار النافذة ممسكة الستارة بيدي، ولهول ما رأيت، آنذاك تحطمت طفولتي والبراءة وأنا أراه يبعثر تلك المرأة واضعاً يده على فمها واليد الثانية على رقبتها، لم أكن أفهم ماذا يحدث ولماذا تجردت من الثياب. وتلك الحركات والأصوات هربت الى فراشي وانا أرتجف رغم حرارة الجو.على صوت أمي وهي تنادي والدي ليتناول أفطاره أستيقظت والمشهد أمام عيناي..نهضت لألقي نظرة من النافذة، لم يكن هناك شيء، ربما كنت أحلم؟ خرجت الى الصالة لأجده جالساً يقرأ جريدة تفحصته وتذكرت صورته تحت ضوء القمر مع تلك المرأة مبعثرة الروح والملامح.
لم أفهم ما يحدث حينها! لكن الذي فهمته، أنني أصبحت أمقته كثيراً. أبت تلك الصورة أن تفارق قبو ذاكرتي الى هذا
اليوم..
كانت لرائحة التراب المبلل بالمطر ذنب في أيقاظ مخزون الذكريات المعتقة والقابعة في قبو ذاكرتي.
ومع ترنيمة الكرسي الهزاز وتمايل الأشجار تأخذني أفكاري تارة وترجعني تارة اخرى، لم يفزعني ذلك المشهد الذي حصل قبل سنوات عدة في تلك الليلة المقمرة بقدر ما صدمني من قام بذلك..حينها لم أكن افهم ما يحدث.
- سيدتي، أحدهم في الباب يطلب رؤيتك..
تخلل صوت الخادمة مسامعي وبدد ذكرياتي الموجعة..
إلتفتت إليها مستغربة، لم أنتظر زيارة أحد، ترى من القادم؟ نهضتُ ومدت يدي لأرتب شعري المبعثر لكني طلبت من الخادمة أن تصطحبه الى الأستقبال ريثما أجهز حالي.
إتخذ الرجل الكرسي المنفرد في طرف الصالة وجلس واضعاً حقيبة جلد سوداء تحت ذراعيه..
دخلت الى الصالة بكامل أناقتي وبقوامي الممشوق وثقتي العالية هذا ماكان يميزني ألقيتُ التحية وأنا أتفحص ملامح الرجل..
- أهلاً بك
- أهلاً سيدتي، عذراً قد جئت بلا موعد لكن الأمر مستعجل..
- لا بأس تفضل ؟
- نحن من تعداد السكان..أحتاج معلومات لأدونها هنا في الإستمارة وإذا ممكن مستمسكات العائلة..إرتبكتُ في باديء الأمر لكنني تظاهرت بالثبات .نهضت لجلب الأوراق المطلوبة.
وضعت العلبة الفضية على الطاولة وفتحتها، ومن بين ركام الأوراق لمحت صورة تجمع والداي وهما يبتسمان ويحتضنان بعض، بأصابع مرتعشة تناولت الصورة وضعتها جانباً وأعطت بقية الأوراق للموظف..بدأ الموظف يدون المعلومات بينما تجاذبنا أطراف الحديث.
- قبل سنوات عدة أتذكر جئت الى هذا المنزل مع والدتي..قالها الموظف وهو يبتسم..وكنت أخاف من والدك..كان يخزرني بنظرات تكاد تثقب رأسي وأختبيء خلف أمي ممسكاً طرف ثوبها بأصابعي الصغيرة..
جحضت عيناي وأنا أنظر إليه، وسألته:
- من والدتك؟ ولماذا جئتما؟
- والدتي كانت تخيط الفساتين لسيدة المنزل..
- وأين هي الآن؟
- توفيت.. قالها والحزن بدل ملامحه وكأنه كبر مئة عام في تلك اللحظة..سألته عن سبب وفاتها لكنه وقبل أن يجيب رنَّ هاتفه وبعد أنهاء المكالمة أستأذن مني مؤكداً عودته لاحقاً لينهي ما بدأه..لملم أوراقه وخرج وتركني أسيرة للذكريات التي تأبى أن تُمحى..
تلك الليلة حين إستيقضت على نشيج إمرأة خلف النافذة..لم أميزها في بادئ الأمر بسبب النعاس الذي أثقل أجفاني لكنها كانت تستنجد بنحيب خافت، كان المشهد أشبه بالحلم..عند باب القبو المهجور قرب نافذة غرفتي.
نهضت من سريري وأنا ارتعد خوفاً لألقي نظرة من خلف النافذة، وعلى رؤوس أصابعي الصغيرة وقفت لأحضى بحقيقة مايحدث في تلك الزاوية، صعقت حين رأيتها تحت ضوء القمر كأنها دمية حزينة مبعثرة، تقدمت خطوة الى يسار النافذة ممسكة الستارة بيدي، ولهول ما رأيت، آنذاك تحطمت طفولتي والبراءة وأنا أراه يبعثر تلك المرأة واضعاً يده على فمها واليد الثانية على رقبتها، لم أكن أفهم ماذا يحدث ولماذا تجردت من الثياب. وتلك الحركات والأصوات هربت الى فراشي وانا أرتجف رغم حرارة الجو.على صوت أمي وهي تنادي والدي ليتناول أفطاره أستيقظت والمشهد أمام عيناي..نهضت لألقي نظرة من النافذة، لم يكن هناك شيء، ربما كنت أحلم؟ خرجت الى الصالة لأجده جالساً يقرأ جريدة تفحصته وتذكرت صورته تحت ضوء القمر مع تلك المرأة مبعثرة الروح والملامح.
لم أفهم ما يحدث حينها! لكن الذي فهمته، أنني أصبحت أمقته كثيراً. أبت تلك الصورة أن تفارق قبو ذاكرتي الى هذا
اليوم..
إرسال تعليق