حلّت برأسي البارحة جدتي البديعة حيهن صالح . هي لم تكن شاعرة لكنها كانت تحفظ الكثير من الشعبيات الراسخات بباب النعي والشجن اللذيذ والعشق الأول الذي يشبه بقايا حناء بخاصرة كف ، وأيضاً بعض الطقاطيق الهابطة من رازونة الطرفة والملحة التي لا تخلو من مفردات صادمة تجعل مجلس العائلة يسبح بمستنقع ضحك عظيم ، ويتحول أبي إلى فوهة بركان تغلي بطنه ولا ينفجر .
أما عبود أبو لعيبي فلقد كان المضمد والمداوي الماهر الطيب الكريم بقطاع ستين بمدينة الثورة ببغداد العزيزة . كان زارق أبر بيد خفيفة رحيمة وشافي أمراض أُخر . أظنه قد رأى كل مؤخرات الرجال والنساء والأولاد هناك . البارحة أيقظ ذاكرتي وقدرت أنه قد مات .
أعلم أين أنت ذاهب يا أبي
قد تكون وجهتك المتنبي والسراي
ربما بعض دكاكين غاطسة بنفق الرصافي
أشك أن تكون رحلتك الى عقد الجام وسوق الصفارين والشورجة
ظهرك مكسور يا أبتي كأنك بغداد قبل أن تمشط شعرها على شاطىء دجلة .
في مكان دافىء من الذاكرة ، ما زال الرجل القصير حسن بسبوسة راسخاً ورائعاً .
كنيته جاءت من صنف معجنات ساخنة حادة كان يصنعها ويدور بها في الأزقة ، مع وقفات طويلة أمام مقهى جمعة ومقهى زيدان ومقهى سلمان ، وصبحية رزق بباب مدرسة الأطلال .
تطور الأمر قليلاً فصارت البسبوسة أو السمبوسة حبات فلافل ساخنة مفروكة بصمونة ، وغارقة بسائل العمبة الكثيف الذي قد يلطخ قميصك الوحيد بعد أول عضة تنشب في مفتتح اللفة . تعب حسن تالياً من ثقل العربانة التي كان يدفعها بما حملت بطنها وشال ظهرها ، فقفز إلى شارع الرضوي واستأجر دكاناً صغيراً وحافظ على نفس الطبخة .
عندما هجرت مدينة الثورة وعبرت النهر صوب كرخ المدينة ، لم يبق من حسن سوى طعم أكلته العظيمة ، وقيل أنه صار غنياً واشترى بيتاً .
إن عدت الى بغداد ، سأطير الى دكانه الطيب وأُعانقه بقوة ألف حصان وأخبره بأنني إبن الحاج كاظم فيبكي وأبكي ، وعلى وقع زخ الدموع السواخن ، سيتنزل على مائدتي الجديدة لفة فلافل عملاقة وماعون سمبوسة وطاسة لبن بارد وثقيل والكثير من كلام العوافي .
حسن الآن بباب الثمانين . بدأ القلق يملأ رأسي الثقيل ، مع ألم بسيط بصدري يشبه صفعة هائلة من معلم درس الرياضيات الحقيرة .
أما عبود أبو لعيبي فلقد كان المضمد والمداوي الماهر الطيب الكريم بقطاع ستين بمدينة الثورة ببغداد العزيزة . كان زارق أبر بيد خفيفة رحيمة وشافي أمراض أُخر . أظنه قد رأى كل مؤخرات الرجال والنساء والأولاد هناك . البارحة أيقظ ذاكرتي وقدرت أنه قد مات .
أعلم أين أنت ذاهب يا أبي
قد تكون وجهتك المتنبي والسراي
ربما بعض دكاكين غاطسة بنفق الرصافي
أشك أن تكون رحلتك الى عقد الجام وسوق الصفارين والشورجة
ظهرك مكسور يا أبتي كأنك بغداد قبل أن تمشط شعرها على شاطىء دجلة .
في مكان دافىء من الذاكرة ، ما زال الرجل القصير حسن بسبوسة راسخاً ورائعاً .
كنيته جاءت من صنف معجنات ساخنة حادة كان يصنعها ويدور بها في الأزقة ، مع وقفات طويلة أمام مقهى جمعة ومقهى زيدان ومقهى سلمان ، وصبحية رزق بباب مدرسة الأطلال .
تطور الأمر قليلاً فصارت البسبوسة أو السمبوسة حبات فلافل ساخنة مفروكة بصمونة ، وغارقة بسائل العمبة الكثيف الذي قد يلطخ قميصك الوحيد بعد أول عضة تنشب في مفتتح اللفة . تعب حسن تالياً من ثقل العربانة التي كان يدفعها بما حملت بطنها وشال ظهرها ، فقفز إلى شارع الرضوي واستأجر دكاناً صغيراً وحافظ على نفس الطبخة .
عندما هجرت مدينة الثورة وعبرت النهر صوب كرخ المدينة ، لم يبق من حسن سوى طعم أكلته العظيمة ، وقيل أنه صار غنياً واشترى بيتاً .
إن عدت الى بغداد ، سأطير الى دكانه الطيب وأُعانقه بقوة ألف حصان وأخبره بأنني إبن الحاج كاظم فيبكي وأبكي ، وعلى وقع زخ الدموع السواخن ، سيتنزل على مائدتي الجديدة لفة فلافل عملاقة وماعون سمبوسة وطاسة لبن بارد وثقيل والكثير من كلام العوافي .
حسن الآن بباب الثمانين . بدأ القلق يملأ رأسي الثقيل ، مع ألم بسيط بصدري يشبه صفعة هائلة من معلم درس الرياضيات الحقيرة .
إرسال تعليق