زيارة غانتـس إلى المغرب - الأهداف والخبايا

مشاهدات

 


الدكتورة بهجة لعمالي

- مختصة في الشؤون الأمنية والاستراتجية 


  إن زيارة وزير الدفاع الصهيوني بيني غانتس إلى المغرب بهدف تقوية التعاون الأمني بين البلدين بعد عام على تطبيع علاقاتهما، في زيارة هي الأولى من نوعها تتزامن مع تواصل الحملات الاستفزازية للجزائر وسبق أن استقبل المغرب مستشارا للأمن الإسرائيلي ووزير خارجية الدولة العبرية منذ استئناف العلاقات بين البلدين العام الماضي، لكنها المرة الأولى التي يقوم فيها وزير دفاع الصهيوني  بزيارة رسمية إلى المخزن.


  وكان البلدان أقاما علاقات دبلوماسية إثر توقيع اتفاقات أوسلو بين الكيان الصهيوني، ومنظمة التحرير الفلسطينية العام 1993، قبل أن تقطعها الرباط بسبب الانتفاضة الفلسطينية الثانية العام 2000.


وفي أواخر السنة الماضية استأنف البلدان علاقاتهما الدبلوماسية في إطار اتفاق اعترفت بموجبه الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو، وكانت المملكة بذلك رابع بلد عربي يطبع علاقاته مع إسرائيل في 2020 برعاية أميركية، بعد الإمارات والبحرين والسودان. لكن زيارة غانتس إلى المغرب تأتي في سياق إقليمي متوتر مع إعلان الجزائر في  شهر أوت قطع علاقاتها مع الرباط بسبب "أعمال عدائية".


وأعرب المغرب عن أسفه للقرار ورفض "مبرراته الزائفة". كذلك أعلنت جبهة البوليساريو "تكثيف" عملياتها العسكرية ضد قوات الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية.


إن هذا التزامن قد لا يكون من باب الصدفة، خاصة أنه يأتي في سياق التكالب المغربي على الجزائر  ربما يرغب نظام المخزن في أن يظهروا للعالم، ولشعبهم وللشعب الجزائريين وكذلك للغرب، أنهم بصدد تعميق علاقاتهم مع الكيان الصهيوني، مع كل ما يستتبع ذلك.

كذلك، تأتي زيارة غانتس إلى المغرب بعد ثلاثة أشهر على إعلان البلدين الاتفاق على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما من مكتبي اتصال إلى سفارتين أثناء زيارة وزير خارجية إسرائيل يائير لبيد إلى المملكة.


والشهر المنصرم أيضا أعلنت شركة راتيو بيتروليوم الإسرائيلية توقيع شراكة مع الرباط لاستكشاف حقول غاز في ساحل الداخلة المحتلة بالصحراء الغربية.


على الصعيد العسكري يعتبر الكيان الصهيوني من أهم مصدري الطائرات المسيرة الحربية والتطبيقات الالكترونية لأغراض أمنية إلى المغرب، مثل تطبيق بيغاسوس الذي طورته شركة ان اس او.

وكان تحقيق نشرته وسائل إعلام دولية في  جويلية أثبت تورط المغرب باستعمال برنامج بيغاسوس لاستهداف صحافيين ومعارضين وشخصيات سياسية مغربية وأجنبية، بينها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.


كما كشفت يومية لوموند الفرنسية في مقال مطول، من جديد أدلة مادية جديدة تُثبت تورط المغرب في عملية التجسس باستخدام برنامج بيغاسوس على هواتف سياسيين وصحافيين ونشطاء حقوقيين محامون في فرنسا، عكس محاولة الإنكار والتقي من قبل السفير المغربي لدى باريس.


بدورها أعربت الجزائر عن قلقها العميق إثر تقارير إعلاميّة عن أنّ برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي قد استُخدم للتجسّس على مسؤولين ومواطنين جزائريّين.

وأوضح بيان الخارجيّة أنّ الجزائر تُدين بشدّة هذا الاعتداء الممنهج والمرفوض على حقوق الإنسان والحرّيات الأساسيّة الذي يُشكّل أيضاً انتهاكاً صارخاً للمبادئ والأسس التي تحكم العلاقات الدوليّة"، معتبراً أنّ "هذه الممارسة غير القانونيّة والمنبوذة والخطيرة تنسف مناخ الثقة الذي ينبغي أن يسود التبادلات والتفاعلات بين المسؤولين وممثّلي الدول.


من جهة أخرى كانت للزيارة وزير الدفاع الكيان الصهيوني تداعيات تحمل سخط الشعبي من طرف جمعيتان مغربيتان، حملة رافضة لزيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، جاء ذلك وفق بيانين منفصلين لكل من جمعية "الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع" و"الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة" وقال بيان الجبهة المغربية، إنها "تطلق حملة إعلامية وميدانية رافضة لزيارة وزير الدفاع الصهيوني للمغرب، داعية الجبهة الهيئات الداعمة للقضية الفلسطينية ومواطني البلاد، إلى المشاركة في وقفة احتجاجية رفضا لزيارة غانتس، الأربعاء، أمام برلمان البلاد في العاصمة الرباط.


ووصف موقع "إسرائيل 24" (رسمي)، الزيارة بأنها "تاريخية غير مسبوقة فهي الأولى من نوعها لوزير دفاع إسرائيلي إلى المملكة المغربية، وتمتد على مدار 48 ساعة. 


وقال: "ينتظر أن يوقع غانتس مع عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني بالمغرب، اتفاقية تعاون في مجال الدفاع. 

ويبقى من أهداف الزيارة أن المخزن يعتزم   الاعتماد على الكيان الصهيوني لخلق صناعة عسكرية وقد تكون البداية مع الطائرات بدون طيار، وزار مسؤولون عسكريون إسرائيليون المغرب لهذا الغرض ولتوقيع اتفاقيات تعاون عسكري في الدفاع مثل الأمن السيبراني.


وتحدثت الصحافة الإسرائيلية عن الجانب العسكري في العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ولكن الاهتمام انتقل إلى إسبانيا التي يهمها كثيرا كل ما هو عسكري في المغرب نظرا للتوجس الإسباني الدائم من أي تطور في مشتريات السلاح من طرف المغرب أو تفكيره في التصنيع.


وكانت جريدة “لراسون” الإسبانية قد كتبت عن بدء المغرب تعاونا عسكريا مع لإسرائيل لإنتاج طائرات بدون طيار “انتحارية” وهي درونات صغيرة تقوم بعملية مسلحة واحدة وتنفجر بالكامل مثل القنابل، وأضافت أن من شأن هذا تعزيز مكانة المغرب العسكرية. وعلقت جريدة هسبريس المغربية على التوجس في إسبانيا بشأن التعاون العسكري بين المغرب والكيان الصهيوني.


ويوجد تعاون عسكري بين المغرب والكيان الصهيوني ولا يتم الكشف عنه للعلن بسبب غياب علاقات رسمية في الماضي، وكانت أول مرة يتم فيها الإعلان رسميا عن تعاون عسكري هي اتفاقية التعاون في المجال الأمني السيبراني الموقعة يوم 15 جوان الماضي، ووقع عن الجانب المغربي الجنرال المصطفى ربيع وعن الكيان الصهيوني يغال أونا المدير العام للهيئة الوطنية للأمن السبراني. 


أما عن خبايا الزيارة وإبرام إتفاقية الدفاع السيبراني نعتقد أن زيارة وزير الدفاع الكيان الصهيوني، إلى المغرب فتح الباب على علاقة ربما تكون أوسع من أهداف التطبيع ذاته والتعاون الأمني.


  وذكر موقع "ذي ماركر" أنه بالنسبة للمغرب، فإن التعاون في مجال السايبر هو جزء جوهري من تسخين العلاقات بين الطرفين. وكان موضوع التعاون السيبراني بين الاحتلال الإسرائيلي والمغرب قد "افتضح أمره" في التحقيق الدولي الذي أجرته منظمة "العفو الدولية" ومنظمات صحافية متعددة عن برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس"، الذي تم بيعه لعدة دول، بينها الإمارات والسعودية وهنغاريا والهند ودول أخرى.


من الناحية التاريخية، تجسد التعاون الاستخباراتي بين "إسرائيل" والمغرب الذي تعود جذوره إلى نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، في الموافقة الرسمية المغربية على التعاون في مسألة الهجرة، إذ كان الهدف الرئيس للصهاينة هو تهجير 250 ألف يهودي مغربي إلى فلسطين للسيطرة على الأراضي المنتزعة من سكان البلد، وانطلقت الهجرة بوتيرة كثيفة اعتبارًا من سنة 1948، واستمرت إلى 1975، لكنَّها كانت سرِّية في المرحلة الأولى قبل أن تصبح علنية ورسمية لاحقًا.


ولعبت الاتصالات بين الحكومة المغربية والمؤتمر اليهودي العالمي دورًا أساسيًا في تنظيم تلك الهجرة، لكنها اتخذت بُـعدًا سياسيًا أكبر مع الدور الذي لعبه الملك الحسن الثاني في الصراع العربي - الصهيوني من خلال التقريب بين أنور السادات وميناحيم بيغن، ثم من خلال إقناع الدول العربية بالاعتراف بالكيان الصهيوني في مؤتمري فاس الأول والثاني (1981 و1982) من خلال القبول بتسوية على قاعدة القرار الأممي رقم 242.


وتكتسي هذه الزيارة أهمية كبيرة، بحيث تمهد لإقامة تحالف عسكري يوصف بالاستراتيجي بين دولتين كلاهما يسعى للتوسع والاستيطان في كل من الصحراء الغربية وفلسطين المحتلة باستخدام القوة العسكرية.


وتوجه غانتس إلى المغرب في الـ24 نوفمبر الجاري في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها لوزير دفاع الكيان الصهيوني على الأقل بصفة علانية، وهو المعروف عنه بأنه مقل في تنقلاته للخارج باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، لأسباب يعتقد بأنها أمنية بالدرجة الأولى، خصوصا وأن يدي هذا المسؤول الصهيوني ملطخة بدماء الأبرياء في كل من فلسطين المحتلة وجنوب لبنان وسوريا، وذلك منذ كان يشغل منصب قائد أركان جيش الاحتلال.

 

ويرى مراقبون أن هذه الزيارة التي شملت التوقيع على اتفاقية للتعاون العسكري ستؤسس لا محال لقيام تحالف صهيوني –مغربي في مجال إنتاج الأسلحة والطائرات بدون طيار (الدرون) على الأراضي المغربية. كما تحدثت مصادر إعلامية أوروبية عن إمكانية الاتفاق أيضا على تسليم أنظمة الدفاع الجوي المتطورة للمغرب وإقامة قواعد عسكرية للتنصت والاستعلامات والتنسيق وتبادل المعلومات.


تأتي زيارة بيني غانتس إلى الرباط في سياق متصل بقطار التطبيع بين دول عربية خليجية إضافة إلى المغرب والذي انطلق في ديسمبر من العام الماضي وهندس وأشرف على صياغة بنوده، جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وصار يعرف لاحقا بـ اتفاقيات ابراهام.


ويأتي الحضور العسكري الإسرائيلي العلني هذه المرة بالمغرب في سياق يتسم بتصاعد الاستفزازات والأعمال العدائية لنظام المخزن ضد الجزائر.

حيث أشار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلى وجود أكثر من 90 موقعا إلكترونيا من داخل وخارج المغرب يعمل على مهاجمة الجزائر على مدار الساعة، لزرع الفتنة والفرقة وتشويه الحقائق أمام الرأي العام الدولي.


وتسعى الرباط إلى تعزيز التواجد العسكري للكيان الاسرائيلي على حدود الجزائر بالتزامن مع معركة دبلوماسية شرسة تخوضها الجزائر بالتعاون مع قوى مؤثرة داخل الاتحاد الإفريقي وعلى رأسها دولة جنوب إفريقيا لمنع حصول العدو الإسرائيلي على “عضوية مراقب” داخل الاتحاد الإفريقي لأن ذلك يشكل خطرا على وحدة وتضامن دول الاتحاد حيال القضايا العادلة ومنها تلك المرتبطة بتصفية الاستعمار، بينما يسعى نظام المخزن في الجهة المقابلة إلى منح هذه العضوية لقتلة الأطفال والنساء والمدنيين في فلسطين المحتلة.


ونظرا لهذه التطورات الخطيرة وبناء على هذه الوقائع، فإن الجزائر هي المستهدفة بهذه التحركات الصهيونية الاستفزازية على حدودها الغربية في إطار الضغوط التي يمارسها نظام المخزن للتأثير على موقفها الثابت والمبدئي والمؤيد للشعب الصحراوي في ممارسة حقه في تقرير المصير. 


 يبدو أن الأمور تسير في هذا التوجه، فالمعطيات الأولى تشير إلى أن المغرب وإسرائيل مقبلان على شهر عسل مشابه لشهر العسل الإماراتي والبحريني مع إسرائيل (مع فرق واحد لكنه هام: هو تطبيع فوقي لا فرصة له شعبيا، وسيبقى كذلك طويلا).


التعاون العسكري المغربي الإسرائيلي سيترتب عنه حضورا إسرائيليا على الحدود الجزائرية المشتعلة كلها تقريبا. لن تفيد الأدبيات السياسية في المنطقة التي تزعم أن الأمر سيكون تحصيل حاصل طالما أن إسرائيل وأجهزتها الأمنية والعسكرية تعرف كل شاردة وواردة عن الدول العربية.


وضمن هذا السياق، بدت إسرائيل وكأنها تهرول إلى منطقة المغرب العربي لنجدة نظام المخزن والاصطفاف خلف أطروحاته السياسية حيال النزاع في الصحراء الغربية.

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم