لواعج قلم

مشاهدات

 


  سلام الشماع‎


عدّوني مارقاً عن دينهم

حظي المقال الذي كتبته بعنوان (رسالة إلى الكاظمية وابنها جواد الخالصي)، باهتمام كبير ونشره أكثر من موقع إلكتروني وعشرات المواقع على شبكة التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، وعلق عليه المئات من القراء في جميع تلك المواقع، ولكن ما لفت نظري أن معظم التعليقات التي جاءت في موقع (مركز الدكتور علي الوردي للدراسات والبحوث)، والذي أشغل فيه صفة المستشار، كانت غاية في الطائفية وسوء الأدب والبذاءة، وهي مفارقة كبيرة جداً نبهتني إلى أمور مهمة كثيرة لعلي مستطيع أن أتناولها كلها في هذه السلسلة من المقالات التي قررت كتابتها بعد تلك التعليقات.

إن المقال المذكور، لمن لا يذكر، تناول منع طائفيين الشيخ جواد الخالصي من دخول الصحن الكاظمي الشريف لأداء صلاة العيد فيه، كما دأب على ذلك من قبل، وتعرضوا للمصلين بالضرب والصعق بالعصي الكهربائية في عدوان طائفي سافر.

وقلت فيه إن (سبب هذا العدوان، كما لا يخفى، هو أن المرجع العربي الخالصي نوى أن يصلي صلاة العيد في اليوم الذي أجمع المسلمون على أنه عيدهم، وشذ عنهم أتباع الدين الفارسي وولاية الفقيه فجعلوه بعد يوم مخالفين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها).

لقد عدّ بعض المعلقين كلامي هذا مروقاً عن الدين وخروجاً على الملة، فيما اعتبر بعضهم الآخر أن إيران خط أحمر فلولاها لسحق الشيعة في العراق، وقالوا في الشيخ الخالصي ما لم يقل عدو بعدوه، أهونها أنه ينكر فضل علي بن أبي طالب، وأنه انحرف عن أهل البيت، في إشارة إلى رفعه الشهادة الثالثة التي وضعها الصفويون في الأذان.

وسأستعرض، هنا، بعض تلك التعليقات، على أمل أن أناقشها بعلمية، وبعيداً عن الضحالة التي عجت بها تلك التعليقات. 

قال أحدهم ويدعى نجاح مشاري: (منشوركم هذا ليس حباً في الخالصي أو دفاعا عن موقفه، بل كرهاً وحيداً للطرف المخالف الآخر)، في إشارة طائفية واضحة.

وقال من يدعى قادر عايد: (أي دين فارسي! وأي فرس! وأي خالصي! وكل يوم تقتطع من أرض العراق مدينة ولا نسمع لكم صوتا ولا رأيا ولا حتى كلمة. هل كان الخالصي أهم من مدن العراق يوما؟ ام كانت الكاظمية حبيبة لكم؟ هل يرضى علي الوردي أن تروا الرايات السود ترفع في مدننا ويذبح تحتها أبناؤنا وانتم صامتون؟ عرب وين طنبورة وين).

وقال متخفٍ تحت اسم (سومري سومري): (قررت أن أترك هذه الصفحة بسبب هذا المنشور الذي أقل ما يقال عنه إنه منحط.. ما لك انت والمعممين كي تنحاز إلى شخص على حساب آخر وما لك أنت اذا تأخر العيد يوماً او تقدم.. ولكن هذه هي العقول العفنة التي ﻻ تريد ان تغادر التخلف.. تأكد ان علي الوردي ﻻ يتشرف بك وبأفكارك العفنة).

واتهمني حيدر جعفر الجبوري بأني فقدت بعض تركيزي بسبب حزني على أمر البلاد الذي أصبح لا يطاق، بينما اتهمني آخر اسمه عدنان البدري بأني رجل طائفي ابن (.....) مريض وأني كتبت الحدث بطريقة طائفية وسخة، مع قذفي بمزيد من الكلمات البذيئة، متسائلاً: (ما الفرق بين دين فارس ودين العرب أليس دينهما هو الاسلام.. عموما لن أصدق الخبر إلا بعد التدقيق من مصدر موثوق غير طائفي سافل).

إن هذا السيد دخل بالسباب البذيء واعتدى عليّ بالكلام الذي لا يصدر عن أبناء الشوارع وهو لم يتحقق مما قلته بعد، وقال إنه سيستفسر عن الحدث.

وواحد اسمه (محمد رضا) طلب مني أن أحترم المذاهب الأخرى وأن الذين أسميهم الفرس واتباع ولاية الفقيه يشرفونني فهم لم يتعاونوا مع اليهود مثل ساداتي من آل سعود، كما قال.

وكتب محمد الجسام باللهجة العامية قائلاً: (ليش دائما انتو تحطون الفرس بالنص لوﻻ الفرس كان هسة انتو دتكتلون الشيعة ويا داعش عمي ياعيد هذا روح شوف العيد هو عيد الفرس الصحيح مو عيد العربان ال سعود افتهمت).

ودعا صلاح الشمري أن يحشرني الله مع الخالصي، مذكراً إياي بالحديث النبوي (لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى)، ومتهماً الشيخ الخالصي بالانحراف عن خط أهل البيت).

وقال أحدهم وهو جليل السراي: (سلام انت بعثي حد النخاع... كل نقدك وهجومك موجه ضد الغالبية الشيعية وتمتدح من يخالفهم او يعاديهم حتى انك لا تشن هجومك العدواني على الدواعش ومن يقف من ورائهم من أعراب الخليج وحكامهم ورجال دينهم مثلما تشن هجومك على الشيعة وايران... انت تستحق ان توضع في خانة وعاظ الشياطين لأنك اسوأ من وعاظ السلاطين الذين لعنهم المرحوم د علي الوردي!).

ويقول الطبيب خالد المراد: (أن يعتدي مجموعة من الناس على رجل كبير رغم اصطفافه مع الدواعش في فترة سابقة فهو امر منكر وغير مقبول حيث لكل شخص حريته واجتهاده في الدين لكن ان ينكر كاتب المقال أحقية اتباع أهل البيت باجتهاداتهم الخاصة ويتهمهم بأنهم اتباع الفرس فهذا منتهى الصفاقة والعار له وأمثاله).

 وقال أبو مهتدي الساعدي عن الشيخ الخالصي: (من العار ان يحسب هذا الوهابي على الشيعة لان دمه ينبض بالوهابية الداعشية فعلى الناس ان يطردوه اينما حل).

واتهمني عدي إبراهيم بأني أحمل نفساً شوفينياً مقيتاً، بينما رأى ابو سجاد الغراوي أن المقال يوضح بالدليل القاطع اننا من بقايا البعث العربي الاشتراكي (صداميين بامتياز) ولا نمت إلى الثقافة والمثقفين بصلة ابدا، واتهمني (سامي سامي) بالتخلف وقال بأني لا أعلم أن الشيخ جواد الخالصي ايراني ايضاً.

وفي الوقت الذي اتهمني مراد علم دار بأني أحمل نفساً طائفياً قومياً بغيضاً، اتهمني حسان علي بالزندقة والإرهاب.

ورأى أبو محمد الهنداوي بأني أحتاج إلى تربية مهنية وأخلاقية بالنشر قبل أن أتحذلق و(أتداهى)، وربما يقصد بالكلمة الأخيرة أن أظهر نفسي بأني داهية.

وقال حيدر القصاب بأنه لا يجوز الاساءة الى محبي وشيعة ال البيت وان كانوا من الاعاجم، وطلب، بلهجة آمرة، أن لا نمجد أعوان الضاري وآل سعود.

وقطع أحمد الدريساوي بأنه لولا إيران لكنا (يعني الشيعة) بين المطرقة والسندان.

لكن الدكتور علي حسين الجاسم جاء برأي غريب عندما قال: (يا اخي.. إن جواد الخالصي هو من المؤيدين للمهمشين والقتلة ومن مؤيدي ساحات الفتنة ومنصات القتل.. علما ما رأيت احتلالا ايرانيا للعتبات المقدسة.. ولكن اقول موتوا بغيظكم).

وفي الرد العاجل على هؤلاء وغيرهم، ممن لم نورد أسماءهم وتعليقاتهم إما لتشابهها مع غيرها وإما لأن فيها أعلى درجات البذاءة في الكلام، طلبت من الجميع أن يعيدوا قراءة الموضوع وقلت إن من لديه أدنى معرفة بالفقه والفرق والمذاهب سيعرف أن الطائفية بعيدة عن هذا الموضوع، وأضفت أن من المضحك المبكي حقاً أن يوصم بالطائفية من يمقتها.

وقلت أيضاً: إن الدين الفارسي حقيقة وليست من عندياتنا، ومن يرد أن يناقش مثل هذا الموضوع فعليه أن يقرأ الفروق البينة بين التشيعين العربي والفارسي، والتي قال بها حتى العلامة الوردي وعالجها في جل كتبه ومنها وعاظ السلاطين ومهزلة العقل البشري وسواها، ويا ليت قومي يقرأون.. 

وتابعت أن بين التعليقات من ظن أني أهاجم الفرس، في حين أني هاجمت المنهج الفارسي في التسلل إلى ديننا ونشر الخرافات والبدع فيه مما لم ينزل بها الله من سلطان.. ومنهم من هاجم العرب محبذاً الفرس، واعتبر أن الشيخ الخالصي ـ حاشاه ـ ليس له قيمة أمام المرجعية الفارسية، وإذا كان الأمر كما قالوا فلماذا يستهدفون الخالصي بالعدوان؟

وقلت: إن من يرد أن يفهم عليه أن يقارن ـ إن كان مستطيعاً أن يقارن ـ بين أخلاق أهل البيت عليهم السلام وسيرهم العطرة وبين ما يروجه الدين الفارسي عنهم.

ونصحت السبابين الشتامين البذيئين أن يعودوا إلى عائلاتهم ليتلقوا منها التربية مجدداً.

يؤسفني أن بعض من علق على مقالي في (مركز علي الوردي للدراسات والبحوث) يجهل ما هو الحوار ولا يحسن سوى الكلام البذيء قليل الأدب الذي لا يتناسب مع صفحة تحمل اسم علامة كبير أو مناقشة أمر خطر كالذي ناقشه المقال، بحيث أن أحدهم شتمني وسبني وتكلم بألفاظ بذيئة معي قبل أن يتحقق من الموضوع أصلاً، كما اعترف وكما رأيتم، بل أخذته العصبية الطائفية، ورماني قسم بالطائفية وهو لا يعلم أني لا أريد أن أشتم طائفة من المسلمين أو أنحاز إلى أخرى، فهذا ليس ديدني، وأنا لا أعتز إلا بالهوية الجامعة، وهي الإسلام، وأعتبر الطوائف طرقاً لعبادة الله نجح الطائفيون من السنة والشيعة في تسخيرها لمآربهم السياسية، وأردت أن أكشف أمام الجميع دهاء الفرس في تشويه الإسلام عامة، والتشيع بعد اختطافه وتحويله إلى دين جديد لا علاقة له لا بالتشيع ولا بالإسلام، ولمست أن بعض المعلقين بدت عليه تأثيرات الدين الفارسي فطفق يشتم العرب ويقلل من شأنهم، على الرغم من أن اسمه يشي بأنه من عشيرة عربية كريمة، ونحن لم ننل من الفرس كأمة أو قومية ولا من الإيرانيين كشعب، وإنما قصدنا في حديثنا المنهج الفارسي في التغلغل إلى الإسلام وتشويه مبادئه، وإدخال البدع والضلالات فيه باسم أهل البيت عليهم السلام، وأهل البيت براء مما ابتدعوه وألصقوه بالدين الحنيف وبالتشيع وبهم.

عندما دخلت إيران في التشيع، بداية القرن السادس عشر، بدأ التشيع يتخذ صورة أخرى من الطقوس والشعائر الغريبة المبتدعة باستغلال عواطف المرتبطين بآل البيت، ولاسيما الإمام الحسين الذي قتله الجيش الأموي التابع ليزيد بن معاوية في كربلاء.

ومعروف تاريخياً أن الشاه إسماعيل أرسل مبعوثاً خاصاً إلى أوروبا في مهمة غريبة وهي استيراد طقوس وشعائر لتأكيد الرسوم الشيعية من تطبير للرؤوس وضرب للظهور بالسلاسل، ومن الهند تم اقتباس  عادة المشي على النار التي يمارسها الإسماعيليون، وهم طائفة أخرى من طوائف الشيعة، وهم حفاة الأقدام تقديساً للإمام الحسين.

وطورت الدولة القاجارية مجالس العزاء الحسيني فحولت هذه المجالس إلى مظهر مسرحي ولم تعد مشهداً شعبياً يعيد فيه الشيعة أحداث استشهاد الحسين، "بل صارت المسارح التي أقيمت على الطراز الأوروبي مركزا لإعادة تمثيل هذا الطقس السنوي الذي يمتزج فيه الدم بالدموع والعواطف الحارة والطعام الذي يقدم في هذا المشهد الطقوسي. ومن هنا أخذ الإيمان الشيعي يدخل في الهوية القومية الإيرانية فصار التشيع تعبيرا عن الهوية الفارسية"، وتشكل في تطوره خلال القرون بالصفة التي أخذ فيها الفرس ينظرون إلى الشعوب الأخرى، لاسيما العربية نظرة دونية، فالعرب في الفكر الفارسي هم أعراب الجزيرة الفقراء الذين يأكلون الضباع والسحالى ويشربون لبن النوق، وهم الذين دكوا حصون الدولة الفارسية والبيزنظية العريقتين ولكن تحت راية الإسلام بعد أن تخلت بعض قبائلهم عن دور الدول المتاخمة الحامية لمصالح الدولتين كدولتي المناذرة والغساسنة.

يقول باحثون إن الفرس دخلوا إلى الإسلام، واصطحبوا معهم "الكبرياء الحضاري الفارسي" أمام الفاتحين العرب المسلمين، وغالباً ما تسميهم أدبيات الفرس "عرب الصحراء أو الأعراب"، ولما لم يعد بميسورهم البقاء على أديانهم القديمة، فإنهم ابتدعوا "صيغة توافقية" تحفظ لهم تفوقهم الحضاري وتميزهم العنصري أمام العرب، وتعوضهم عن وقع الكارثة التي حلّت بامبراطوريتهم!.

ولم يعد هذا سراً، فالمثقفون الإيرانيون يعترفون، اليوم، صراحة، بحقيقة هيمنة الثقافة الفارسية على الدين، وفي لقاء مع الإعلامي الإيراني محمد صادق الحسيني- المدافع عن النظام الحالي- يقول مجيباً عن (سبب اختلاف دين إيران عن دين باقي المسلمين): "إن دين إيران ليس هو دين النصّ الذي جاءنا مِن الجزيرة العربية، بل هو نِتاج امتزاج ذلك النصّ مع التراث الفارسي".

أليس هذا إقراراً صريحاً بأن عقائدهم ليس مصدرها القرآن فقط، كما هو حال المسلمين جميعاً، بل هي خليط مَزَجَه قادة دينيون فرس. ويُشكل هؤلاء ما يُعرف بـ"الحوزة العلمية"، التي تعدّ عند الإمامية "مَرجعيّة مُقدّسة"، حيث يُطبّق الأتباع والمقلّدون تعاليمها من دون نقاش، كما قال أولئك الباحثون، وإذا ما انتبه عالم ودعا إلى غَربَلَة وفصل ما هو إسلامي وشرعي عمّا هو موروث من ديانات فارس القديمة، فإنه يواجه مصير آية الله العظمى أبي الفضل البرقعي وأمثاله من كبار علماء الحوزة المجتهدين في إيران الذين حاولوا التصحيح، فمنهم من قُتل ومنهم من سُجن وعُذب أو نُفي وشُرد.

وووجهت محاولات الإصلاح العربية لفقهاء العرب الإصلاحيين مثل محمد حسين فضل الله وهاشم معروف الحسنى ومحسن الأمين ومهدى الحيدرى ومحمد شمس الدين ومحمد جواد مغنية ومحمد حسين كاشف الغطاء، ومحاولات النقد الجادة للسيد محمد باقر الصدر بالتسقيط والشيطنة، مما حدّ من تأثيرها، في أفضل الحالات، أو قضى عليها في حالات أخرى.

قرأت، مؤخراً كتاباً للباحث الأكاديمي العراقي نبيل الحيدرى عنوانه (التشيع العربى والتشيع الفارسى) في 600 صفحة كبيرة، وهو دراسة علمية عميقة متخصصة فريدة فى ما تم إدخاله إلى التشيع فى الغلو فى الأئمة (لاهوت الإمامة) لتضعف النبوة كثيرا أزاء الإمامة، بل ترتفع الإمامة إلى مقام الألوهية والربوبية فتنال من القدسية بالخرافات والطقوس والبدع إلى درجة التكفير واللعن والشتم وغيرها لكل من يتَوهّم عداءها وبغضها ونصبها. 

واستند الحيدري على أكثر من ألف ومائتي مصدر وكتاب ومرجع، أهمها الكتب الشيعية الأصلية الأولية لدراسة أوائل تلك الظواهر الغريبة وأصحابها ثم المراحل التراكمية لها فى أكثر من ثلاثين مرحلة، فى أخطائها وأخطارها وتناقضاتها مع القرآن والسنة ومدرسة آل البيت السليمة التى ترفض الغلو والتكفير والطقوس والبدع والتطبير وتلتقى مع التسنن المحمدى فى الأصول الإسلامية وأركان الدين الحنيف وتؤمن بثقافة المحبة والعفو والتسامح والتعايش والتعاون فترجعهم إلى الجماعة والوحدة والمحبة والسلام والتعاون، كما سبر آراء المستشرقين وما كتب فى هذا الباب من دراسات أكاديمية باللغات الأجنبية، خصوصا اللغة الإنكليزية.

ويرفض الحيدري توصيف التشيع في العراق وسائر أقطار العرب بأنه تشيع علوي وآخر في إيران بأنه صفوي، كما وصفه المفكر الإيراني علي شريعتي وأصدر كتاباً بذلك عنوانه (التشيع العلوي والتشيع الصفوي)، ويعدّ أن التسمية الأدق والأكثر انطباقاً هي (التشيع العربي والتشيع الفارسي)، وله في ذلك أسباب يبينها الكتاب وسنبينها في الجزء الثالث من هذا المقال.

يختلف الباحث نبيل الحيدري عن المفكر الإيراني علي شريعتي في تسمية التشيعين لأنه بحث فى الآثار التى أدخلت فى التشيع مختلف الانحرافات والبدع الخطرة على مرّ التاريخ، من العصور الأولى ومراحل مختلفة ومنذ حياة الإمام على بن أبى طالب وحياة أئمة أهل البيت واحدا تلو الآخر ثم مرحلة الغيبة الصغرى والكبرى ومراحل أخرى كالمرحلة البويهية والدولة الصفوية وكذلك الدولة العبيدية الفاطمية وغيرها من المراحل المتلاحقة المتراكمة وحتى المرجعيات الفارسية المعاصرة وما تعانيه من أزمات حقيقية خصوصا فى ثقافة التكفير وفتاوى البغضاء، بينما بدأ شريعتي بحثه من مرحلة الدولة الصفوية.

وينتقد شريعتي في كتابه (التشيع العلوي والتشيع الفارسي) المظاهر الطقوسية التي أثرت على المعنى الثوري العلوي والحسيني للتشيع، مقدماً الكثير من الأمثلة على هذا الأثر، وناظراً، وهو المعارض السياسي لنظام الشاه والفيلسوف الاجتماعي والذي قضى في ظروف غامضة في لندن، إلى الحسين كنصير للمظلومين ويدعو الشيعة كلهم لاتباع الحسين الثائر لا تشيع الصفويين الفاسد. وتفكير شريعتي يشير إلى الطريقة التي انحرف فيها الفكر الشيعي عن منبعه الأصلي بسبب الصفويين، بينما التشيع العربي مختلف، فهو لا يرفض الآخر بناء على نظرته القومية وأصوله، بل يلتزم بالعالمية التي يدعو إليها الإسلام وهو تشيع متسامح، والتشيع، خاصة في العراق، ظل يعبر عن تقاليد القبيلة العربية وارتباطها بالوطن، وعادة ما يشير المؤرخون إلى الدولة العراقية الحديثة وإلى ثورة العشرين التي قاتل فيها سكان الجنوب الشيعة الإنكليز، ومن هنا ظلت العروبة والانتماء إلى الهوية العربية هاجسا لدى شيعة العراق، ولا بد من الإشارة إلى أن بعض القبائل العربية تشيعت حديثا هرباً من الخدمة الإلزامية في الجيش العثماني، والإرث التاريخي يتناقض مع ممارسات الشيعة في الحكم وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق حيث قادة البلاد لم يعد يهمهم الامتداد العروبي للعراق ورهنوا مصيرهم ومصير العراق بما تقرره طهران.

ولا عجب أن يكون الباحث العراقي نبيل الحيدري ذو اطلاع واسع على أمور المراجع الإيرانية والعربية والإنكليزية، فهو ابن عائلة مارست الفقه، فصار بإمكانه أن يقدم الكيفية التي أصبحت فيها كتب الفقهاء والمحدثين الشيعة المعيار الرئيس لإيمان الشيعة، وهو يعيد الانحراف في الفكر الشيعي إلى الفترة البويهية منتصف القرن الحادي عشر عندما تحالفت السلطتان الدينية والسياسية وتم فيها تشييع غرب إيران وبغداد، وألف علماء الفرس الكتب الأربعة في الفكر والفقه الشيعي للقمي والكليني والطوسي والشيخ الصدوق، وفي هذه الفترة تم التلاقح بين الفكر والعقيدة والتراث الفارسي.

ثم جاء الصفويون في الدور الثاني وواصلوا رحلة الانحراف، وسيطروا على كربلاء والنجف، وانتشرت في هذه الفترة طقوس الكراهية واللعن بسبب التنافس مع الدولة العثمانية وأسست المجامع الحديثية الكبرى كالبحار للمجلسي والوافي للكاشاني، وامتلأت هذه الكتب باللعن والسب والتطاول على الخلفاء والصحابة.

 وتشدد دراسة الحيدري على أن هذه التقاليد استمرت إلى اليوم ويمكن رصدها في كتابات مفكر ومرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني ولم يسلم من هذه النزعة سوى قلة من مفكري إيران، فبالإضافة إلى علي شريعتي هناك محمد صالح المازاندراني وابراهيم جنتي والمقفع وعبدالكريم سروش. ويرى الكاتب هنا أن نزعة التسلط وقهر السنة وحلم الشاه إسماعيل بالانتصار على العثمانيين وغزو جزيرة العرب دفعته إلى التراسل مع البرتغاليين.

ونقدت الدراسة بعض معالم التدين الشيعي من التقية التي رأت أنها تخالف فكر الإسلام الداعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقوة أمام الضعف، وكيف أن الأئمة أنفسهم كانوا يرفضون هذه الفكرة، على الرغم من أن مفهوم التقية ينسب إلى الإمام جعفر الصادق.

 وحاولت الدراسة فهم تطور فكرة التشيع من الإمام علي وتتبع الفكرة التي كانت في أصلها "نصرة" للإمام وتشيعا ودعما لحقه ومن ثم تحولت إلى نزعة متطرفة أضفت على الإمام علي ألوهية رفضها في زمانه وعاقب عليها، كما عالجت قصة زواج الإمام الحسين بشهربانو بنت يزدجر وكيف اتكأت عليها المصادر الفارسية لكي تربط فيها الفرس بالدوحة النبوية وتبعات هذه الزيجة على موقف عمر الخليفة الثاني الذي نظرت إليه الكتابات الشيعية عدواً للفرس ومهلكاً لدولتهم، مقدمة في هذا السياق قراءة لحركات الغلو والتطرف التي ظهرت في العصر العباسي باسم آل البيت مثل الخرمية والراوندي، ومتناولة بالتحليل المفصل الكتب الأربعة الحديثية وهي "الكافي" للكليني و"من لا يحضره الفقيه" للقمي و"تهذيب الاحكام" و"الاستبصار" للطوسي، ومشيرة إلى قضية "الفرقة الناجية" التي نشأت حولها فرق عدة بعضها سادت ثم بادت وبعضها لا يزال موجودا وإلى غلوائها مثل العلوية في تركيا والنصيرية في سوريا، ومما بحثته الدراسة فكرة تحريف القرآن وأن حجمه الحقيقي أضعاف ما بين أيدينا.

وتدافع دراسة الحيدري عن التشيع الحقيقي في صورته الأصلية وكيف أن قلة من الفقهاء الشيعة العرب مضوا في السبيل نفسه الذي رسمه فقهاء قم، وأن هناك أفكارا نقدية جادة من مفكرين شيعة في لبنان والعراق ممن تصدوا للغلو في هذا الفكر منهم محمد باقر الصدر ومحمد حسين فضل الله ومحمد مهدي شمس الدين ومحمد حسين كاشف الغطاء وغيرهم. 

والواقع أن أهم ما سعت إليه دراسة الكاتب نبيل الحيدري تأسيس مشروع إصلاحى ضخم متكامل فى رؤية فكرية تكفل معالجة جميع الاشكالات الفكرية والعقائدية والتاريخية والدينية لبناء ثقافة تسامح واعتدال ومحبة.

وهذا كله يثبت أن الصراع في حقيقته ليس دينياً، وإنما هو نزاع سياسي قديم يتجدد في كل زمان أسس له الفرس منذ القدم لأهداف قومية بحت فهم يرمون العرب بالشوفينية إذا اعتزوا بقوميتهم بينما هم يعملون في السر والعلن من أجل مصالحهم القومية ويعلنون شوفينيتهم بصراحة، وإياك أن تتهمهم بالشوفينية والعنصرية، أما إذا أعلنت اعتزازك بقوميتك وهو حق مشروع، فويل لك، فهم سيشتمون العرب ويصمونهم بكل سوء في الكون، وسيقولون لك إن الإسلام نبذ القوميات، مع أن أي نص لم يرد في ذلك، بل جاء في القرآن الكريم عن أمة العرب (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، وكان النبي محمد يفاخر بأنه عربي وأن القرآن عربي وأن لغة أهل الجنة هي العربية، وأن قراءة القرآن والتعبد لله سبحانه لا تجوز إلا بها، لذلك نؤكد أن التشيع الفارسي دين تأسس على التشيع العربي بعد اختطافه، وهم يجددون هذا الصراع السياسي الذي يلعب على حبال العقائد في هذا الزمان مثلما جددوه وأثاروه في كل زمان، وعليك إذا كنت مسلماً حقيقياً، في نظرهم، أن تسب العرب وتحقد عليهم، وقد وضعوا شتم العرب والحقد عليهم والرغبة بالانتقام منهم على لسان الأئمة الأطهار من أهل بيت النبوة تدليساً وكذباً عليهم.. فيالصلافتهم.

ثم يأتون ليقولوا لك إن الشهادة الثالثة في الأذان جزء منه، وإن النبي أمر بها، كما سنرى في الجزء الأخير من هذه المقالة.

حقيقة الشهادة الثالثة

واتهم المعلقون على المقال في مركز الوردي للدراسات والبحوث الشيخ جواد الخالصي وتياره بالانحراف عن أهل البيت وإنكار فضل علي بن أبي طالب لأن الشيخ وقبله أباه وأخاه الأكبر الشيخ مهدي رأوا أن الشهادة الثالثة (أشهد أنّ علياً وليّ الله) بدعة.

إن التيار الخالصي، وحسب اطلاعي، ليس الوحيد الذي أنكر إقحام الشهادة الثالثة في الصلاة وفي التشهد، فالشهيد الثاني، قال في "شرح اللمعة الدمشقية": (ولا يجوز اعتقاد شرعية غير هذه الفصول في الأذان والإقامة كـ"التشهد بالولاية"، بالولاية لعلي(ع)، و"أن محمداً وآله خير البرية"، أو "خير البشر"، وإن كان الواقع كذلك، فما كل واقع حقاً يجوز إدخاله في العبادات الموظّفة شرعاً، المحدودة من الله تعالى، فيكون إدخال ذلك فيها بدعة وتشريعاً، كما لو زاد في الصَّلاة ركعة أو تشهداً، أو نحو ذلك من العبادات، وبالجملة، فذلك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان).

ويتابع الشهيد الثاني: (وإضافة أنَّ علياً وليّ الله وآل محمد خير البرية ونحو ذلك، فبدعة، وأخبارها موضوعة، وإن كانوا عليهم السّلام خير البريّة، إذ ليس الكلام فيه، بل في إدخاله في فصول الأذان المتلقّى من الوحي الإلهي، وليس كلّ كلمة حقّ يسوغ إدخالها في العبادات الموظفة شرعاً). 

والشهيد الثاني هو زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي المولود في العام 911 الهجري القمري في لبنان ولقي حتفه في العام 966 الهجري القمري علی يد المتحجرين الظلاميين. أما الشهيد الأول فهو محمد بن مكي بن أحمد العاملي النبطي الجزيني المولود في العام 734 الهجري القمري بلبنان، واستشهد في العام 786 الهجري القمري علی يد المتعصبين والمتزمتين، ولا تزال تدرّس مؤلفات هذين الشهيدين خاصة كتاب "اللمعة الدمشقية" للشهيد الأول وكتاب "شرح اللمعة الدمشقية" للشهيد الثاني في الحوزات العلمية في العالم الشيعي. 

ويقول المحقق أحمد السبزواري في (ذخيرة المعاد): أما إضافة أنَّ علياً ولي الله وآل محمد خير البرية وأمثال ذلك، فقد صرّح الأصحاب بكونها بدعة، وإن كان حقاً صحيحاً، إذ الكلام في دخولها في الأذان، وهو موقوف على التوقيف الشرعي ولم يثبت.

والمقصود بالتوقيف الشرعي "التعبدي"، أي التعبّد بما جاء به الشارع المقدّس دون زيادة ولا نقصان، وليس في المرويات عن أهل البيت(ع) ذكر الشَّهادة الثالثة.

وممن يقول بعدم مشروعية الشهادة الثالثة في الأذان، العلامة الحلي في (نهاية الأحكام)، إذ يشير إلى أنه: "لا يجوز قول (إنَّ علياً ولي الله)، و(آل محمد خير البرية) في فصول الأذان لعدم مشروعيته".

وممن أنكر جزئية الشهادة الثالثة في الأذان: الشيخ الصدوق في كتابه "من لا يحضره الفقيه"، والشيخ الطوسي في كتاب "المبسوط والنهاية"، والشهيد الأول في "البيان"، والمحقق الأردبيلي في "مجمع الفوائد"، وجميع الفقهاء المعاصرين في رسائلهم الفقهية.

أما الشيخ المفيد في كتابه "المقنعة"، وعند كلامه عن فصول الأذان والإقامة، فإنه لم يذكر الشهادة الثالثة أبداً، ما يعني أنها "ليست محل نقاش لديه، بل لا يراها واردة أصلاً، وإلا لكان على أهميته ومكانته العلميَّة تعرَّض لها بالبحث، وكذلك الحال بالنّسبة إلى السيّد المرتضى علم الهدى، فإنه لم يتعرَّض إلى الشَّهادة الثالثة في أبحاثه الفقهيَّة".

ومن الفقهاء المتقدّمين ممن تحدّثوا عن الأذان والإقامة من دون التعرض للشَّهادة الثالثة: القاضي ابن البراج، ابن زهرة الحلبي، ابن إدريس الحلي وغيرهم..

ومن الفقهاء المعاصرين العلامة الشيخ محمد جواد مغنية في "فقه الإمام الصادق (ع)"، إذ يقول: "واتفقوا جميعاً على أن قول "أشهد أن علياً ولي الله"، ليس من فصول الأذان وأجزائه، وأنه من أقرّ به بنية أنه من الأذان، فقد أبدع في الدين وأدخل فيه ما هو خارج عنه".

 ‎سلام الشماع‎: أما المرجع الإسلامي السيد محمد حسين فضل الله فيوضح رأيه في ذلك كالآتي:

"الشهادة لمولانا أمير المؤمنين (ع) بالولاية هي من العقائد الحقّة، لكن لم يرد ذكرها في فصول الأذان والإقامة في النصوص الواردة عن النبي (ص) وآله الأطهار (ع)، كما أنه لم يرد ذكرها في كتب قدامى الفقهاء، بل ورد عند بعضهم، كالشيخ الصدوق (ره)، النهي عن قولها في الآذان والإقامة، لأنها من صنع الغلاة والمفوضة حسب كلامه. وقال الشهيد الثاني (ره) في "اللمعة" إنها من حقائق الإيمان لا من فصول الأذان، وقد بقي على هذا النحو على مدى القرون إلى ما قبل ثلاثة أو أربعة قرون، حين ذكر بعض العلماء أنه يُستحسن ذكرها فيهما من باب الاستحباب المطلق، وليس من باب أنهما مطلوبان في أصل التشريع، فوافقه على ذلك بعض العلماء وصارت تشيع بينهم وعند الناس، على الرغم من أنَّ ما استندوا إليه في ذلك موضع نقاش فقهي كبير، لأنَّ الأذان والإقامة ونحوهما من الأذكار المنصوص عليها بكيفية خاصة، لا يمكننا تغييرها عما هي عليه، لا زيادةً ولا نقصاً، رغم كون ما سيزاد عليها هو ذكراً مثلها، فمثلاً: هل يمكننا جعل صلاة الصبح ثلاث ركعات؟ وهل يمكننا قراءة الفاتحة في الركعة الواحدة أكثر من مرة؟ وهل يمكننا أن نضيف التشهد الأوسط بعد كل ركعة؟ وهل يمكننا جعل الشهادة لله بالوحدانية في الأذان والإقامة ثلاث مرات أو خمس مرات بدل المرتين".. وعلى هذا الأساس، رفضنا إضافة "الشهادة الثالثة").

وعلى الرغم من هذا كله فإن فقهاء الفرس يصرون على غير ذلك، ففي موقع الإمام الشيرازي ورد أنه "في يوم الغدير أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن أخذ البيعة لعلي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين بزيادة الشهادة الثالثة: (أشهد أنَّ علياً وليّ الله) في فصول الأذان والإقامة".

وجاء فيه ما نصه "إنّ الشهادة الثالثة جزء من الأذان والإقامة، وقد اخترنا ذلك في الفقه".

والشهادة الثالثة، حسب هذه الأقوال من موضوعات الصفويين، مثل الصلاة على التربة والغلو في تقديس الأئمة ورفعهم إلى مصاف أعلى من النبوة، وغير ذلك مما يرفضه التشيع العربي، وقد شغلوا أذهان أجيال وأجيال بهذه الخلافات غير المجدية إلا لهم، ومنعوا هذه الأجيال من العلم المثمر والتطور وقيدوهم بهذه الخلافات، التي إن بحثت عن جذورها تراها منهم وليس لها في الإسلام أصل، ما يعني أن الصفويين أعدموا شعوباً كاملة بهذه الخرافات التي منعت الأجيال من الانطلاق في عمل يريده الإسلام الصحيح.

لذلك أرجو من أعضاء موقع الدكتور علي الوردي هضم هذه الأفكار وفهمها قبل البدء بالسباب والشتائم وبذيء الكلام الذي لن يمحو حقيقة قائمة ولا يغير من التاريخ شيئاً.

أما شتم العرب والتقليل من شأنهم ورميهم بكل سوء فإنه ثقافة فارسية بامتياز تثبتها نصوص وكتب ووثائق من أدبياتهم وموضوعاتهم التي يزعمون أن الأئمة عليهم السلام قالوها، وقد نأتي إلى هذا الموضوع في مناسبة أخرى.

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم