بلادي بلادي بلادي

مشاهدات




علي السوداني


سأكتب الليلة قصة قصيرة مساحتها مائدتي القائمة ، وطولها سيتبين عند نقطة المنتهى .

قد يحدث هذا بعد ساعتين أو عشر لكنه لن يذهب بعيداً ليأكل سبعة أيام وظهيرة .

فرشتُ دفتر الصور فوجدت واحدةً باهتةً مثلومةً من الأعلى قليلاً ، وثمة لمعة ضئيلة أخذت من المنظر عيني اليمنى .

في الصورة العتيقة تلفزيون خشبي عمره نحو سبعين سنة بقياس عمري وأنا اكلكل عند مفتتح الستين البهية . بهية أمي الرائعة كانت دوماً تحاول بضحكة مكتومة إفساد خديعة أبي الذي كان يردد على مسامعنا تنويمة أن الممثلين والممثلات سينامون في هذا الصندوق الخشبي العجيب بعد ختمة فلم السهرة بكلمة النهاية .

في اليوم التالي سيذهب أحد الأولاد المشاكسين الفطنين الأذكياء ليقف خلف التلفزيون ، ويزرع إحدى عينيه بثقب متاح فوق حدبة الجهاز ، على أمل رؤية كلينت ايستوود أو كاري كوبر أو فريد شوقي أو رشدي أباظة ، أو ثدياً نافراً من صدر مارلين مونرو أو صوفيا لورين أو سعاد حسني أو هدى سلطان والمعلمة تحية كاريوكا .

على المائدة مرمدة سجائر فيها ستة أعقاب وحفنة رماد وتسعة أعواد كبريت وثمانية أضافر .

إصبعان فائضان أكلتهما واضفريهما الحرب . دودة صغيرة تلوب عند سور المرمدة ، وخرخشة ابتدائية من مكبرة الصوت المرفوعة فوق مسجد في الجوار .

التفاصيل كثيرة ومملة ، لكنني سأبذل أعظم جهد من أجل تبئير الحكاية وتجنب الحشو اللغوي الزائد وإنتاج زبدة النص .

لذلك ترون أنني سوف لا أُخبركم بأنَّ مائدتي مصنوعة من مستطيل خشب محكوك بقسوة ، وتقف على ثلاثة أعمدة من حديد ، وانَّ طول الساق الواحدة هو كف وساعد وزند ، وكنت اشتريتها من سوق العتيق المشمور في زاوية المدينة السفلى ، وكان بائعها كهلاً سبعينياً كريماً ومبهجاً مثل وجه جدّي أحمد من صوب والدتي . كان الهرم اللطيف كثير السعال قليل الكلام ، وقد عرفت منه أنه يستوطن غرفة بائسة معلقة لصق لمّة قبور مزروعة عند السفح الغربي لجبل القلعة الشهير .

توجعني موسيقى الحروف التي يطلقها الباعة المتجولون وهم ينادون على بضاعتهم قبل الغروب بشهقة . المرأى مزعجٌ مثل نشرة أخبار المساء .


0/أرسل تعليق

أحدث أقدم