بقلم / ابراهيم الدهش
الجَلوة من المصطلحات المهمة والمفعلة ضمن الأعراف والقانون العشائري ، البعض من يضعها في رف التخلف والرجوع إلى الوراء والجاهلية والعصبية القبلية وآخرون من ينظر لها بمنظار آخر هو التخفيف من وطأة الجريمة وتوقف نزيف الدم إضافة إلى الأبعاد الإنسانية ، بمعنى أنّ لها جوانب إيجابية و رود أفعال مرضية .
الجلوة ، معناها هو القيام بترحيل الجاني و أهل الجاني وبعض الأحيان حتى خمسته ( أي حتى الجد الخامس ) من المنطقة أو العشيرة التي يسكنها الى منطقة أو مدينة أو عشيرة بعيدة عن أهل المجني عليه وحسب الاتفاق الذي تم في الفصل العشائري ، وذلك للمحافظة على أرواح وممتلكات أهل الجاني وعدم وقوع المشاكل وخاصة في الساعات الأولى من وقوع الجريمة والتي تسمى عند القبائل والعشائر ( فورة الدم ) ويتم ذلك من خلال تهدئة النفوس عند أهل المجني عليه وتعتبر الجَلوة ضمن العقوبات العشائرية ضد الجاني وخاصة أيام القبائل والعشائر قديماً والآن موجودة ولكن بأقل حدّة وتعصب حيث غالبا ما يصدر قرار الجَلو ضد الجاني فقط وتحديدها نوع وقساوات الجريمة
إن العادات الحميدة والسنة الطيبة عند القبائل والعشائر كثيرة جداً ومنها هو الإسراع في تولي مهمة تهدئة النفوس كما ذكر أعلاه وذلك من خلال تكليف عدد قليل من سادة ( السيد من ذرية الرسول الكريم ) وشيوخ و وجهاء العشائر يأخذون عطوة عشائرية حسب العوائد المتبعة عند القبائل والعشائر وتكون هذه العشيرة هي المسؤولة عن حماية أهل الجاني من الاعتداء عليهم من قبل أهل المجني عليه ولحين التوصل إلى حل يرضي الجميع ،.وتسمى هذه العشيرة هي ( بصاحبة الوجه ) أي إن أهل الجاني بوجه هذه العشيرة وهم بحمايتها حتى إتمام الصلح العشائري .
إن العادات والأعراف العشائرية طيبة وحسنة ومتوارثة من الآباء والأجداد ، فهي تعمل على تطويق الجريمة وعدم اتساعها عند المتخاصمين ولها الدور الكبير عشائرياً في الوصول إلى التفاهم بين الطرفين وتعتبر المفتاح الرئيسي لحل مثل هذه القضايا الصعبة كجرائم القتل وهتك العرض وغيرها ، فالكثير من القضايا العشائرية لم تحل قضائياً أو قانونياً عند الحكومة إلا بعد السير بالإجراءات العشائرية المتبعة فإذا تم الصلح بين المتخاصمين أصبح من السهل على رجال القضاء إنهاء القضية عشائرياً ولا يبقى سوى عقوبة الحق العام إن كان ذلك .
لقد تحدث الكثير من أبناء العشائر عن موضوع الجَلوة من حيث إيجابياتها وسلبياتها في عصرنا الحاضر وهي مشكلة قاسية تواجه أبناء العشائر سواء كانت في المدن أو الريف أو البادية وكما في العراق و الأردن و مصر وأغلب البلدان العربية من أصول عشائرية بغض النظر عن مكان السكن والإقامة فالمتغيرات الحياتية والسكنية التي طرأت في وقتنا الحاضر أصبحت تختلف كلياً عن الماضي ايام الأباء والأجداد حيث كانوا يسكنون في بيوت الشعر وينتقلون من مكان إلى آخر طلباً للعيش لهم ولمواشيهم وهذا شيء طبيعي كان عندهم ومعتادون على ذلك ولا يؤثر عليهم الرحيل إن وقعت الجريمة وحصلت على أثرها الجَلوة حتى لو كان ذلك يطبّق على جميع أفراد العشيرة التي ينتمي إليها الجاني فمن السهولة أن (يهد ويرحل الجميع) كما يقال باللهجة العامية.
أما اليوم فأصبح الناس يعيشون في بيوت ثابتة سواء كانت من الأسمنت أو الحجر وأصبح عندهم المصالح الثابتة التي يستفيدون منها والتزام أبنائهم بالدراسة في مكان سكناهم وكذلك وظائفهم إضافة إلى العلاقات الاجتماعية والتواصل المجتمعي وأمور أخرى ، فهذه الأمور وغيرها تساهم في تكبيد هؤلاء الناس الكثير من الخسائر المختلفة في حالة ترحيل الجاني وأهله كما كان يحصل سابقاً الى مناطق خارج سكناهم ، فيمكن القول بأن الجَلوة في وقتنا الحاضر يجب أن تختصر على صلة القربى من الدرجة الثانية وهم الأب والأخوة للجاني ( أي الجاني وأهله ) والمثبتين بدفتر العائلة تخفيفاً على الناس الذين لا يعلمون ولا يعرفون عن الجريمة إلا بعد وقوعها.
الكثير منا يعرف بأن الحكم والقضاء العشائري في الماضي هو المطبق آنذاك ويعتبر هو القانون والنظام المعمول به والساري بين القبائل لحل المشاكل والجرائم عند وقوعها وهو حكم أدى دوره أما اليوم فنحن نعيش في ظل دولة النظام والقانون والأمن والأمان فأصبح المواطنون يدركون الوعي الكافي ملمين بالعلم والمعرفة والثقافة العالية فأصبحوا يميزون الصح من الخطأ ويدركون أيضا بأن المسبب للجريمة (أي الجاني) ارتكب جريمته دون استشارة أحد من أقربائه بذلك فيجب أن يحمل نفسه العقوبة الرادعة بحقه عن جميع تصرفاته التي قام بها سواء كانت عشائرية أو قضائية ونحن في هذا الوطن الغالي وإن شاء الله ننعم بالأمن والأمان وسيادة القانون بفضل الله أولا ثم جهود الخيرين و الدولة حيث يوجد المحاكم والقضاء العادل والذي من خلاله يأخذ كل إنسان حقه بكلّ أمانة وإخلاص ، لذلك نحن جميعا في أمسّ الحاجة إلى التعاون والتكاتف من أجل تقويم القانون وعدم هدمه.
إرسال تعليق