لي قضيّة " الإنسانية "

مشاهدات



نسرين ولها


قال لي ، ذات يوم، رجل حكيم .." لن يكون لما تكتبين شأن حتّى تكون لك قضيّة؟

قضيّتنا مركبة ومعقّدة في زمان قطعت عنه أخبار السّماء لكي نعي اتّجاهنا ونمضي على هُدى و رشد.

السّيرة الذّاتية تساوي الأنا الذّاتية في الأنا الموضوعيّة. وفي كلتا الحالتين، هي امتداد يستغرق مسافات تمتحن الوعي بسؤال الفلسفة التّقليدي، من أنا؟ أنا نسرين، أنا التّونسية، أنا العربية، وأنا الإنسان في صورته الأنثى التّي تضيف قضيّة أخرى في معادلات الصّراع من أجل إثبات الهويّة. 

مثل أيّ ملكة تُعبّر عن كيان مملكتها، اِخترتُ " العقل " ليكون التّرجمان الذّي يُشيّد مملكتي الفكريّة العريقة. إذ جلّ ما أنهله من جُبّ العقلانيّة يخدمُ الإنسانيّة أوّلا وأخيرًا. لا جرم أنّي " المتفائلة العاطفيّة إلى أبعد الحدود " فقلبٌ بلا مشاعر، كيف يخدم الإنسانيّة !

لعلّني لم أشارك في القضايا الوطنيّة و العربيّة قالبًا، لكنّي قد كنتُ في عمق الحدث بمنتهى قلبي و بصدى قلمي ..الذّي ما انفكّ يجري في آلام النّاس و مأساتهم بما نُقشَ مِنْ مدادٍ على ِرقِّ الذّاكرةِ ..

حُبِّي لسيادة الوطن حُبّا جمًّا ..فكلّما فار التّنور و اشتعلت نار الثورة هنا و هناك ، كنت أفور مدحا و ثناء خالصا لحُرمة الوطن .

فلا شكّ أنّ مدح "مسقط الرّأس " وهو ينزف ليس مغالاةً في الوهم، وإنّما نحيبًا لفظيًّا على زمن كان فيه الوطن في أوج شبابه و حماسته و تفجّر حضارته. فحينما تلبس مدينة ما ثوب الظّلام المُخضّب بجميع ضروب الشّقاء، تأبى رُوح المُواطنة أن تستجيب لمقت الأسود . و تغتبط بكلّ خيط نور منفلتٍ من خرق الظّلام التّي افتعَلَتها النّفوس الشّامخة عمدًا بإرادتها و سرّا بخفيتها. إنّ تُراب الوطن، يا سادة، مُقدّس لا تُدنّسه قدم بشر ظالم، ولا تشوبه أي شائبة حتّى وإن حمل كلّ أنواع الظّلمات من جور و فساد و طغيان على كاهله. إذْ "لا تزر وازرة وزر أخرى ".

لقد لعب الوعي دورًا مُهمّا في استنباط الحقائق و تمييزها عن بقيّة الأفكار، إذ كان المشكاة التّي تُنير ما دوّنه العلماء و الأدباء و الفلاسفة على رقّ التّاريخ . فكلّ فكرة لا تحترم سموّ العقل و منطقه، هي باطلة. و ما أكثر الأوهام و الخرافات التّي لا تُجسّد أي حقيقة من الواقع و التّي لا تتجاوز كونها أغطية فاضحة لما يجول في أعماق مؤلّفيها من أهواء و انحيازات فكريّة ، سياسيّة ، و دينيّة.

 كما يَغشى اللّيل أطراف النّهار ، يُغطّي الظّاهر الباطن . و حتّى تُرى الأشياء على حقيقتها ، يحتاج الإنسان إلى بصيرة نافذة ، و يتوجّب عليه أن يمشي في الظّلمة متحديّا كل ضروب الخوف. فالحقائق ، غالبًا ، ما تكون مكنونة في الباطن شأنها شأن الألماس الذّي يتوسّد أعماق الأرض .

و لذا، لا بُدّ للمرء أن يخرج من ظُلْمتِه إلى عَتباتِ النّور اِلتماسًا للحقيقة ..مثلما يخرج إلى الطّبيعة اِلتماسًا للسَّكِينة و نُور الشّمس ~

ووكالة الحدث الأخباريّة كانت نقلة لأمتعتي إلى عاصمة الضّباب، المدرسة الامبراطوريّة لسياسة العقل البريطاني الذي دجنّ كل البحار واحتلّ اللّيل والنّهار بسيطرة تجاوزت مساحتها نحو مئة مضاعفة لمساحة إنجلترا. وأدركت بأنّ الاستعمار رغم صورته القبيحة  في  الأذهان إلاّ أنّه تفاعل حضاري سينتهي حتما بتحقيق الوحدة الإنسانية.


0/أرسل تعليق

أحدث أقدم