مروان كنفاني
رغم صعوبات التجربة التفاوضية، إلاّ أنها أخذت التواجد الفلسطيني السياسي خطوة إلى الأمام، باتجاه تركيز أبعاد كيانية سياسية تعترف بوجودها وتمثيلها للشعب الفلسطيني من كافة دول العالم.
فرصة جديدة للفلسطينيين
لا تتجاوز الخيارات الفلسطينية للتوصل إلى اتفاق تفاوضي عادل مع إسرائيل الثلاثة. اثنان تمت تجربتهما من الفلسطينيين وانتهيا بكارثة لا يزال الشعب الفلسطيني يعاني منها، حيث تمسكت التجربة الأولى بقرارات الأمم المتحدة التي تبدأ بعودة اللاجئين لبلادهم أو تعويضهم عن أملاكهم، وتلك استراتيجية انتهت لعدم إمكانية تطبيقها عسكريا أو سياسيا، بتثبيت مرحلة الأمر الواقع التي أعطت إسرائيل الفرصة لإقامة المزيد من المستوطنات، واستجلاب عشرات الآلاف من اليهود وطرد عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
بعد حوالي أربعين عاما من النكبة دخل الفلسطينيون التجربة الثانية الفاشلة حين قبلوا بمفاوضات مع إسرائيل بإشراف الولايات المتحدة، الراعي الأول والأساسي لدولة إسرائيل، في أوائل التسعينات من القرن الماضي.
ورغم صعوبات هذه التجربة التفاوضية، إلاّ أنها أخذت التواجد الفلسطيني السياسي خطوة إلى الأمام، باتجاه تركيز أبعاد كيانية سياسية تعترف بوجودها وتمثيلها للشعب الفلسطيني من كافة دول العالم.
يبدو الخيار الثالث والأخير الذي قدمه الاجتماع الرباعي لدول مصر والأردن وألمانيا وفرنسا في القاهرة الاثنين، والمتمثل في الإشراف الدولي المعتمد على قرارات الأمم المتحدة أفضل الخيارات التي تعرض على الفلسطينيين، ليس لأنه سوف يعطيهم كامل حقوقهم، لكن لأنه يعرض عليهم فرصا أفضل من القرارات الجامدة للأمم المتحدة أو الاستمرار في مرحلة سريان الأمر الواقع، الذي انتهزه رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي في بناء مساكن للمهاجرين اليهود على أراضي فلسطينيين.
قد لا يكون الاجتماع الرباعي مهما في حد ذاته، لكن أهميته تتأتى من لفت انتباه العالم بأن هناك سبلا عادلة ومؤيدة دوليا لوقف نزيف البؤرة المتفجرة في الشرق الأوسط.
وجاءت الأهمية أيضا، ليس فقط من الدعوة المصرية والحضور الأردني لأن ذلك معهود من الدولتين الأكثر تأييدا لحقوق الشعب الفلسطيني، لكن من المشاركة الألمانية والفرنسية، وهما الدولتان الأهم في القارة الأوروبية.
تثير المبادرة الرباعية تساؤلات أساسية حول مفهوم “التجمع الدولي” لدعم التفاوض المباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل وضع حدّ لهذا النزاع الطويل، لأن كلمة “الدولي” تشير غالبا إلى الأمم المتحدة التي تضم في عضويتها كافة دول العالم. فهذه المنظمة هي المؤسسة التي عايشت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وورثته من سابقتها عصبة الأمم.
قد لا يكون الاجتماع الرباعي مهما في حد ذاته، لكن أهميته تتأتى من لفت انتباه العالم بأن هناك سبلا عادلة ومؤيدة دوليا لوقف نزيف البؤرة المتفجرة في الشرق الأوسط
وأصدرت من خلال جمعيتها العامة التي لا تخضع لنظام الاعتراض (الفيتو) الخماسي في مجلس الأمن المئات من القرارات، التي تؤكد كامل حقوق الفلسطينيين الوطنية والسياسية والمجتمعية والاقتصادية بشكل كامل. وتلك القرارات التي لم يتم تنفيذها، هل المطلوب من دول الرباعي مجرد حثّ الأمم المتحدة تحديد الأهداف التي يتم التفاوض حولها والإشراف على تحقيقها؟
يخضع العامل الأساسي في قرارات الحرب والسلام بالنسبة لإسرائيل، في مجمل العلاقات العربية والفلسطينية لحتمية رفض التفاوض مع العرب جماعة، والإصرار على التوصل إلى اتفاقات فردية مع كل دولة عربية على حدة، كذلك تم في نتائج حرب عام 1967، وبعدها في اتفاقات السلام مع مصر والأردن وفلسطين.
هل تقود دول الرباعي العربي- الدولي التوصل إلى اتفاقات جماعية وحل سلمي مقبول؟ وهل تساهم الولايات المتحدة بقيادتها الجديدة في ذلك الجهد أم تتمسك بما تم من تطبيع وما تبقى من صفقة القرن؟
نجحت السلطة الوطنية الفلسطينية في لفت أنظار العالم لقضيتها، وجهدها لتصبح طرفا في الاهتمام الدولي المؤيد والرافض والمتردد، والذي يرتبط بشروط يجب أن تلتزم بها، وأهمها التأهب للمشاركة في الفرصة التي قد تتيحها جهود الرباعي، والتي تمخض عنها اجتماعها في القاهرة.
تلك الفرصة المتاحة يمكن أن تكون الأخيرة للفلسطينيين للتوصل إلى اتفاقات ممكنة مع إسرائيل، وربما قد تكون الفرصة الأخيرة كذلك لتحقيق قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة.
تقف عقبتان في مسيرة نجاح جهود الرباعي، الأولى تتعلق بالإدارة الأميركية الجديدة، والثانية خاصة بالفلسطينيين أنفسهم. فمن الضروري ألا يغيب عن الإدراك والعلم ملاحظة أن كل الاتفاقات والحروب والسلام والدعم والرفض في العلاقات العربية الإسرائيلية، بما فيها الوضع الفلسطيني خلال ما يقرب من قرن، تمت فقط بموافقة وتدخل الولايات المتحدة.
وخلال أيام تتسلم القيادة الأميركية برئاسة جو بايدن الحكم وسط مناخ عاصف، ومن الطبيعي إدراك أن مهام فرض السيطرة وتجنب الخلاف الداخلي وإعادة الأمن وتسلّم قيادة أقوى دولة في العالم، تستغرق وقتا وجهدا.
وليس من المستبعد أن تؤثر التطورات في الشرق الأوسط، خاصة في ما يتعلق بالتحالفات المعادية والمؤيدة لواشنطن، فتتجنب إدارة بايدن تبني مواقف حاسمة بشأن أي تغيير في الشرق الأوسط.
تريد الإدارة الجديدة الابتعاد عن إحراج حليفتها إسرائيل القوية في الشرق الأوسط، في أجواء متصاعدة السخونة، ويمكن أن تقود إلى مجابهات عسكرية واشتباكات متوقعة في عدة مناطق بالمنطقة.
يقود الوضع الجديد في أميركا، واختلاف الفلسطينيين وتنوع تحالفاتهم مع بعض دول الشرق الأوسط وحوله، إلى العقبة الثانية التي ستواجهها دول الرباعي وتتعلق بالفلسطينيين. فهل سيرحب الجميع فعلا بمبادرة اجتماع القاهرة الأخير، ويتم إجراء انتخابات محايدة وشاملة في الأراضي الفلسطينية؟ وهل يتفق الجميع على المشاركة في مفاوضات مع إسرائيل، أو يتم التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والسلطة الوطنية في الضفة الغربية فقط؟ سوف تتم الإجابة عن كل هذه الأسئلة عمليا، وفي وقت ليس ببعيد.
البحث عن خروج من النفق الضيق البحث عن خروج من النفق الضيق
بخصوص الانتخابات العامة التي بدأت السلطة الوطنية الفلسطينية الترتيب لها، والتي تسيطر عليها وربما على نتائجها الجهات الأمنية الحاكمة لكل من حركة حماس وحركة فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد كنت قد نشرت في مدونتي بتاريخ 12/1/2016، وهو ما أحيل إليه القارئ.
كتبت وقتها نصا “أعيد التأكيد اليوم مرة أخرى، بأنه دون الاتفاق على برنامج وطني فلسطيني يلزم الجميع، وخاصة حركتي فتح وحماس، يقضي بتسليم السلطة في الأراضي الفلسطينية لجهة مستقلة تقوم بوضع دستور مؤقت لانتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، وتشرف على عملية الانتخاب بأمانة، فإن الموضوع لا يتجاوز مجرد تهدئة وترضية للشعب الفلسطيني، واكتساب شرعية انتخابية جديدة، ووقت للاستمرار في السلطة والسيطرة والتمتع باقتسام الأرض والشعب”.
تتردد مؤخرا تصريحات عن الاختلاف بين التنظيمين حول الانتخابات القادمة، بعد أن أعلنا عن استعدادهما لخوض الانتخابات والتوحد في العمل والأهداف، ويعود بنا التاريخ اليوم إلى زمن مشابه لأعوام 2006 و2016 وما تلاهما من تواريخ أخرى تم فيها إطلاق تصريحات نارية من فتح وحماس، واجتماعات بين مراسيل من التنظيمين، ولقاءات حميمة في عواصم عربية بشرت باقتراب الاتفاق والتصالح بين الحزبين الأكبر المتصارعين على حكم ما تبقى من فلسطين، ثم أسفر الأمر للأسف عن تكريس قسمة الشعب والأرض الفلسطينية.
قد تكون هذه المعطيات مؤشرا أو دليلا لفهم ما يدور حاليا، وإمكانية البناء على جهود الرباعي العربي- الدولي والخروج من النفق الضيق للمفاوضات.
مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات
إرسال تعليق