التعليم في العراق ..هل سنقرأ عليه السلام؟؟

مشاهدات



ثائرة اكرم العكيدي 


مازالت جائحة كورونا تهدد التقدم المحرز في مجال التعليم في جميع أنحاء العالم من خلال إلغالق شبه تام للمدارس والمعاهد والكليات  مما سيتسبب باضرار كارثية للاجيال القادمة ..الكل يعلم ومن قبل جائحة كورونا تردي وضع التعليم في المدارس العراقية حيث تدهور وضع التعليم في العراق مابعد الغزو الامريكي للعراق سنة ٢٠٠٣ ، فقلة نسبة المشاركين في منظومة التعليم ، كذلك قلة نسبة الدعم الحكومي لهذا القطاع . ونظراً لتلك الأسباب توجه العديد من الأطفال العراقيين إلى مجال العمل وخاصة بعد السقوط  أصبح النظام التعليمي في العراق يضم مايقارب الـ ٦ مليون تلميذ مابين فترة الحضانة حتى الدرجة الـ ١٢ ، بالإضافة إلى مايقارب الـ ٣٠٠٠٠٠ معلم وإداري. التعليم في العراق إجباري حتى إكمال المرحلة الإبتدائية ، بعدها يخير الطلاب لإكمال دراستهم على حسب نتائجهم في الإختبار العام. بالرغم من وجود خيار التعليم المهني في منظومة التعليم العراقية ، لكن القليل من الطلاب يختارونه نظراً لرداءه النوعية التعليمية المقدمة فيه .وجاءت كورونا لتكمل حلقة التخاذل والاهمال لدى المدارس والمعاهد والكليات ومما لا شك فيه أن كلا من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي سيواجهان تحديا كبيرا للعودة إلى الظروف الطبيعية في مرحلة ما بعد الوباء وبالتالي إعادة البناء التدريجي وتجديد نظام التعليم بكامله على المستوى الوطني سيضعنا امام امرين اما النهوض قليلا بواقع التعليم  او النزول لهاوية الجهل والخذلان والتخلف 

إن جائحة كورونا هي أولاً وقبل كل شيء أزمة صحية، وبسببها قرر العديد من الدول بحق إغلاق المدارس والكليات والجامعات العام الماضي لكن استأنفت اغلبية الدول هذا العام فتح المدارس ومؤسسات التعليم مع اخذ الحيطة والحذر والوقاية بينما لجأت الى اغلاق البارات والمطاعم المغلقة والكافتريات والملاهي الاطفال والتجمعات الغير مجدية بينما حكومة العراق على عكس كل هذا حيث قامت باغلاق المدارس والمؤسسات التعليميه وفتح ابواب التجمعات على مصراعيها المولات والكازينوهات والمطاعم والعتبات المقدسة وعمل المهرجانات الغنائية الهابطة يعني هذا ان اطفالنا حين يالجأؤون لهذه الاماكن هم بخير وبعيدين عن الوباء لكن عندما يذهبون لمدارسهم  للتعليم سيكتسبون الوباء ويكونوا قريبين من خطر الفيروس .

 ان تبلور الأزمة المعضلة التي واجهها صانعوا السياسة في العراق  بين إغلاق المدارس للحد من الاتصال وإنقاذ الأرواح فالتعليم في المنزل ليس فقط صدمة هائلة لإنتاجية الآباء، ولكن أيضا لحياة الأطفال الاجتماعية وتعلمهم حيث ينتقل التدريس الآن عبر الإنترنت، على نطاق لم يتم اختباره ولم يسبق له مثيل، وتحدث التقييمات الامتحانات للطلاب أيضا عبر الإنترنت، مع الكثير من التجربة والخطأ وعدم اليقين للجميع، ولذلك تم إلغاء العديد من التقييمات، والأهم من ذلك أن هذه الانقطاعات لن تكون مجرد مشكلة قصيرة المدى، ولكن يمكن أيضًا أن تكون لها عواقب طويلة المدى على المجموعات النموذجية المتأثرة، ومن المرجح أن تزيد من عدم المساواة وخاصة بعد السنة الدراسية السابقة ٢٠٢٠/٢٠١٩ 

حيث تحول طلاب العراق المرحلة المنتهية الى سوبرمانات علم ومعرفة تفتقر لها اكبر دول العام المتقدمة بعد ان وصل عدد طلاب الاوائل مكرر ال  ٦٠٠  طالب وهذه الظاهرة غير مألوفة منذ انشاء الدولة العراقية ..

ان الإغلاق العام  للمؤسسات التعليمية سيؤدي إلى انقطاع كبير وربما غير متكافئ في تعلم الطلاب  اضطرابات في التقييمات الداخلية، وإلغاء التقييمات العامة للمؤهلات أو تغييرها لبديل رديء.

ما الذي يمكن فعله للتخفيف من هذه الآثار السلبية؟ تحتاج المدارس إلى موارد لإعادة البناء وتعويض خسارة الغياب عن التعلم بمجرد فتحها مرة أخرى، يجب الرد على السؤال حول كيفية استخدام هذه الموارد، وكيفية استهداف الأطفال الذين تضرروا بشكل خاص، وهذا سؤال مفتوح، ونظرًا لأهمية التقييمات للتعلم، يجب على المدارس أيضًا التفكير في تأجيل التقييمات الداخلية بدلاً من تخطيها..

الذهاب إلى المدرسة هو أفضل أداة وسياسة عامة متاحة لرفع المهارات، ففي حين أن وقت المدرسة يمكن أن يكون ممتعًا ويمكن أن يرفع المهارات الاجتماعية والوعي الاجتماعي، من وجهة نظر اقتصادية، فالنقطة الأساسية للتواجد في المدرسة هي أنها تزيد من قدرات الطفل، وحتى قضاء وقت قصير نسبيًا في المدرسة يفعل ذلك؛ ففوات فترة قصيرة نسبيًا من المدرسة سيكون له عواقب على نمو المهارات، ولكن هل يمكننا تقدير مدى تأثير انقطاع الوباء على التعلم؟ ليس لدينا الأدوات والدراسات الآن، فنحن في عالم جديد؛ ولكن يمكننا استخدام دراسات أخرى لتقدير هذه العواقب.

 في العام الدراسيّ المنصرم، أنتج الاعتمادُ على "التعليم عن بُعد  في العراق خاصة وفي الوطن العربي عامة العديدَ من السلبيات التي لحقت بالنظام التعليمي والمجتمع برمّته.

فقد أخل بمبدأ تكافؤ الفرص وديمقراطيّة التعليم. وأظهر التفاوتَ الطبقيَّ والاجتماعيَّ بين فئتين مَن يمتلكون وسائلَ الرفاهية والتمكن من وسائل التواصل الاجتماعيّ واللجوء إلى الدروس الخصوصيّة في المنازل؛ ومَن لا يملكون أبسطَ مقوِّمات الحياة، وهم في الغالب من الفقراء والكادحين الذين لا يقْدرون على التعليم عن بُعد ولا يسعوْن إليه أساسًا. وهكذا أصبح "التعليمُ عن بُعد" وسيلةً للقادرين والميسورين.

وهو فاشل بشهادة المختصين ..وهنا السؤال يطرح نفسه علينا  هل التعلم عن بعد سوف يحل المشكلة؟ كلا بالتأكيد. لماذا ..؟؟

١. عدم ارتباط العديد من الأسَر الفقيرة، سواء في المدن أو الريف، بشبكة الإنترنت. والمعلوم أنّ الحقَّ في التعليم - كحقٍّ إنسانيّ - بات يرتبط بالحصول على الإنترنت، وهو أمر يتعذّر على نحوٍ أكثر من ٣٠% من الأُسر العراقية الفقيرة .

٢. انتشار الأمية الأبجدية والرقمية في صفوف العديد من الآباء والأمّهات يبلغ عددُهم الالف بحسب إحصاء ٢٠١٧ لمنظمة اليونسكو وهذا يحول دون أن يساعدوا أولادهم في التعلم.

فإلى جانب تحفظاتنا التربوية والاجتماعية عن هذا النوع من التعلم، وعن مفاقمته حالة اللامساواة، وعن أساليبه التطبيقية، وعن مدى جاهزيّتنا في الوطن العربيّ له،فإنّه يثير تساؤلات فلسفية واجتماعية واقتصادية عميقة، ويثير مخاوف من احتمال حصول تغييرات اجتماعية غير مدروسة وغير مسبوقة في موقع المدرسة من العملية التعليمية. صحيح أنّ هناك ضرورة ملحة لإدخال تغييرات على النظام التعليمي التقليدي ولكن تلك التغييرات يجب أن تكون في اتجاه تقوية دور المدرسة، لا إضعافها وتفكيكها.

لذا رغم أن التعليم المنزلي العالمي قد ينتج بالتأكيد بعض اللحظات الملهمة، وبعض اللحظات الغاضبة، وبعض اللحظات الممتعة وبعض اللحظات المحبطة، يبدو من غير المرجح أن يحل محل التعلم المفقود من المدرسة..

فالمدرسة هي المكان الذي يجب أن نجد فيه متخصصين في التعامل مع الأطفال والطلاب وتوجيهِهم وتحفيزِهم على التعلم. هي البناءُ الآمن الذي يجب أن يتفاعل فيه أبناؤنا معا لساعاتٍ عدة من كلّ يوم. وهي المكان الذي يجب أن يجد فيه الأطفال والطلاب الأمان والمساحةَ للحركة، والإبداع، والتنشئة الاجتماعية القائمة على قيم المواطنة وحقوق الإنسان.

ان عملية التعليم والتعلم لا يمكن أن تتمّ في فراغ، وإنما تتم داخل المؤسسة التعليمية، لِما فيها من تفاعلٍ اجتماعيٍ وثقافي. ذلك لأن مهمتها لا تنحصر في إكساب المتعلمين المعلومات والمعارف الصماء، بل هي المجتمع الصغير الذي يتعايش فيه الطلاب ويفكرون معًا ويتأملون معا في حياتهم وظروفهم ومستقبلهم. إن بناء الشخصية لا يكون من خلال المعلومات والمعارف وحدها، وإنما من خلال التفاعل أيضا، داخل جدران المدرسة وخارجها.

وعلى الرغم من الجائحة التي داهمت العالم، فإن حكوماتنا لم تفكر في التعليم المستمر  وذلك لأنه تعليم قائم على فلسفة وأهداف غيرِ موجودةٍ في نُظُمنا التعليميّة العربية المعاصرة. وانحصر الاهتمامُ بالتعليم عن بُعد والتعليم أونلاين وغيرِهما من الصيغ التعليمية التي لم تؤتِ ثمارها بعد في عملية التعليم والتعلم على مستوى العالم..

وعلى الرغم من التقنيات التربويّة الحديثة التي سبق عرضها، ولم يَثْبتْ عمليًّا نفعُها في عمليّة التعليم والتعلّم حتى الآن، فإننا نؤكّد أنّه لن يكون في استطاعة الإنترنت أو التعليم عن بُعد أو التعليم أونلاين أو شبكات التلفزيون التعليمية نفسها أن تزرع في نفوسنا ونفوسِ طلابنا القيم الإنسانيو النبيلة والمشاعرَ والعواطف. وسوف نحتاج دائما إلى دفء الاتصال الشخصي والإنساني أولًا، عن طريق الأسرة وثانيا من خلال وجود معلّم يثير في نفوسِ طلابه القيم والرموز الغالية التي تضيء العقول والقلوب، وتدفع مسيرة الإنسان نحو التقدّم الحقيقيّ الذي يحقّق سعادته وسعيه نحو بناء مجتمع العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.

ستظلّ المدرسةٌ والمعلم هما حافظ القيم الإنسانية والثقافة الوطنية والهويّة في المجتمع. ولا شكّ في أنّ تلك وظيفةٌ غاليةُ الثمن، ولن تستطيع التكنولوجيا أو التقدّمُ العلميّ تجاوزها.وإذا كانت الجائحةُ قد بدلت الأدوارَ والوظائف على مستوى الدول والحكومات، فإنها في مجال التربية تعيد الاعتبارَ إلى الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعيّة، وإلى العلاقات الإنسانية، ممّا لا تستطيع التكنولوجيا أن تقوم به. والسؤال هنا، هل الأسرة مستعدة الآن أن تلعب هذا الدور الغائب؟

الجواب، في الواقع معيشي الحالي  والمستقبل القادم

واخيرا ان جائحة كورونا التي اجتاحت العالمَ ومازالت، وقيدته في المنازل وألزمته بإجراءات احترازية محددة، جعلتنا نعيش عولمة جديدة في أنماط السلوك اليومي والعمل. لكنها قدمت إلينا فرصة ذهبية كي نعيد الاعتبار إلى المدرسة والأُسرة والمعلِم والمنهج الدراسي وهي مكونات لم يلحق بها أيُ تطوير أو تحسين خلال تلك الجائحة، بل استمرّ الجدلُ محصورا بالعودة إلى المدرسة أو البقاء في المنزل وبتوظيف بعض تقنيات التعلم الجديدة. والواضح أن تلك الأوضاع سوف تستمرّ إلى ما بعد زوال الجائحة من دون تعديل أو تطوير...

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم