الكهرباء والرسائل القذرة

مشاهدات



سحبان فيصل محجوب 


في بداية العام ٢٠٠١ ومع استعداد الملاكات المعنية في هيئة الكهرباء لاستقبال طاقة مضافة جديدة لتعزيز القدرة الانتاجية لمنظومة الكهرباء الوطنية، التي أثقل كاهلها الحصار الاقتصادي وذلك بربط الوحدات التوليدية الجديدة قيد التنصيب في مشروع محطة الزحف الكبير (محطة بيجي الغازية) بالشبكة العاملة حيث كانت مرحلة تجهيز المعدات الخاصة بها من الشركة المصنعة (شركة بهارات الهندية) قد اقتربت من نهايتها، بعد زيارتي ووفد متخصص (فني وتجاري وقانوني) إلى الهند (كنت حينها الوزير المكلف بإدارة هيئة الكهرباء) والطلب من شركة بهارات الهندية (من كبريات الشركات المتخصصة) تكثيف العمل وإنجاز الالتزامات التعاقدية، في وقت مبكر، قبل حلول موسم الصيف (موسم زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية)، وكان هذا بدعم دبلوماسي دؤوب وفاعل بذله سفير العراق في نيودلهي، آنذاك، الأستاذ صلاح المختار، أثمر عن ذلك توالي وصول ما تبقى من شحنات لمكونات المولدات الجديدة وملحقاتها إلى موقع المحطة داخل العراق وكانت الحاسمة في إكمال متطلبات تشغيل هذه المكونات من معدات وأجهزة دقيقة مختلفة يجري تغليفها بعناية لتأمين عدم تضررها أثناء عمليات الشحن ثم ربطها بالشبكة الكهربائية,

وهنا كانت المفاجأة عندما شاهد المعنيون بتسلم المواد المرسلة من الشركة المجهزة الكثير من العبارات المكتوبة بخط اليد على أغلفة هذه المواد والتي تحمل العديد من معاني التهديد والوعيد مع جملة من الشتائم الرخيصة موجهة إلى العاملين العراقيين في المشروع وللعراق ونظامه الحاكم، كان من بين المعنيين المكلفين بأعمال التسلم ممثل عن الجهة الأمنية المسؤولة عن أمن قطاع الكهرباء وحمايته والذي وثق تلك الكتابات صوريًا ليخبر بها مرجعه الوظيفي.

وضعت إدارة هيئة الكهرباء، حينها، أمام خيارات صعبة فإما التغاضي عن الحالة حتى إتمام عملية شحن المواد كافة أو الطلب من الشركة إيقاف إرسال المواد لحين معالجة التجاوزات الحاصلة وكان هذا يعني عدم إمكانية إتمام العمل في المشروع المنتظر وإكمال تنصيب المولدات الجديدة والتي كانت إدارة الهيئة تتابع مراحل الانجاز الكامل له لتعزيز عمل المنظومة الكهربائية على وفق خطة زمنية وضعت على طاولة التنفيذ كان من أولويات أهدافها إنجاز ربط الوحدات التوليدية الجديدة لمشروع محطة بيجي الغازية، وعدم تحقيق هذه الأولوية كان يعني تعريض الخطة بالكامل الى انحراف كبير يبدد آمال العاملين على تنفيذها، كنا نراهن هنا على عامل الوقت لإنجاز المشروع، قبل ورود ما يمنع استمرار التعامل مع الشركة المجهزة جراء الإخبار، الذي تولاه العنصر الأمني العامل في لجان تسلم المواد المرسلة وكما هو متوقع .

كإجراء أولي استدعت إدارة الهيئة ممثل الشركة الهندية في بغداد وطلبت منه معالجة الحالة، وقد أبدى استغرابه من حصولها وأعرب عن أسفه واعتذاره وأنه، من جانبه، سوف يعلم مقر شركته لمعالجة هذا الأمر (تبين لاحقاً إن الدوائر الخارجية المعادية للعراق قد سخرت بعض موظفي الشركة الناقلة لتنفيذ هذا العمل الجبان)، تالياً تلقت هيئة الكهرباء توجيهاً ملزماً بعدم التعامل مع الشركة الهندية، تمهيداً لإجراءات أخرى، آنذاك، كانت المعدات الحاكمة لإكمال المشروع كافة قد وصلت إلى موقع المحطة واكتمل تركيبها وكانت خطوات تدشين الوحدات الغازية الجديدة وربطها بالشبكة قد وصلت إلى مراحل متقدمة ...

تمكنت ملاكات هيئة الكهرباء العراقية من إتمامها وتم ربط هذه الوحدات بالمنظومة الوطنية بنجاح فكان هذا خير رد على ما تلقاه العاملون من رسائل قذرة استهدفت معنوياتهم لتعطيل الهمم وإحداث التأثير في سلامة إنجازهم للأعمال الموكلة اليهم.

لم تقتصر هذه الرسائل السفيهة على هذا المشروع فقط، بل تعدته إلى مواقع عمل أخرى كان الرد عليها بإتمام الكثير من الانجازات الوطنية، التي كانت كفيلة بإلقاء هذه الرسائل في حاويات القمامة.

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم