تمثلات المفارقة في مجموعة (لا تتبع أقدامك) للشاب البصري (مرتضى أمين)

مشاهدات

 



 

بقلم : حيدر علي الاسدي
ناقد وأكاديمي



صدر عن دار الدراويش للطباعة والنشر والتوزيع 2023 مجموعة ( لا تتبع أقدامك) للشاب البصري الاديب (مرتضى أمين) وبعنوان تجنيسي (نثر) ضمت المجموعة العديد من النصوص القصيرة التي يعتمد بها الشاعر المفارقة في بناء نصوصه القصيرة متسقاً مع عتباته الفرعية ( العناوين) التي يختارها في تأثيث نصوصه النثرية ، التي تقترب من قصائد الومضة ، رغم المباشرة في عملية صياغة دلالاته في بعض النصوص الا ان الشاعر يمتلك لغة تمكنه من صياغة جمله الشعرية بطريقة تبنى معها السمات الايقاعية لتلك النصوص وايحاءاته الدالة ، وهو يتناص مع بعض المفردات الحياتية او التاريخية لصياغة بعض نصوصه كما في نص ( قيود / ص 14) كما ان بعض نصوص تلك المجموعة تقترب من مفهوم الخاطرة وليس قصيدة النثر ، ومرتضى أمين يسعى من خلال نصوصه لتقديم اعتراضية نقدية واضحة لقيم المجتمع المتناقض ، وذلك عبر مفارقة الجملة النثرية في نصوصه ، (في نص غيم بلا مطر) يقول : ( على هذه الأرض ...حيث يختلف كل شيء ...حتى الغيوم ..فليس بالضرورة هنا يكون مصدرها الماء ...ربما دموع الأمهات بعد الحروب! ..لتعود بعد ذلك ...تهطل على اكواخنا/ص30) مرتضى يبحث عن انسان يعود لرشده وطبيعته الأولى بعيداً عن الأقنعة او الزيف الذي يتسم به الفرد بالطابع السيسولوجي : ( بينما انت تبحث عن شخص يفهمك ...تأكد بان ترخي قبضتك ...فليست كل الايادي صالحة ...للامساك/ص33) ، ولمفردة الحلم أبعاداً دلالية في مجموعة مرتضى فهي النافذة التي يحافظ الانسان على وجوده من خلالها في هذه الحياة كما في نص (معنى) : ( انا لا أفهم كيف بإمكان الشخص ان يعيش من دون ان يحلم....او على الأقل ...من دون ان يفكر بحلم) فلا معنى لوجود الانسان من دون هذا الحلم ، مرتضى يحاول ان يطلق صرخات احتجاج عبر نصوصه هذه، صرخة مكبوتة في الذات الإنسانية : (ابحث عنك ) : ( أيها الجبان ...الخائف...العالم لا يسع لمزيد من الحمقى...اصرخ ...او اخفض رأسك للأبد) فمرتضى يحاول ان يستفز الفرد لئلا يكون مجرد رقماً في هذا الوجود وان تكون له كلمة وموقف إزاء ما يجري في معترك هذه الحياة ، ان تدوير مفردة (التحليق) مراراً في نصوص هذه المجموعة تومئ الى انتقادية واسعة يقدمها الشاعر إزاء الواقع الأرضي (المضمخ بالألم والمعاناة) حتى يكاد يبحث وجدانيا على فضاءات اكثر رحابة من هذا الواقع الأرضي المزري عبر تأثير حضور مفردة التحليق وتدويرها المنطبع في الوجدان واللا وعي ، كما في نص (9:09 ص) ( تراودني رغبة ملحة ...بان أحلق ، لكن كيف! ...اهو ذنب امي ...لم تضعني ببيضة ...ام ذنب هذه الأرض...لم تخلقني بأجنحة.../ص42) يستمر مرتضى بأسلوب المفارقة بصياغة نهايات نثرياته كما في نص (رأسك غانم/ص44) ( على الرغم ..من كوني وحيداَ الان ....الا انني مزدحم من الداخل/ص44) الا انني اختلف تماماً مع الشاب مرتضى أمين بنص (على غير العادة) فاني اجده نصاً محرضاً على التمعن بحل ( الانتحار) كخيار في هذه الحياة ، لا اسوغ ابداً ان يطرح الاديب او الشاعر الشاب هذه الأفكار في متون نصوصه بالمرة ، انسان مرتضى في هذه المجموعة يكون وحيداً او مأزوماً يعاني من ارق الوجود والامه المختلفة ، حتى يحاول مرتضى بوعيه بهذا الوجود ان يجد له منافذ ومسارات متنوعة تكون بديله له عن هذا البؤس الذي يكتنفه كما هو واضح في اغلب النصوص بهذه المجموعة ، ويشتغل على هذه الانتقادية وفقاً لتضادية واضحة للمعاني فما يريد مرتضى ان يقوله يطرحه بطريقة عكسية ممكن تلمسها من طريقة صياغة الجملة النثرية بهذه المجموعة على امتداد عتباته، (خارج ميل الساعة /ص68) ( وسط الكم الهائل من الناس...وضجيج المارة...صوت السيارات القافزة من فوق المطبات...كنت وحيداً داخل راسي ...ولحسن الحظ ..لم يبالي لي احد) ويتم تكرار مفردة (النافذة/ القفص) بوصف الأولى مسار الحرية ، اطلاق الذات باتجاه سلوكيات اكثر تمرداً على الوضع القائم وبوصف الأخرى (القفص) معنى اعتباري لسجن افتراضي لا فيزيقي، فالسجن الافتراضي اقسى وقعاً على الفرد من ذلك الفيزيقي المحسوس كما في ( لا تتبع اتجاه الاقدام/ص115) ، ان مجموعة مرتضى امين واعدة بلغتها وأسلوب تأثيث المفردات، وتستحق القراءة وحتماً ستكون التجارب القادمة لهذا الشاب اكثر ابداعاً.

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم