الثقافة المختزنة ومحركات السلوك

مشاهدات

 




أ. د . سامي الزيدي

لكل شعب من شعوب العالم ثقافته التي اعتاد على ممارستها ، والتي اختزنها نتيجة تجاربه عبر الأجيال مما جعلها ثقافة تميزه عن غيره من شعوب الأرض ، والتي يحدث عليها بعض التعديلات والتبدلات بما ينسجم والظروف التاريخية التي يمر بها ذلك الشعب ، إلا أن مظهرها العالم وتجلياتها وتمثلاتها حاضرة في السلوك الاجتماعي .
  ويبدو واضحا أن اللاشعور الجمعي هو من اختزن تلك التجربة واحتفظ بها حية ينقلها عبر الأجيال . لمجتمعنا العراقي  ثقافته المميزة التي تجعله شعب يتداخل حضاريا وثقافيا مع غيره من المجتمعات على وفق مبدأ الاحتكاك والامتزاج الحضاري بين الشعوب ، ولكن تظل لكل شعب ميزته الخاصة التي يتفرد بها وتكون مائزة له عن غيره .
  في هذا المقام أردت الحديث عن ميزة متفردة تاركا الأخرى لمقام اخر  ..
العقائد واحدة من مرجعيات تشكيل العقل على مستوى الفرد والجماعة . ففي مذاهبنا الإسلامية تشكل العقل على وفق فقه وعقائد مختلفة لذلك صار واضحا التمايز بين ثقافات المجتمع بحسب لون المذهب واملاءاته ، كما أن للطبيعة الاجتماعية سلطتها في توجيه السلوك الاجتماعي ، فالاعراف العادات تختلف بحسب تلك الطبيعية لذا يقتضي تغير تلك الطباع .
الفرد الجنوبي في العراق ( واعني الظاهرة)  فرد جدلي ، لانه خضع لثقافة دينية جدلية ، وتأثر بالمذاهب الباطنية  والغنوصية ( *) يؤمن بالغيبيات ويخضع للتأويل ، ولا يرفض الخرافة  بل يعدها إيمانا حقيقياً ، لذا صار مزاجه وطبيعة تفكيره وسلوكه المعرفي يتجه صوب التأويل ، فكل حادثة وكل فعل وعبارة يذهب إلى تأويلها وربما يجد لها تأويلا لا يتفق مع ظاهر النص وليس متداولا ، لان ثقافته من نوع التأويل الباطن ولأنه تعلم أن لكل ظاهر باطن ، فليس من السهل أن تقنع الفرد الجنوبي بوجهة نظرك لانه يؤول الخطاب بحسب ما يراه متناسبا مع مزاجه المعرفي وثقافته المختزنة باللاشعور الجمعي .
  أن الحفر في جذور الثقافات يهيئ لنا إمكانية دراسة اي شعب من الشعوب ، لان الانسان لا يمسح التجارب من ذاكرته إنما يمكن له أن يستبعدها لحين وتبقى مختزنه متى ما أراد استعادتها استعيدت قافزة للذهن ، فبالامكان اختبار ذلك بمجرد استفزاز شخص ما فكريا فسوف تجده يعود محلقا إلى ذاكرته الأولى التي اعتقد انه غادرها إلى اللاعودة . فالثقافة الاولى ومخزن الذكريات عامل مهم ومحرك سلوكي لا يمكن الفكاك منه إلا بمراقبة دائمة لاحتباس تلك الذاكرة في عمق الوعي وحبسها عن الظهور كي لا تظهر من جديد لتحرك فينا فعلا جمعيا لاشعوريا .
.............
* الغنوصية أو العرفانية : كلمة يونانية تعني المعرفة المتحصلة عن طريق الالهام والكشف .

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم