إبراهيم رسول
ليسَ غريبًا، أن يواصلَ الناقدُ د. رحمن غركان سلسلته النقدية الجديدة التي عنى فيها بنقدِ الشعر الحديث، وهذا التخصصُ والاهتمام، جاءَ نتيجةَ قراءاتٍ مكثفةٍ وواعية للعيّنات موضع البحث النقدّي، ومن هذه السلسلة، يأتي كتاب " عتبات الشرود المؤجل للشاعر عبد المجيد الموسوي" الصادر عن دار تموز ديموزي بطبعتهِ الأولى في سنة 2022. في هذا الإصدار نجد أن الناقدَ في هذا الكتاب، عنى بالعتباتِ، لِما تُمثلّه من معنى وأهمية في النصّ الأدبيّ، فالعتبةُ مهمةٌ في أيِّ نصٍّ أدبيٍ، فقد كانت العتبات في المجموعة الشعرية، لها دلالات كثيرة، أوجزها الناقد في تعريفه لها في الصفحة 18 بقولهِ: فالعنوانُ عتبة؛ لأنّ وظيفته تحديد النص وتعيينه, وعلامات الترقيم عتبة؛ لأن وظيفتها تحديد أبعاد التدوين والخط والكتابة, وتعيينها لمقاصد دلالية يذهب إليها الكلام في دواله الفاعلة. نعم، فالعتبة لها دال ومعنى، تتبع الناقدُ هذه العتبات كلّها فجاءَ الكتاب كُلّه على قراءة هذه العتبات , بدءًا من العنوان باعتبارهِ عتبة أولى في النصِّ. تأتي أهمية العتبة برؤية الناقد د. رحمن غركان من كونها: تقع العتبة من المتن موقعًا عنوانيًا, تنصرف إليه رؤى القراءة ؛ لأنّ مجساتها تتنبه إليه بدءًا , ولأن الشاعر غير التقليدي يُعنى كثيرًا بجعلها ؛ جزء معجمهِ على مستوى الدوال, وجزء تركيبهِ وترتيبهِ على مستوى الجملة....) (الكتاب صفحة 9). فالعتبةُ وفق هذا المفهوم فاعلة، عضويةٌ لا يمكن تجاهلها، فهي جزءٌ أصيل من معجم الشاعر، وهذا يعني أنّ لها أهمية كبيرة في تجربة العمل الإبداعي للأديب. يعدُ الناقد أنّ مفهومَ العتبات مفتوحًا على منهجيات القرّاء، ومتبنيات رؤاهم النقدية، وإجراءات قراءاتهم التطبيقية، فقد بدا من المتعذر الإحاطة بمفهومها في نصّ تعريفي اصطلاحي، جامع مانع...
الاهتمامُ بالعتباتِ النصّية باعتبارها البدايات أو البوابات لدخول عالم النصّ الفسيح والرّحب، واشتغال الناقد في هذا الجانب جاءَ نتيجة الحضور المُهيمن والمُهم في العيّنةِ المنقودة، إذ لم يترك الناقد شاردة أو واردة إلا وأخضعها في بحثهِ النقدي، فأنت واجدٌ في هذا الكتاب، القولُ الفصلُ والبليغ في موضوعة العتبة، وبالإمكان أن تستغنيَ عن الاشتغالات الأخرى كونه (الجامع المانع) في بحثهِ في ثيمة العتبات النصية. كان الناقد هو القارئ الذي يغوص في باطن الباطن، ويتعمق إلى أعمق الأعماق، كأنّه عالمُ آثارٍ يبحث عن الجوهر المخبوء تحت باطن الأرض، وهذا واضحٌ من خلال القراءة النقدية المنهجية العميقة، التي قرأها الناقد في المجموعة المنتقاة. تحققُ عتبات النصّ أغراضًا بلاغيةً وأخرى جمالية لارتباطها الوثيق بسياق المتن الداخلي، إذ لا حاجة بها دون المتن الأصلي، فهي بوابتهُ الأنيقة التي يدخل القارئ منها إلى النصّ، فجماليتها ذات أهمية كبيرة، كونها نقطة الشروع الأولى لعالم النصّ الإبداعي، ونلحظُ أهميتها وجماليتها وبلاغتها في قراءة الناقد د. رحمن غركان في مجموعة الشرود المؤجل للشاعر عبد المجيد الموسوي.
نعم، كانت القراءة النقدية معمقة وتشتغل على جانبين اثنين مهمين، هما:
الأول: الجانب البلاغي
الجانب البلاغي الذي اشتغل عليه الناقد في قراءته هذه, اعتمد أسلوبًا بلاغيًا, أيّ أسلوب المبدع في عتبات نصوصهِ, وقد ألم الناقد بها الإلمام الذي لم يترك وراءه ما يحتاجُ إلى بحثٍ فيه, فهو تتبعها كُلّها دونَ أن يهملَ أيّ شيءٍ منها, فهو يقرُّ أهمية العتبة في مقدمة الفصل الثاني الذي مهدَ له بتمهيدٍ بليغ المعنى إذ يقول: انطلاقًا من مفهوم العتبة_ بحسب متبنيات هذه الدراسة_ من أنّها قدرة التجربة الشعرية ذات الأداء النوعي على الإنجاز الذي يجيء دالها النصي عتبة لافتة لعالم عليه إيحاءات ذلك الدال( الكتاب صفحة 92), هنا يحدد الناقد أن مفهومه خاصٌ به ( بحسب هذه الدراسة), وهو تعريفٌ دالٌ على معنى, وليست العتبة مسألة اعتباطية, فهي إنجازٌ لا يقلُ أهميةً عن المتن الداخلي, فهي تفتح الباب على عالم من الإيحاءات الكثيرة.
العتباتُ النصّية هي علمٌ لها دلالاتهُ التي لا يمكن للمبدع أن يتجاهلَ اهميتها، الاشتغالُ النقدي الذي طُبقَ على هذه العينة كان اشتغالًا تنظيريًا وتطبيقيًا كما صرّح الناقد في مقدمته التي استهلّ بها البحث النقدي. الذي يجدهُ القارئ المتذوق في نقود د. رحمن غركان، أشياء كثيرة، نوجزها في الآتي:
الأولى: يعتمدُ الناقد د. رحمن غركان منهجيةً نقديةً في العينات التي يخضعها لبحثهِ النقدي، فأنت واجدٌ عينات نوعية منتقاة وفقَ شروط الناقد الإبداعية، وأوّل ما يتبادر إلى الذهن، ان ترجعَ إلى العينة، لتقرأ وتحلل وتفسر وتطيل النظر ومن ثمَ ترجع إلى طريقة الناقد في النقد الذي نظّرَ له وطبقَ وفق الدرس النقدي الحديث.
الثانية: أنّ الناقد د. رحمن غركان، يأخذ ثيمةً رئيسةً وردت بكثافة في العينة الإبداعية، أيّ أنّه يأخذُ الثيمة التي يستطيع أن يلم بها الإلمام الكافي وفي هذا يحقق الشرط المهم في اختيار البحث الأدبي، الذي يعد من شروطهِ، أن يكون الموضوع ليس بالواسع الذي يصعب على الباحث أن يلم به, ولا قصير بحيث يصعب على البحث أن يتوسعَ فيه, فالثيمات التي يتخذها الناقد المبدع, هي بين وبين, أي أنّها مناسبةٌ لشروط البحث الأدبي. ومنها الكتاب موضع القراءة هذا، فهو أخذ ثيمة واحدة، لكنه أشبعها درسًا وتحليلًا ونقدًا حتى أن يكاد ألا يترك للباحث بعده أن يُضيفَ للبحث شيئًا.
الثالثة: الأسلوب أو الطريقة النقديّة التي هي هُوية أصيلة في الناقد د. رحمن غركان، وأسلوبهُ هو أسلوبُ الباحث المملوء عُدةً وجهوزيةً، فهو مستعدٌ لخوض غمار ما يُصادفهُ كأنّه خبيرٌ بكلِّ مخاطر ومعوقات طريق البحث التي يواجهها أيّ باحثٍ، فهو المعبأ وعيًا وثقافةً، مكنته من أن يسلك هذه الطريقةُ الوعرة من طرق النقد الأدبي، إذ ليصعبُ على المتلقي غير النوعي أن يستوعبَ هذه الأبحاث بيسرٍ، لأنّها أبحاثٌ معمقةٌ متخصصةٌ، لها لُغتها العميقة التي هي حفرٌ في باطن الباطن.
الرابعة: اللغةُ النقديّة التي يتحدث بها إلى الآخرين، هي لغةٌ النقد الخالص، النقد الذي يعني فيما يعنيه المنهج، الثقافة، الوعي، المعرفة والذائقة الذاتية، هذه الصفات تجدها واضحة في الاكتشافات التي يبحث فيها الناقد د. رحمن غركان، فهو في هذه العينة (شرودٌ مؤجل)، طبقَ كل هذه الصفات، وكلها تجلّت في لغتهِ النقدّية. التعبيرُ في لغة النقد، هي صفة لم يهملها أو يتخلى عنها في كل سلسلتهِ النقدية التي أطلقَ عليها (سلسلة نقد الشعر الآن)، هو يحافظُ على مسار لغتهِ، وهي لغة لم تترك صفتها المنهجية ولا خطابها النقدّي، هي لغةٌ محافظةٌ على هيئتها العامة.
يرى الناقد, أن العتبات منها ما يخص المبدع ومنها ما يخص الناشر كونه شريك في الصورة النهائية للعمل الأدبيّ, ومنها ما يخص العتبات الخارجية, التي منها صورة الغلاف والخط , فهي عتباتٌ لها دلالات, الناقدُ يجعل الناشر مشاركًا في الإبداع الأدبي, ثمة صفة مميزة في نقوده، وهي صفةٌ يحتاجها الدرس النقدي اليوم، وهي الرأي الشخصي دون إملاءات أو عنعنات أو نقل من آخرين، فأنت تقرأ الكتاب كله، لا تجد إلا الرأي الواحد، وهذه صفة لها ما يجعلها مقبولة، كون الأدب ينفتح على قراءات متعددة ولا يقف عند قراءة واحدة، فهنا يجد المتلقي، الرأي النقدي للناقد رحمن غركان وحده، وبالإمكان خضوعه للنقاش والبحث ( نقد النقد)، فهو رأيٌ نقديٌ, يمثل وجهةَ النظر النقدّيّة الشخصّية للناقد.
الاهتمامُ بالعتباتِ النصّية باعتبارها البدايات أو البوابات لدخول عالم النصّ الفسيح والرّحب، واشتغال الناقد في هذا الجانب جاءَ نتيجة الحضور المُهيمن والمُهم في العيّنةِ المنقودة، إذ لم يترك الناقد شاردة أو واردة إلا وأخضعها في بحثهِ النقدي، فأنت واجدٌ في هذا الكتاب، القولُ الفصلُ والبليغ في موضوعة العتبة، وبالإمكان أن تستغنيَ عن الاشتغالات الأخرى كونه (الجامع المانع) في بحثهِ في ثيمة العتبات النصية. كان الناقد هو القارئ الذي يغوص في باطن الباطن، ويتعمق إلى أعمق الأعماق، كأنّه عالمُ آثارٍ يبحث عن الجوهر المخبوء تحت باطن الأرض، وهذا واضحٌ من خلال القراءة النقدية المنهجية العميقة، التي قرأها الناقد في المجموعة المنتقاة. تحققُ عتبات النصّ أغراضًا بلاغيةً وأخرى جمالية لارتباطها الوثيق بسياق المتن الداخلي، إذ لا حاجة بها دون المتن الأصلي، فهي بوابتهُ الأنيقة التي يدخل القارئ منها إلى النصّ، فجماليتها ذات أهمية كبيرة، كونها نقطة الشروع الأولى لعالم النصّ الإبداعي، ونلحظُ أهميتها وجماليتها وبلاغتها في قراءة الناقد د. رحمن غركان في مجموعة الشرود المؤجل للشاعر عبد المجيد الموسوي.
نعم، كانت القراءة النقدية معمقة وتشتغل على جانبين اثنين مهمين، هما:
الأول: الجانب البلاغي
الجانب البلاغي الذي اشتغل عليه الناقد في قراءته هذه, اعتمد أسلوبًا بلاغيًا, أيّ أسلوب المبدع في عتبات نصوصهِ, وقد ألم الناقد بها الإلمام الذي لم يترك وراءه ما يحتاجُ إلى بحثٍ فيه, فهو تتبعها كُلّها دونَ أن يهملَ أيّ شيءٍ منها, فهو يقرُّ أهمية العتبة في مقدمة الفصل الثاني الذي مهدَ له بتمهيدٍ بليغ المعنى إذ يقول: انطلاقًا من مفهوم العتبة_ بحسب متبنيات هذه الدراسة_ من أنّها قدرة التجربة الشعرية ذات الأداء النوعي على الإنجاز الذي يجيء دالها النصي عتبة لافتة لعالم عليه إيحاءات ذلك الدال( الكتاب صفحة 92), هنا يحدد الناقد أن مفهومه خاصٌ به ( بحسب هذه الدراسة), وهو تعريفٌ دالٌ على معنى, وليست العتبة مسألة اعتباطية, فهي إنجازٌ لا يقلُ أهميةً عن المتن الداخلي, فهي تفتح الباب على عالم من الإيحاءات الكثيرة.
العتباتُ النصّية هي علمٌ لها دلالاتهُ التي لا يمكن للمبدع أن يتجاهلَ اهميتها، الاشتغالُ النقدي الذي طُبقَ على هذه العينة كان اشتغالًا تنظيريًا وتطبيقيًا كما صرّح الناقد في مقدمته التي استهلّ بها البحث النقدي. الذي يجدهُ القارئ المتذوق في نقود د. رحمن غركان، أشياء كثيرة، نوجزها في الآتي:
الأولى: يعتمدُ الناقد د. رحمن غركان منهجيةً نقديةً في العينات التي يخضعها لبحثهِ النقدي، فأنت واجدٌ عينات نوعية منتقاة وفقَ شروط الناقد الإبداعية، وأوّل ما يتبادر إلى الذهن، ان ترجعَ إلى العينة، لتقرأ وتحلل وتفسر وتطيل النظر ومن ثمَ ترجع إلى طريقة الناقد في النقد الذي نظّرَ له وطبقَ وفق الدرس النقدي الحديث.
الثانية: أنّ الناقد د. رحمن غركان، يأخذ ثيمةً رئيسةً وردت بكثافة في العينة الإبداعية، أيّ أنّه يأخذُ الثيمة التي يستطيع أن يلم بها الإلمام الكافي وفي هذا يحقق الشرط المهم في اختيار البحث الأدبي، الذي يعد من شروطهِ، أن يكون الموضوع ليس بالواسع الذي يصعب على الباحث أن يلم به, ولا قصير بحيث يصعب على البحث أن يتوسعَ فيه, فالثيمات التي يتخذها الناقد المبدع, هي بين وبين, أي أنّها مناسبةٌ لشروط البحث الأدبي. ومنها الكتاب موضع القراءة هذا، فهو أخذ ثيمة واحدة، لكنه أشبعها درسًا وتحليلًا ونقدًا حتى أن يكاد ألا يترك للباحث بعده أن يُضيفَ للبحث شيئًا.
الثالثة: الأسلوب أو الطريقة النقديّة التي هي هُوية أصيلة في الناقد د. رحمن غركان، وأسلوبهُ هو أسلوبُ الباحث المملوء عُدةً وجهوزيةً، فهو مستعدٌ لخوض غمار ما يُصادفهُ كأنّه خبيرٌ بكلِّ مخاطر ومعوقات طريق البحث التي يواجهها أيّ باحثٍ، فهو المعبأ وعيًا وثقافةً، مكنته من أن يسلك هذه الطريقةُ الوعرة من طرق النقد الأدبي، إذ ليصعبُ على المتلقي غير النوعي أن يستوعبَ هذه الأبحاث بيسرٍ، لأنّها أبحاثٌ معمقةٌ متخصصةٌ، لها لُغتها العميقة التي هي حفرٌ في باطن الباطن.
الرابعة: اللغةُ النقديّة التي يتحدث بها إلى الآخرين، هي لغةٌ النقد الخالص، النقد الذي يعني فيما يعنيه المنهج، الثقافة، الوعي، المعرفة والذائقة الذاتية، هذه الصفات تجدها واضحة في الاكتشافات التي يبحث فيها الناقد د. رحمن غركان، فهو في هذه العينة (شرودٌ مؤجل)، طبقَ كل هذه الصفات، وكلها تجلّت في لغتهِ النقدّية. التعبيرُ في لغة النقد، هي صفة لم يهملها أو يتخلى عنها في كل سلسلتهِ النقدية التي أطلقَ عليها (سلسلة نقد الشعر الآن)، هو يحافظُ على مسار لغتهِ، وهي لغة لم تترك صفتها المنهجية ولا خطابها النقدّي، هي لغةٌ محافظةٌ على هيئتها العامة.
يرى الناقد, أن العتبات منها ما يخص المبدع ومنها ما يخص الناشر كونه شريك في الصورة النهائية للعمل الأدبيّ, ومنها ما يخص العتبات الخارجية, التي منها صورة الغلاف والخط , فهي عتباتٌ لها دلالات, الناقدُ يجعل الناشر مشاركًا في الإبداع الأدبي, ثمة صفة مميزة في نقوده، وهي صفةٌ يحتاجها الدرس النقدي اليوم، وهي الرأي الشخصي دون إملاءات أو عنعنات أو نقل من آخرين، فأنت تقرأ الكتاب كله، لا تجد إلا الرأي الواحد، وهذه صفة لها ما يجعلها مقبولة، كون الأدب ينفتح على قراءات متعددة ولا يقف عند قراءة واحدة، فهنا يجد المتلقي، الرأي النقدي للناقد رحمن غركان وحده، وبالإمكان خضوعه للنقاش والبحث ( نقد النقد)، فهو رأيٌ نقديٌ, يمثل وجهةَ النظر النقدّيّة الشخصّية للناقد.
إرسال تعليق