سلطة رئيس الجمهورية في المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية

مشاهدات

 





الاكاديمية والخبيرة القانونية
د. راقية الخزعلي



عرف قانون المعاهدة العراقي رقم 35 لسنة 2015 المعاهدة، بانها توافق ارادات مثبتة بصورة تحريرية أيا كانت تسميتها بين جمهورية العراق او حكومتها بين دولة او دول أخرى او حكومتها او منظمة دولية او أي شخص من اشخاص القانون الدولي تعترف به جمهورية العراق لغرض احداث اثار قانونية تخضع لأحكام القانون الدولي بصرف النظر عن تسمية الوثيقة او عدد الوثائق التي يدون فيها احكام التوافق كالمعاهدة او الاتفاق او الاتفاقية او البروتوكول او الميثاق.. الخ
اما الاتفاقيات ذات الشكل المبسط فهي، تلك الاتفاقيات الدولية التي تبرمها الدول والأشخاص الدولية الأخرى بصورة مبسطة ويتم التعبير عن رضا الدولة والالتزام بها عن طريق توقيع ممثلها على ما تم الاتفاق عليه خلال المفاوضات التي تمت بين الطرفين والاتفاقيات ذات الشكل المبسط ينحصر ابرامها بالسلطة التنفيذية فقط.
وقد شاع انتشار هذا النوع من الاتفاقيات في الآونة الأخيرة لسهولة انعقادها وبساطة اجراءاتها وضرورة الابتعاد عن الإجراءات المعقدة التي يتطلب توافرها في ابرام المعاهدات الدولية.
وقد يتم اللجوء الى هذا النوع من الاتفاقيات بسبب طبيعة الحياة السياسية في دولة ما، خاصة عندما تكون المعارضة البرلمانية فيه قوية ولا تستطيع الحكومة تمرير الاتفاقيات الدولية عبر البرلمان.
وأول ظهور لهذا النوع من الاتفاقيات، كان في الولايات المتحدة الامريكية، حيث يتطلب الدستور الأمريكي ابرام المعاهدات والاتفاقيات موافقة اغلبية ثلثي أعضاء الكونغرس الأمريكي، وهذا الامر ليس من السهولة بمكان تحققه خاصة مع تنوع وتطور النظام الحزبي في الولايات المتحدة الامريكية، مما دفع الحكومة الى البحث عن البدائل لعقد الاتفاقيات الدولية دون الرجوع الى الكونغرس، خاصة بعد ان رفض الكونغرس إقرار بعض المعاهدات المهمة ومنها معاهدة فرساي لعام 1922.
بيد اننا نجد في الوقت الحاضر كثرة وإشاعة هذا النوع من الاتفاقيات بشكل واسع في الولايات المتحدة الامريكية كوسيلة لتجنب المعارضة عليها من قبل الكونغرس الأمريكي.
وبناء عليه فان الاختلاف الحاصل ما بين الاتفاقيات الدولية المبسطة والمعاهدات الدولية بشكلها الرسمي انما هو في حقيقته اختلاف شكلي يتعلق بطريقة عقد الاتفاقية التي تتسم بالبساطة في النوع الأول حيث يتم التعبير عن رضا الدولة بها بمجرد التوقيع عليها من قبل السلطة التنفيذية او من يمثلها في حين يتطلب التعبير عن الرضا في النوع الثاني إجراءات أكثر تعقيدا، اذ يتطلب موافقة مجلس النواب عليها بنسب معينة ومصادقة رئيس الجمهورية عليها.  والسؤال هنا ماذا نعني بالتصديق الذي اشترطه المشرع في الدستور العراقي لعام 2005 النافذ؟
التصديق هو إقرار صادر عن السلطة الداخلية المختصة بالموافقة على المعاهدة بصفة نهائية، وهو اجراء لاحق عن التوقيع النهائي يضفي على المعاهدة قوة السريان وتتأكد بموجبه إرادة الدولة. وقد فصلت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 الحالات التي يشترط فيها التصديق في المعاهدات والاتفاقيات.
اما عن موقف قانون عقد المعاهدات العراقي رقم 35 لسنة 2015 من مسالة التصديق على المعاهدات والاتفاقيات، فقد تبين لنا من خلال مراجعة نصوص هذا القانون بان هناك نوعين من الاتفاقيات الدولية من حيث الإجراءات الشكلية المطلوبة لعقدها:
النوع الأول: المعاهدات الرسمية التي تعقد باسم الجمهورية العراقية او حكومتها مع دولة او دول أخرى او حكومتها او منظمة دولية او أي شخص قانوني دولي اخر تعترف به الجمهورية العراقية، وهذه المعاهدات بحسب نص المادة 17 من القانون أعلاه، تحتاج الى موافقة مجلس النواب عليها بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس يستثنى من ذلك (معاهدات الحدود، المعاهدات التي تمس السيادة الإقليمية للعراق، معاهدات الصلح والسلام، معاهدات التحالف السياسي والأمني والعسكري ومعاهدات تأسيس المنظمات الإقليمية او الانضمام اليها) حيث اشترط القانون لنفاذها التصويت عليها من قبل مجلس النواب العراقي بأغلبية الثلثين. وكل هذه المعاهدات لابد في اتمامها ونفاذها من التصديق عليها من قبل رئيس الجمهورية العراقية كي تعد ملزمة للحكومة العراقية.
النوع الثاني: ويتضمن الاتفاقيات التي تؤخذ بصورة مبسطة، وهذا النوع من الاتفاقيات لا تحتاج للتصديق عليها من قبل رئيس الجمهورية العراقية.
ومن كل ما تقدم السؤال الأهم هنا، هل تعد مصادقة رئيس الجمهورية على المعاهدات الرسمية اجراء لازم لنفاذها ام لا؟
ويزداد التساؤل أهمية في العبارة التي أوردها المشرع في المادة 73/ثانيا من الدستور التي جعلت المصادقة حاصلة بشكل ضمني بمجرد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ احالتها عليه.
نجيب على هذا التساؤل بالقول انه، لم يتفق الفقه بشان هذه الصلاحية، فالبعض وصفها بانها شكلية لا يملك رئيس الجمهورية الاعتراض على المعاهدة اوالامتناع عن تصديقها
غير اني أؤيد البعض الاخر، الذي يرى بان سلطة رئيس الجمهورية في المصادقة على المعاهدات الرسمية، انما هو اجراء ضروري لنفاذ المعاهدة وانه يملك الحق في الاعتراض عليها والامتناع عن تصديقها، فالتصديق يعد وسيلة فاعلة لرقابة السياسة الخارجية للحكومة في الدول الديمقراطية او ذات التقاليد النيابية العريقة كما يعد وسيلة فاعلة لعرقلة ووقف عمل الحكومة في عقد المعاهدات التي تتضمن المساس بسيادة العراق او التي تتضمن هدر لأموال العراق لا مبرر له او التنازل عن بعض أراضيها اوحقوقها المشروعة لمصلحة دول أخرى .




 

 

























0/أرسل تعليق

أحدث أقدم