الجهاد: الكلمة الرجيمة في قاموس القتل الإخواني!

مشاهدات


 


الكاتب والباحث السياسي
الدكتور أنمار نزار الدروبي

 

وكما قضى العنوان هناك أزمة فكرية وثقافية وحتى فقهية في قضية (الجهاد)، لاسيما أن هذه الأزمة تكمن في توصيف المفهوم نفسه (الجهاد) في شموليته وتحليل عناصره ومكوناته، وكثيرا ما يقترن مفهوم الجهاد لدى جماعات الإسلام الراديكالي الصاعدة موجتها في العقود الأخيرة، بمفهوم التكفير أو ما يسمى (العنف التكفيري)، بيد أن الجهاد أو التكفير ممكن اختصارهما بشعار واحد وهو (الدفاع عن الدين والإسلام) بحسب أدبيات الإسلاموية وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين، لاسيما أن الجماعة تُبرر عنفها بدوافع دينية، ويبدو من واقع الأحداث أن الدين هو ضحية من ضحايا الجماعة. من هنا أصبحت كلمة الجهاد هي الأخطر في أدبيات النفاق لدى الجماعة، خاصة في إطار الواقع العربي ومنعكسات هذا الواقع على الشعوب العربية والعالم. عليه سندخل في المساجلات بين الإسلامية المتشددة وبين والليبرالية المتعددة وحتى العلمانية التي أصلا هي متهمة بشتى أنواع الاتهامات من قبل طرح بعض المفكرين الإسلاميين في نقد العلمانية وللعناصر المكونة لمفهومها على سبيل المثال لا الحصر، انعدام الإيمان الديني للعلمانية، وإن الإسلام وحده دين ودولة بحسب رأيهم، وهذا التوصيف للعلمانية كان مشتركا بين كبار مفكري الحركات الإسلامية وفي مقدمتهم يوسف القرضاوي الذي يقول في كتابه (الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف) " إن العلمانية مروق من الدين" ص112.
إن المشكلة الحقيقة في موضوعنا بدأت منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد (حسن البنا) الذي يرى أن السلطة ركن من أركان الإسلام، وهذا مخالف لمذهب أهل السُنة الذين أعدُّوا السلطة فرعاً من فروع الإسلام، وليست أصلاً من أصوله. لكن الظاهرة الخطيرة في أفكار البنا وتنظيراته التي أصبحت قاعدة أساسية يتوارثها قادة الجماعة، ويعلمونها إتباعَهم، أنه جعل من جماعة الإخوان المسلمين مجتمعاً يختلف عن باقي الشعب إذ اعتبرت الجماعة نفسها هي من يمثل الإسلام، وحكمت على باقي المجتمع الذي خارج الجماعة بأنه مجتمع جاهلي أو بعيد عن الإسلام. وفي قضية الجهاد يقول البنا" أن الأمة التي تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب لها الله الحياة العزيزة والنعيم الخالد في الآخرة، فهو يبين أنّ الوهن الذي يجتاح الأمة سببه حب الدنيا وكراهية الموت، ويدعو البنا جماعته للعمل والجهاد حتى الموت، لأن الموت في سبيل الله لا بد منه، فالموت يمثل السعادة والكرامة، وهو أيضاً ربحٌ في الدنيا وثوابٌ في الآخرة" (من رسالة الجهاد للبنا ص37).
وبناء عليه شرع البنا لتأسيس قوة عسكرية من داخل الجماعة للقيام بالعمليات الإرهابية أو ما يسمى (بالجهاد) وهو ما أطلق عليه (التنظيم الخاص) وهو بالأصل تنظيم إرهابي سري داخل الجماعة، وخير دليل على أن التنظيم الخاص كانت كل توجهاته للعنف والإرهاب والقتل باسم الجهاد شهادة الشيخ (محمد الغزالي) وهو أحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث وصديق حسن البنا، وكان من ضمن جماعة الإخوان المسلمين، وكاتب بارز في مجلة الإخوان المسلمين حينها إذ يقول الغزالي" إن التنظيم الخاص هو نظام يضم شباباً مدربين على القتال، كان الغرض من إعدادهم مقاتلة المحتلين الإنكليز واليهود. وقد كان هؤلاء الشبان شرًّا ويبلاً على الجماعة، فقد قتل بعضُهم بعضاً، وتحولوا إلى أداة تخريب وإرهاب في يد من لا فقه لهم في الإسلام" (من كتاب محمد الغزالي: في معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث ص264).
ومن خلال قراءة وتحليل لبعض أفكار منظري ومفكري جماعة الإخوان المسلمين وتحليلها وخاصة طروحات سيد قطب، والذي يمثل العلامة البارزة والرائدة في تاريخ العنف والتطرف الإخواني، بصفته مؤسساً ومؤصلاً لأفكار العنف والتكفير والإرهاب، فهو الرائد والملهم لكل ما يسمى بالجماعات والتيارات الجهادية الإسلامية التي تعتمد نهج العنف والإرهاب، نلحظ أثر كتابات قطب في جيل ما يسمى بالجهاديين الذي ظهر في سبعينيات القرن الماضي. على سبيل المثال لا الحصر فقد جسدت مؤلفاته مثل (معالم في الطريق، في ظلال القرآن، الإسلام ومشكلات الحضارة) فكره المتشدد، وهو فكر الحاكمية، والطريق إلى الجهاد، وغيرها من الأفكار التي أسست للفكر التكفيري المتطرف الذي ينادي بتكفير المجتمع، ويدعو إلى العزلة عن المجتمع، وقطع العَلاقة مع الآخرين، وإعلان الجهاد على الناس لأنهم كفار بحسب رأيه. من هنا فقد اتخذ التكفير لدى قطب طابعاً سياسيّا في جوهره، وإن كان يظهر في أحايينَ كثيرة على أنه تكفير ديني، لأن قطب كان يدعو إلى السلطة الثيوقراطية وأسلمة المجتمع بغض النظر عن أسلوبها حتى وإن كان بالعنف الإرهابي وبشتى وسائله، وهنا تكمن خطورة الخطاب التكفيري لسيد قطب. بالتالي فإن مفاهيم سيد قطب طورت العنف لدى جماعة الإخوان المسلمين، وتحديداً في عدد كبير من شباب الجماعة. ونتيجةً لذلك فقد ولد تيار داخل تنظيم الإخوان المسلمين نفسه يُطلق عليه (القطبيون) نسبة إلى سيد قطب إذ تتركز أفكار التيار القطبي، في أن المجتمعات المعاصرة مجتمعات جاهلية بما فيها المجتمعات الإسلامية، في الوقت نفسه فقد كفر التيار القطبي الحكومات القائمة في بلاد المسلمين، وعدم جواز المشاركة في الحكم أو ممارسة العمل السياسي لأنهم كفروا أغلب الحكومات، ودعوا إلى الجهاد ضدها.
لكن المأزِق الحقيقي الذي يتمثل في أن أفكار سيد قطب، لم تعد ملكاً لجماعة الإخوان وحدها، بل إن معظم جماعات الإسلام السياسي السابقة واليوم تملك رصيداً من هذه الأفكار وتتبناها، على سبيل المثال لا الحصر، جماعة شكري مصطفي (التكفير والهجرة) وتنظيم (الفنية العسكرية) الذي كان زعيمهم الدكتور صالح سرية، وصولاً إلى القاعدة وداعش. فهو المرجع الذي استندت عليه أفكارهم حينما شرعت في الانزلاق للعمل الإرهابي المسلح باسم الجهاد. ولهذا لم تنحصر أفكار سيد قطب في محيط الساحة المصرية بل امتدت إلى بقاع أخرى كثيرة من العالم الإسلامي وأوروبا، من ثم تحول التيار القطبي إلى تيار عالمي.
أما التوجه الإخواني الآخر الذي آمن بالعنف واتخذ الجهاد ذريعة لقتل الناس هو ما يُطلق عليه (السرورية) وهي نسبة لرجل الدين السوري (محمد سرور) الذي كان من ضمن جماعة الإخوان المسلمين في سوريّا بزعامة مصطفى السباعي، إذ اتبعت السرورية منهج سيد قطب، وآمنوا إيماناً تاما بمقولة الحاكمية لديه. ويقول سرور بهذا الصدد" إن رايات الكفر في عالمنا الإسلامي الكبير ترفرف فوق مباني البنوك الربوية، وأوكار الرذيلة وفوق مباني المؤسسات التشريعية والقضائية التي لا يسمح فيها لمن يشاء من القضاة أن يساوي بين شريعة الله والشريعة التي سنها زعيم الدولة، وليست المشكلة فيمن يمارسون الرذيلة والمعاصي، ولكن المشكلة فيمن سن القوانين التي تُبيح هذه المنكرات"(من كتاب محمد سرور: العلماء وأمانة الكلمة ص7).
وبناء على ما تقدم، اتخذ مفهوم الجهاد لدى جماعة الإخوان المسلمين بعدا فكريا لا يخول من دلالات أيديولوجية، ليتحول إلى العنف الفكري (الأيديولوجي) بعد أن تداولت الجماعة عدة مصطلحات تؤدي إلى المعنى نفسه، مثل: الصحوة الإسلامية، أو حركة التجديد الإسلامي، أو الانبعاث (البعث) الإسلامي، أو النهضة الإسلامية.





0/أرسل تعليق

أحدث أقدم