إبراهيم رسول
في هذه القصة تأخذنا هرييت إلى الماضي القريب، ماضٍ حافلٍ بالمفارقات، هذا الماضي الذي نذكره ونستقبح من هذه الذكريات التي تدلُ على أنانيةٍ مفرطة، الإنسانُ المعذبُ لا لسبب إلا لسواد بشرته، فكيف وما المسوغ الذي يجعل كرامة الإنسان تقاس على لون بشرته؟
الحكايةُ تعيدنا إلى الوراء قليلًا، لنتأمل طريقة العبودية وكيف ناضل أصحاب البشرة السمراء في طريق الحرية والكرامة، إنها حكاية الإنسانية المضطهدة، المصادر قرارها، وهذه الجريمة استمرت لعقود كثيرة حتى جاء يوم التحرير الأكبر، الذي انتصرت الإنسانية لأصحاب البشرة غير البيضاء، فحققوا بعضًا من حريتهم حتى حققوها كاملة غير منقوصة في هذه العقود الجديدة، إذ لم يعد هناك ما يفضل المرء على المرء من حيث لون البشرة، ولكن ما تزال العبودية باقية بهيئاتٍ جديدةٍ مبطنة، وما تزال الإنسانية مضطهدة من قبل الاستكبار العالمي الحاكم والمهيمن الأكبر على مصائر شعوب ومجتمعات كثيرة.
الروايةُ تحكي عن كفاح عائلة، مكونة من زوجين وابن، الأب كان يتوق إلى اللحظةِ التي ينتفضُ فيها لكرامته، فهو غاضبٌ على مصيرهِ الذي صارَ إليه عنوةً، فحينما تستفزه زوجته بكلمتها (سيدك) ينتفض بكل غضبٍ ليقول لها: تقولين سيدي، ومن الذي جعله سيدي؟ ومن أعطاه الحق في امتلاكي؟ إن هذا الأمر يقضُّ مضجعي. ترى أيّ حقٍ له عليَّ؟ وبمَ يمتاز عني؟ أنا إنسان بقدر ما هو إنسان. بل إنني أفضل منه. وفي ميسوري أن أقرأ خيرًا مما يقرأ وأن أكتب خطًا أجمل من خطه. (الصفحة١٤).
في هذا النص تحكي الإنسانية عن نفسها في هذه المحاورة التي أتقنت هارييت حياكتها وصياغتها بهذه الصياغة الفنّيّة، جورج هاريس اختصر أزمة تلك العصور في حواره هذا، فالأزمة تكمن في مسألةٍ لا ينبغي أن تكون أحد أسباب التفضيل بين البشر، يقرران معًا، على الهرب من أسيادهما، وفي هذه الرحلة يكمن الخطر الذي تقوم عليه فكرة التحرير، ومنها بدأت البشرية تنتفض لكرامتها، وتعلن لنفسها الحق في المساواة بين بني البشر على اختلاف ألوان بشرتهم.
الواضحُ على الزوجة أليزا، أنها تُخطط منذ مدة للهرب، لكنها تنتظر الفرصة المناسبة، هذه الفرصة حالما توفرت، استغلتها أليزا وهربت متجهة نحو كندة.
خلقت لنا الساردة، حالة من التشويق الإنساني لمعرفة المخاضات والمخاطر التي ستعترض هذه العائلة وهي تسير في طريق تحرير أنفسهم من العبودية، هذه التقنية كانت عبر أسلوب التناوب الذي يتأرجح بين حكايتين متوازيتين، يتناول السرد فيهما قضايا الشخصيات الفاعلة الرئيسة.
هذه التقنيةُ أعطت بُعدًا نفسيًا للحكاية، لتكون إنسانيةً في طريقةِ رويها وكتابتها، فلذلك يستشعر المتلقي، النزعة الأليمة في ثنايا السرد، هذه النزعة كوّنت عمقًا إنسانيًا، ليُثار المتلقي ويكون قارئًا إيجابيًا لهذه القصة.
تستمرُ صراعات التحرر حتى أخر جملة من الرواية, الرواية نافعةٌ للقارئ الذي يرغب في الرجوع إلى التاريخ القريب لتلك الدول وليتصور الإنسانية كيف كانت وكيف هي اليوم وكيف ستكون غدًّا, العذاباتُ للعبيد بشعة للغاية, وتدلُ على جشع السادة الذين أطلقوا سادة على أنفسهم لأنَّ بشرتِهم ليست سمراء! المفارقةُ التي تجدها عند سلوك تلك المجتمعات واضحة للمتأمل, أن يجدَ البون الشاسع بين التنظير في الإنسانية وتطبيقها عمليًا.
إن تقنيةَ الرواية أو الأسلوب الفنّي هو الماضي المتسلسل, فكثيرًا ما قرأنا كلمة ( كانت) وهذا الرجوع كأنه يمثل صورة للحياة في زمنٍ مضى وسيمضي, أو كأنه إشارة إلى أن هذه العبودية ستحرر وتنتهي وتكون نسيًّا منسيّا, وبالفعل فاليومُ تلاشت العبودية بمعناها في تلك العصور لتتحول إلى صورة أخرى, فالعبوديةُ باقيةٌ ما بقيت الهيمنة للغرائز البهيمية التي تتكون في الإنسان الناقص والمريض بأمراض الأنا الداخلية, الرمزية العالية في دلالة الفعل ( كان) هو وصفٌ للحالة العامة التي مرَّ عليها العبيد الذين هاجروا أو هُجروا عنوةً إلى بلاد البيض, فالكاتبة لم تعتمد التقنيات التي تجعل من الرواية مكتوبة بمخاتلة أو ملاعبة , فهي غير معنية بهذا, المعنى كان إبراز الحالة المأساوية لطبقة العبيد, فالروايةُ هي تراجيدية كون الألم والبكاء والحزن ثيمات مركزية فيها, العم توم شخصية تمثل العبيد كلهم, فصفاتهُ تكاد أن تنطبق عليهم جميعًا وهنا بان الحذق الفني عند المؤلفة, فهي كلاسيكية من حيث البناء والفكرة, إلا أنها عميقة من حيث قوة العاطفة التي تكتبها, فهي ناقلةٌ لتجربةٍ إنسانيةٍ, طريقة تقديم هذه القصة بهذه الصورة التراجيدية هي التي أعطت قوة البقاء لهذا العمل الروائي, نحن لا نقرأ القصة إلا ونتفاعل معها بصورة حزينة مليئة بالأسى والحسرة على تلك الصور المبكية التي عانتها شريحة كبيرة من البشر.
التداخلُ الدراميُ في بناء الرواية, جعلَ من الأحداث تبدو مشوشة غير واضحة للقارئ, وما ميزَ العمل الفنّي هذا, أنه مشحونٌ بصورةٍ عاطفيةٍ تكاد أن تجعلَ من كل حكايته تأوه أو دموع! الروايةُ لم تكن كلها مكتوبة بالأسلوب التراجيدي, فهي لم تشتغل على لونٍ واحدٍ من ألوان الدراما, هي تميل إلى الملهاة , وبعض الأحيان تميلُ إلى الواقعية التي تقترب من المباشرة فتلامس سطحها , لكنها تبتعد عنها, محتفظة بعنصر التخييل الذي أعطاها الخلود الأدبي. إن القراءةَ النقدية في مثل هذه الروايات, تحتاج أن تقرأ المجتمع في تلك الظروف وتقرأ فلسفته آنئذٍ ليتسنى للناقد أن يتبصر بمذاهب الشخصيات ويقرأهم بأكثر من قراءة, وأهما قراءة قديمة قدم العمل الفنّي وقراءة حديثة بسبب خلودها الأدبيّ واستمراريتها بهذه المقبولية عند المتلقي الحديث, فالعملُ الفنّي هو الذي لا يسلم كل روحه للمتقي, بل يبقى أو تبقى أجزاء كثيرة تحتاج المنهج التأويلي ليحللها ويؤوّلها التأويل الأقرب إلى حقيقةِ دلالتها.
الحكايةُ تعيدنا إلى الوراء قليلًا، لنتأمل طريقة العبودية وكيف ناضل أصحاب البشرة السمراء في طريق الحرية والكرامة، إنها حكاية الإنسانية المضطهدة، المصادر قرارها، وهذه الجريمة استمرت لعقود كثيرة حتى جاء يوم التحرير الأكبر، الذي انتصرت الإنسانية لأصحاب البشرة غير البيضاء، فحققوا بعضًا من حريتهم حتى حققوها كاملة غير منقوصة في هذه العقود الجديدة، إذ لم يعد هناك ما يفضل المرء على المرء من حيث لون البشرة، ولكن ما تزال العبودية باقية بهيئاتٍ جديدةٍ مبطنة، وما تزال الإنسانية مضطهدة من قبل الاستكبار العالمي الحاكم والمهيمن الأكبر على مصائر شعوب ومجتمعات كثيرة.
الروايةُ تحكي عن كفاح عائلة، مكونة من زوجين وابن، الأب كان يتوق إلى اللحظةِ التي ينتفضُ فيها لكرامته، فهو غاضبٌ على مصيرهِ الذي صارَ إليه عنوةً، فحينما تستفزه زوجته بكلمتها (سيدك) ينتفض بكل غضبٍ ليقول لها: تقولين سيدي، ومن الذي جعله سيدي؟ ومن أعطاه الحق في امتلاكي؟ إن هذا الأمر يقضُّ مضجعي. ترى أيّ حقٍ له عليَّ؟ وبمَ يمتاز عني؟ أنا إنسان بقدر ما هو إنسان. بل إنني أفضل منه. وفي ميسوري أن أقرأ خيرًا مما يقرأ وأن أكتب خطًا أجمل من خطه. (الصفحة١٤).
في هذا النص تحكي الإنسانية عن نفسها في هذه المحاورة التي أتقنت هارييت حياكتها وصياغتها بهذه الصياغة الفنّيّة، جورج هاريس اختصر أزمة تلك العصور في حواره هذا، فالأزمة تكمن في مسألةٍ لا ينبغي أن تكون أحد أسباب التفضيل بين البشر، يقرران معًا، على الهرب من أسيادهما، وفي هذه الرحلة يكمن الخطر الذي تقوم عليه فكرة التحرير، ومنها بدأت البشرية تنتفض لكرامتها، وتعلن لنفسها الحق في المساواة بين بني البشر على اختلاف ألوان بشرتهم.
الواضحُ على الزوجة أليزا، أنها تُخطط منذ مدة للهرب، لكنها تنتظر الفرصة المناسبة، هذه الفرصة حالما توفرت، استغلتها أليزا وهربت متجهة نحو كندة.
خلقت لنا الساردة، حالة من التشويق الإنساني لمعرفة المخاضات والمخاطر التي ستعترض هذه العائلة وهي تسير في طريق تحرير أنفسهم من العبودية، هذه التقنية كانت عبر أسلوب التناوب الذي يتأرجح بين حكايتين متوازيتين، يتناول السرد فيهما قضايا الشخصيات الفاعلة الرئيسة.
هذه التقنيةُ أعطت بُعدًا نفسيًا للحكاية، لتكون إنسانيةً في طريقةِ رويها وكتابتها، فلذلك يستشعر المتلقي، النزعة الأليمة في ثنايا السرد، هذه النزعة كوّنت عمقًا إنسانيًا، ليُثار المتلقي ويكون قارئًا إيجابيًا لهذه القصة.
تستمرُ صراعات التحرر حتى أخر جملة من الرواية, الرواية نافعةٌ للقارئ الذي يرغب في الرجوع إلى التاريخ القريب لتلك الدول وليتصور الإنسانية كيف كانت وكيف هي اليوم وكيف ستكون غدًّا, العذاباتُ للعبيد بشعة للغاية, وتدلُ على جشع السادة الذين أطلقوا سادة على أنفسهم لأنَّ بشرتِهم ليست سمراء! المفارقةُ التي تجدها عند سلوك تلك المجتمعات واضحة للمتأمل, أن يجدَ البون الشاسع بين التنظير في الإنسانية وتطبيقها عمليًا.
إن تقنيةَ الرواية أو الأسلوب الفنّي هو الماضي المتسلسل, فكثيرًا ما قرأنا كلمة ( كانت) وهذا الرجوع كأنه يمثل صورة للحياة في زمنٍ مضى وسيمضي, أو كأنه إشارة إلى أن هذه العبودية ستحرر وتنتهي وتكون نسيًّا منسيّا, وبالفعل فاليومُ تلاشت العبودية بمعناها في تلك العصور لتتحول إلى صورة أخرى, فالعبوديةُ باقيةٌ ما بقيت الهيمنة للغرائز البهيمية التي تتكون في الإنسان الناقص والمريض بأمراض الأنا الداخلية, الرمزية العالية في دلالة الفعل ( كان) هو وصفٌ للحالة العامة التي مرَّ عليها العبيد الذين هاجروا أو هُجروا عنوةً إلى بلاد البيض, فالكاتبة لم تعتمد التقنيات التي تجعل من الرواية مكتوبة بمخاتلة أو ملاعبة , فهي غير معنية بهذا, المعنى كان إبراز الحالة المأساوية لطبقة العبيد, فالروايةُ هي تراجيدية كون الألم والبكاء والحزن ثيمات مركزية فيها, العم توم شخصية تمثل العبيد كلهم, فصفاتهُ تكاد أن تنطبق عليهم جميعًا وهنا بان الحذق الفني عند المؤلفة, فهي كلاسيكية من حيث البناء والفكرة, إلا أنها عميقة من حيث قوة العاطفة التي تكتبها, فهي ناقلةٌ لتجربةٍ إنسانيةٍ, طريقة تقديم هذه القصة بهذه الصورة التراجيدية هي التي أعطت قوة البقاء لهذا العمل الروائي, نحن لا نقرأ القصة إلا ونتفاعل معها بصورة حزينة مليئة بالأسى والحسرة على تلك الصور المبكية التي عانتها شريحة كبيرة من البشر.
التداخلُ الدراميُ في بناء الرواية, جعلَ من الأحداث تبدو مشوشة غير واضحة للقارئ, وما ميزَ العمل الفنّي هذا, أنه مشحونٌ بصورةٍ عاطفيةٍ تكاد أن تجعلَ من كل حكايته تأوه أو دموع! الروايةُ لم تكن كلها مكتوبة بالأسلوب التراجيدي, فهي لم تشتغل على لونٍ واحدٍ من ألوان الدراما, هي تميل إلى الملهاة , وبعض الأحيان تميلُ إلى الواقعية التي تقترب من المباشرة فتلامس سطحها , لكنها تبتعد عنها, محتفظة بعنصر التخييل الذي أعطاها الخلود الأدبي. إن القراءةَ النقدية في مثل هذه الروايات, تحتاج أن تقرأ المجتمع في تلك الظروف وتقرأ فلسفته آنئذٍ ليتسنى للناقد أن يتبصر بمذاهب الشخصيات ويقرأهم بأكثر من قراءة, وأهما قراءة قديمة قدم العمل الفنّي وقراءة حديثة بسبب خلودها الأدبيّ واستمراريتها بهذه المقبولية عند المتلقي الحديث, فالعملُ الفنّي هو الذي لا يسلم كل روحه للمتقي, بل يبقى أو تبقى أجزاء كثيرة تحتاج المنهج التأويلي ليحللها ويؤوّلها التأويل الأقرب إلى حقيقةِ دلالتها.
إرسال تعليق