أمير قطر يعيد كتابة تاريخ التدخل الإخواني والربيع العربي

مشاهدات

 





الدوحة – حفلت مقابلة صحفية نادرة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعدد كبير من التناقضات الواضحة إلى درجة أنها بدت كأنها إعادة كتابة لتاريخ علاقة قطر بالحركات السياسية الإسلامية وتدخلاتها في شؤون الدول العربية.

وحرص الشيخ تميم على ربط نشاط الإخوان بالربيع العربي في رسالة توحي وكأن ظهورهم يأتي كردة فعل طبيعية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة بهدف تبرير رهان بلاده عليهم وتوظيفهم لركوب موجة الاحتجاجات والوصول إلى السلطة في بلدان مثل مصر وتونس.

ويعرف المتابعون لتاريخ الإخوان المسلمين أن علاقة قطر بهم قديمة، وأنها مثل باقي دول الخليج قد استقدمت الإخوان في ستينات القرن الماضي وسبعيناته وسلّمتهم مواقع قيادية في البلاد، وخاصة في التعليم، ومنحت جنسيتها للكثير منهم مثل يوسف القرضاوي الذي تحول إلى مُفت لقطر وأسس اتحاد علماء المسلمين، وهو الواجهة السياسية لجماعة الإخوان في مصر، قبل الربيع العربي الذي ظهروا فيه بأكثر قوة وتنظيما ليكونوا في مستوى ما تريده الدوحة منهم.

وقال مراقبون إن أمير قطر بهذا التفسير يبقي الباب مفتوحا أمام رهان بلاده على الجماعة في تدخلات أخرى من خلال تأكيده أن مسببات احتجاجات الربيع العربي لا تزال قائمة وأنها تتفاقم.

وأضاف الشيخ تميم في حوار مع مجلة “لو بوان” الفرنسية الأربعاء وأورده الديوان الأميري القطري وتناول ملفات عديدة “للأسف، لا تزال الجذور العميقة المسببة للربيع العربي قائمة، كالفقر والبطالة، والخريجين العاطلين عن العمل”.

وتساءل “هل وجدنا الحلول لهذه المشاكل؟ كلا، بل تفاقمت. وإذا لم نجد الحلول، فستتكرر الأحداث التي أدت إليها هذه الأسباب في المقام الأول”.

وأعرب عن اعتقاده أن “الطريقة الأمثل لتفادي الاضطرابات في المستقبل هي تنفيذ الإصلاحات بشكل تدريجي”.

وتابع “يتعين علينا أن نعطي شعوبنا أملاً حقيقياً لا مجرد كلمات، وأن نؤمّن الوظائف والفرص، وأن نسمح للشباب بالتعبير عن آرائهم واختلافاتهم”.

وفي الوقت الذي ألمح فيه أمير قطر إلى أن تأثير بلاده الداعم للإخوان ارتبط في السنوات الماضية بالربيع العربي، واعتبر الربيع العربي أمرا واقعا قد يتجدد في أيّ لحظة، فإنه نفى وجود أيّ علاقة لبلاده مع الجماعة أو أنها قد قدمت لها دعما بشكل من الأشكال، أو أنها تحتضن قيادات إخوانية على أراضيها، وهو ما يتناقض مع الواقع.

ورداً على سؤال عن العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين التي تُنتقد قطر بسببها، قال الشيخ تميم إن “هذه العلاقة غير موجودة، ولا يوجد أعضاء نشطاء من جماعة الإخوان المسلمين أو أيّ جماعات متصلة بها على الأراضي القطرية”.

وأردف “نحن دولة منفتحة، ويمر بها عدد كبير من الأشخاص من أصحاب الآراء والأفكار المختلفة، لكننا دولة ولسنا حزباً، ونتعامل مع الدول وحكوماتها الشرعية، وليس مع المنظمات السياسية”.

وتساءل المراقبون إن كان نفي قطر لوجود علاقة بينها وبين الإخوان أو التبرؤ منهم سيقنع أحدا بما في ذلك دولة مثل مصر التي نشّطت علاقتها مع قطر بعد المصالحة الخليجية مع الدوحة على أمل أن تحصل مقابل ذلك على  دعم مالي واستثماري قطري يساعد على خروجها من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها.

احتفاظ الدوحة بورقة الإخوان

ولا تزال الدوحة تحتضن قيادات إسلامية مصرية، وإن كانت خففت من لهجة الانتقادات على شبكة الجزيرة، لكنها يمكن أن تعاود استثمار هذه القيادات في حملة جديدة على مصر متى رأت ضرورة لتحريك ورقة الربيع العربي ضدها.

ونشطت وسائل الإعلام التابعة لجماعة الإخوان في ممارسة ضغوط على النظام المصري من بابي الأزمة الاقتصادية والحريات، وظهرت شخصيات ولاؤها معروف أنه تابع لقطر وقنواتها تمارس هذه الهواية بإسراف، ما يعني أن الدوحة لا تزال قابضة على ورقة الإخوان التي نفى الرئيس السيسي مرارا التفكير في المصالحة معها.

وأبرز دليل على احتفاظ الدوحة بورقة الإخوان هو استمرار دعمها للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي تأسس منذ 2004، ويضم قيادات تابعة لفروع الإخوان المسلمين في بلدان عربية وإسلامية كثيرة، ولا يتورع عن خوض معارك الدوحة وحلفائها في المنطقة ولا يسمح بالخروج عليها مثلما جرى في الأزمة الأخيرة التي أثارها رئيسه المستقيل المغربي أحمد الريسوني عندما انحاز لمقاربة بلاده في الصراع حول ملف الصحراء ما أدى إلى ممارسة ضغوط عليه ودفعه إلى الاستقالة إرضاء للجزائر.

وتطرّق الشيخ تميم في حواره مع المجلة الفرنسية إلى ملفات كثيرة من بينها إعادة العلاقات مع سوريا والموقف من إيران والحوار الخليجي معها.

وعن النزاع في سوريا، حيث دعمت قطر في بدايته فصائل معارضة لنظام الرئيس بشار الأسد، شدّد أمير قطر على أهمية قيام “عملية سلمية”، لكنه انتقد النظام قائلا “كيف نقبل بأن يرتكب قائد مجازر في حق شعبه ويطرد الملايين من بلده ليصبحوا من اللاجئين؟”.

وحول احتمال إعادة التواصل مع الأسد في سوريا، قال الشيخ تميم “يحق لكل دولة أن تقيم علاقات مع أيّ دولة تختارها. لكن جامعة الدول العربية قررت استبعاد سوريا لسبب وجيه، وهذا السبب ما زال موجودا ولم يتغير”.

وفي 2011 قررت الجامعة تجميد مقعد سوريا إثر قمع النظام عسكريا لاحتجاجات شعبية مناهضة له طالبت بالتداول السلمي على السلطة.

واعتبر أمير قطر أن إيران “بلد مهم” بالنسبة إلى بلاده، داعيا دول الخليج الأخرى إلى التحاور معها.

وقال أمير قطر ردا على سؤال حول علاقة بلاده بإيران والتي كانت أحد أسباب القطيعة بينها وبين السعودية والإمارات ومصر، “إيران بلد مهم جدا بالنسبة إلينا. لدينا علاقة تاريخية، وأكثر من ذلك، نتشارك في حقل الغاز الرئيسي الذي لدينا مع إيران”.

وأضاف “إننا نشجّع كل أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي وإيران على التحاور. بالطبع، هناك اختلافات… لكن علينا أن نجلس ونتحدث عن هذه الخلافات، مباشرة بيننا وبين الإيرانيين، من دون تدخل خارجي”.

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم