تاريخ الغناء العراقي في كتاب مغنيات بغداد …

مشاهدات


 
رند علي الأسود / العراق / بغداد

للغناء تاريخ في العراق فهو أحد أعمدة الحضارة العراقية في منذ أقدم العصور التاريخية، وتعدُّ القيثارة البابلية أحد الشواهد الحيّة على ذلك ، و قد شهد الغناء تطور ملحوظ  في بغداد في العصر العباسي وبخاصة في زمن هارون الرشيد ، وكما يصفها المرحوم عبدالكريم العلاف ( لبست بغداد في خلافة هارون الرشيد ثوباً جديداً وبدت كالعروس لناظريها وانتشر اللهو وطفحت كؤوس الشراب ، وظهرت القيان بمنظر يفوق حده حتى أصبحت معرضاً فخماً للقيان الحسان ونادياً فسيحاً للشعراء والندماء ).

كتاب مغنيات بغداد للكاتب كمال لطيف سالم يتحدث عن حال الغناء عند مجيء العثمانيين واحتلالهم للعراق وتاريخ المسرح الغنائي العراقي في القرن العشرين إضافةً إلى مقالات مختصرة عن أهم المغنيات العراقيات في النصف الأول من القرن العشرين.

ففي أواخر حكم  دولة ( الرجل المريض) للعراق ظهرت بوادر تشجيع الطرب والغناء الرخيص المبتذل وتوافدت على بغداد مطربات من كل الجنسيات يقدمن الرقص الغناء الخليع والرخيص الخالي من أي قيمة وصولاً إلى عام ١٩١٩ الذي حدث فيه حدث فني أسعد كل المهتمين بالغناء والفن في العراق حيث جاء من القاهرة الى بغداد مع جوق موسيقي المطربة الشهيرة ( منيرة المهدية )فأقامت عدة حفلات في سينما سنترال التي سميت فيما بعد بالرافدين وقد فاجأت أهالي بغداد بصوتها الرخيم الجهوري وغنائها الرقيق فكتب عنها الشاعر معروف الرصافي قصيدة يقول مطلعها :

هلم الى ذا الغناء الذي          منيرة منه أتت بالعجب
اليست منيرة في عصرنا          مليكة في غناء العرب


كذلك في أواخر سنة ١٩٣٢ جاءت مطربة الشرق ام كلثوم الى بغداد مع فرقتها وقدمت على مسرح الهلال عدداً كبيراً من أغانيها . وقد أعجبت بأغنية من نظم العلاف هي (كلبك صخر جلمود ) وقد قامت المطربة الراحلة سليمة مراد وعازف الايقاع حسين عبدالله بتحفيظ هذه الأغنية لأم كلثوم وغنتها على مسرح صالة الهلال في الميدان وتقول كلمات الأغنية :

كلبك صخر جلمود ماحن عليه
                             أنت أبطرب وابكيف والبيه بيه
كولوله  – مابي لوله – بس ايخزر بالعين صارتله سوله

( تاريخ المسرح الغنائي في العراق)

يذكر مؤلف الكتاب أنه قبل أعلان الدستور العثماني وبزوغ شمس الحرية ماكانت مسارح للملاهي تشييد خاص بها بل كانت تشيد في المقاهي مثل مقهى سبع في الميدان ،
 كذلك يذكر الدكتور كاظم الجنابي عن بدايات المسرح الغنائي في العراق – لم يكن أسم المسرح الغنائي مفهوماً  بمعناه الحديث في اواخر السلطة العثمانية، وكان يسميه اهل بغداد في عهد الإنكليز بأسم ( التياترو) والمسرح ومنهجه العلمي الفذ لم يظهر بشكل واضح إلا في الأربعينات حيث أصبحت له دروس ومناهج فنية متخصصه لتدريس اصوله في المعاهد والكليات .

وفيما يلي نبذة عن أهم الفنانات الذين ساهموا بتطوير الغناء العراقي في بدايات القرن العشرين "مغنيات بغداد" ..

( ورقاء العراق تحلق من سماء الرافدين إلى مسقط رأس نابليون)

عندما سمعها الأديب المصري ( زكي مبارك) وكان يعمل آنذاك في الهيئة التدريسية المصرية العاملة في العراق وهي تغني أغنية( يانبعة الريحان ) اعجب بغنائها وصوتها الجميل وأطلق عليها لقب ورقاء العراق .

سليمة مراد او سليمة باشا المطربة البغدادية التي اشتهرت بلقب باشا وظلت محافظة عليه لاتُعرف إلا به الى ان اصدرت الحكومة العراقية قانوناً بالغاء الرتب العثمانية ، فصارت تدعى سليمة مراد .
وسليمة مغنية قديرة اخذت من الفن حظاً وافراً وصيتاً بعيداً فكانت البلبلة الصداحة والمطربة المؤنسة.
لقد استطاعت سليمة مراد بسلامة حنجرتها وسعة اطلاعها بالغناء العراقي ان تتبوء سلم الشهرة ، وان تغني بأرقى الملاهي وارقى البيوت المعروفة ، وقد عرفت بحسن ذوقها وأناقتها ، فقد سافرت في سنة ١٩٣٤ إلى باريس وقد هتف العلاف قائلاً :
( اول مطربة عراقية تحلق في سماء الرافدين مشرفة على باسق الأشجار واعالي النخيل مطلة على زرقة مياه دجلة ميممة وجهها مسقط رأس نابليون . ومهبط الفنانين)

( والهوزوز هو الغرام هو الحب كله )

عرفت منيرة الهوزوز برقة صوتها وعذوبته . وقد عاصرت منيرة المطربة سليمة مراد ، وقد حملت الأثنتان الغناء والطرب في زمن لم يكن لهن منافس وقد ملأتا العراق غناءً شعبياً أطرب النفوس. وتعتبر منيرة أول من غنت الأغنية الشعبية ( الهوزوز ) حتى شاعت هذه الأغنية فصارت على كل لسان . وبدأ الناس يدعونها بـ منيرة الهوزوز بدل منيرة عبد الرحمن ، ومعنى الهوزوز هو الغرام هو الحب كله .

( ماذا بين كمال نصرت وزكية جورج ؟ )

قدمت من حلب مع أختها للعمل في ملاهي بغداد سنة ١٩٢٠ وعملت زكية وأختها في بداية الأمر كراقصتين . إلا ان صوت زكية وعذوبة ادائها جعلها تتجه نحو الغناء ساعدها في ذلك أتجاه الشعراء والملحنون إليها والاهتمام بموهبتها ومن هؤلاء أكرم أحمد ، وكمال نصرت الذي ذاب بها حباً وخلدها في ديوانه الشعري الذي طبع بعد موته ، وقد عملت زكية في ملهى حسن بطاط سنة ١٩٢٦ وفي سنة ١٩٥٠ غادرت العراق الى مسقط رأسها حلب وقد وصفها العلاف قائلاً إنها تمتلك رقة وجاذبية وصوتها يدخل أعماق القلوب فيبعث فيها شجى وغراماً .

وعلى الرغم من ان زكية قد  غادرت العراق فقد كانت ولاتزال تعتبر من مطربات العراق الأوائل  وهي صاحبة الأغنية المشهورة وين رايح وين .

بدرية انور ( ام العباية )

طلبت من صاحب ملهى ( نزهة النهر ) عام ١٩٢٨  أن تجلس على المسرح للغناء وهي مرتدية العباءة البغدادية ، وماكان من صاحب الملهى إلا الرضوخ لها وعلى أثر ذلك نظمت لها اغنية بعنوان (أم العباية) ، وهي المطربة العراقية بدرية أنور حيث كانت تتمتع بصوت رخيم وجمال أخاذ ، وهي مطربة تعلقت بالأغاني العراقية الأصيلة فكرست جهودها لحفظ هذه الأغاني وترديدها على الدوام حتى قدر لها ان تغني في مسارح المقاهي والملاهي. فأصبح صوتها وغنائها حديث الأوساط الغنائية والشعبية.

 ( عفيفة وزنوبتنا بالوادي )

تشكل عفيفة اسكندر العصب الرئيس في ترسيخ ملامح الأغنية العراقية ذات النكهة البغدادية فـ إلى  السبعينات كانت عفيفة تقف في الساحة الغنائية وتعطي ماهو جديد ومتميز . فهي تمثل روح الغناء الشعبي.

ولدت  عفيفة اسكندر في العشرينيات في الموصل وسط عائلة فنية ووقفت على المسرح عن طريق الصدفة فقد مرضت والدتها فطلب منها ان تحل محلها وماكان منها إلا ان قدمت اغنية ( زنوبتنة بالوادي ) واغنية ( ياجارة الوادي) وفي غمار رحلتها مع الفرقة تعرف عليها رئيس احد الفرق المسرحية ويدعى اسكندر ، فأقنع والدتها بالزواج منها فوافقت وكان له الفضل في ابرازها كمطربة.

( صوت فرجة بنت عباس)

من الأصوات النسوية البارزة في غنائها المرحومة (صديقة الملاية) التي استطاعت ان تجد لها مكاناً بارزاً ومرموقاً بين الأصوات التي عاصرتها ، على الرغم من انها خريجة الوسط الشعبي ، الذي كانت طقوسة تنحصر في الأفراح والتعازي حيث كانت تقام العزاءات والندب في البيوت ، فكان صوت ( فرجة بنت عباس) وهذا أسمها الأصلي ينطلق من بيت إلى بيت يشدو ليفرح ويبكي في ان واحد وقد قدر لهذه الفتاة ان تصبح نجمة الملاهي والمسارح . وان يتوفر لها وقت خاص في دار الإذاعة العراقية لتقدم أغانيها الشعبية المحببة سنة ١٩٣٦ . والذي يتفحص الوثائق ، يعرف أن صديقة الملاية مواليد ١٩٠٩ في بغداد ، ومن بيوت الندب غنت في ملهى الشورجة وفي عام ١٩١٨ بزغ نجم هذه المطربة التي هام بها أكثر من شخص من مشاهير عصرها ، سجلت على الاسطوانات مجموعة كبيرة من الأغاني منها ( الأفندي) ( خدري الجاي خدري)
( الجار خوية الجار ) و ( على جسر المسيب سيبوني) .
في اواخر ايامها فقدت بصرها ولجأت إلى الإستجداء في باب شعبة الحسابات في الاذاعة لولا المعونة التي كانت تقدمها الاذاعة إليها.


كمال لطيف سالم : ولد في بغداد عام 1948 في محلة (بني سعيد ) من محلات بغداد القديمة ،  دخل كلية الاداب فرع اللغة العربية وتخرج منها , عمل في جريدة المجتمع  في الستينات وفي جريدة الراصد ثم انتقل للعمل في الاذاعة والتلفزيون واشتغل في مجلة فنون والف باء ,وكذلك مارس الكتابة في مجلات عديدة منها مجلة الاداب والبيان والهلال ثم شغل منصبا اثناء عمله في الاذاعة رئيس قسم المنوعات وعمل كذلك في قناة النهرين وراديو الناس صدرت له كتبا عديدة نذكر منها: الرحيل على جواد ادهم  ، الأحراش ( مجموعة قصصية ) ( خيمة من الرمال) ( ناظم الغزالي سفير الأغنية العراقية) ( اعلام المقام العراقي ورواده) ( مغنيات بغداد ) ( صور بغداد ) .

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم