مرةً أخرى نلجُ متحفاً آخرَ لحروفٍ كقلائدَ مُنضّدةٍ، وكلماتٍ تتراصفُ بل تترابطُ سلسلةً من الأصوات، تصهلُ حيناً، وحيناً تهمسُ، في تصاعدٍ وتنازلٍ هارموني، كنغمةٍ تثيرُ شجناً ولكنها تعتمرُ وجداناً يضيء مجاهل الروح لتشمخَ راية وطن وغربةٍ.
الغربةُ، هي: (الزّكامُ، الرّشحُ، الأنفلونزا...) لاتفارق كتاباتِ نخلةٍ حملتْ معها جذورها ورملها وطينها، حتى لو حلّتْ في القطب الشمالي..!! لتظلّ سامقةً شامخةً في ديار غربتها، لا تهوّن عليها صخب المطارات والمترو والمحطات ولاتنسيها الأضواءُ والعيش الرغيد صورَ بيوت الطين و(التنك) والشوارع الضيقة (الدرابين) ونساء يجلسن على قارعة الطريق يفترشن اللبن والجبن والقيمر..؟؟!!
-(بِشت) البلاغة في القصيدة:
مع قصيدةٍ جديدةٍ للشاعرة العراقية(وفاء عبد الرزاق) بعنوان( رحِتْ)، يمكنُ أن نقرأها على هيئة مقاطع، فلكل مقطع فلسفتهُ ومحاورهُ ورسالتهُ..القصيدةُ بُنيتْ على صورٍ بلاغيةٍ من البديع الذي تنفّسَ بحرها من عبق الطباق والجناس، وهي وسائلُ بديعية تشي بذوق وحذق الشاعرة في اختيار اللفظة ومكانها من الشطر، وقد جاء ذلك في مقاطعَ عديدةٍ منها : (رحِتْ لو ما رحتْ)/ و (كلبي الراح/ كبلي وناح)، / و ( أهابك موش أخافك)، / و (مرحبة ليل/ لعناد الصبح).. وهكذا هو التجنيس المفعم بالنرجسية، حيثُ يتناسلُ البديعُ بأصانفهِ ومسمياتهِ فيقتفيهِ انسجامُ موسيقى وايقاع صوتي، حتى يستسلمَ السامعُ والقاريء الى روحية المفردة في اختلاف المعنى وانشطاره بل تفجيره عبر التغيير والتنويع بل وتطعيم المفردة بأنشطة تخييلية تارةً واجتماعيةٍ ونفسيةٍ تارةً أخرى..
فما بين الشيء ونقيضه، ما بين الواقع والخيال، والحب والكراهية تتلاقحُ الأفكارُ لتكونَ الأضدادُ صورةً متحركةً لاتنقسمُ على نفسها بل تتوحّد في ذاتها صورةُ التجلّي والوضوح في ذهن المتلقي الذي يحتاجُ الى درايةٍ وخبرةٍ بالطريقِ الذي تسيرُ عليه القصيدةُ، والتي لا تعطي ثمارها بسهولة، فهي تقودُكَ نحو مفترقاتِ طرقٍ ولاتعطيكَ حلولاً بل تكشف لك حقيقةً، لتكوّنَ في ذاتكَ نصّاً جديداً يترشحُ منهُ مفهومٌ إنساني قد يكون قريباً أو بعيداً عن مرمى الهدف(النّص) أو بيت القصيد.
-التفكيك في القصيدة:
هكذا تُعلّمنا الشاعرةُ (وفاء عبد الرزاق)، فهي ترمي نصوصها على قارعةِ الفكر وتوقدُ الاختلافَ بين قرّائها، لأنها امرأةٌ تثيرُ الجدل وتستفزّ الآخر..!! لعلّنا -الآنَ- نحاولُ أن نفكّكَ كي نضعَ قراءتنا بمنظورٍ يتماشى أو يتعاطى مع فحوى النّص ومفهوم القيمة الصوتية والبلاغية والتحليلية وفق ثيمة دوائر وهمية لكنها متخيّلة يصطنعها القاريء وهي –بالتأكيد- نابعةٌ من بنية النّص وتلويحاته.
-دوائــــــر النّص:
1- دائرة الصراع: وهي مفتتح القصيدة، (كلبي الراح كبلي وناح/ من شافك طحتْ..)/،وهذا يعني أن (الآخر) دخلَ حرباً وصراعاً مقيتاً إلا أنهُ هوى، لم يسقطْ، لم يمتْ، بل كانت كبوة حصان.
2- دائرة تاريخية العلامات والعلاقات بين الرموز: (وكبل ماتنوح الفخاتي) ارتباط بزمانية مفتوحةٍ غير منغلقة، الرجوع الى عصورٍ موغلة في القدم، وكلمة(الفخاتي) رمزية( الفختاء)، كثيرة النواح، قراءة للحنين والماضي، كما اختار بعض الشعراء تلك الصورة(أبو فراس الحمداني): (أقولُ وقد ناحت بقربي حمامةٌ...)، وفي تراثنا الشعبي في استخدام غنائية (الفاختة) على لسانها: (ياكوكتي وين أختي بالحلة..)، أستخدامٌ ينمّ عن حرفةٍ في نسج التراث بالتاريخ، والتاريخ برمزية القصيد. ليظل التاريخُ هاجسَ القصيدة بل وراويها الذي يحرّكُ العقل أكثر من استرقاق القلب، (..وأيامي كضن/ مثل خرزات السّبح/ خرزة.. خرزة..)، أنها الأيامُ التي تمر مسرعةً تودّعُ الأحداث والحوادث بقضّها وقضيضها، فتنفلتُ بعد لأيّ وصبرٍ سنين العمر(ابّين صابيع السنين/ أتطشّرتْ.).
3- دائرة الموروث الشعبي: بكل ما تحملهُ هذا الكلمة من معنىً ومفهوم، فالتراث تراكم فكري مجتمعي ثقافي، يداعب المخيلة والعقل، ويثير في النّفس مكامن التوهّج، هي الأجمل من صور الحاضر لذلك يذهبُ بعضهُ حكمةً ومثلاً وملحمةً وأسطورة.. (وايامي جهال)؟؟ هل قرأتُم مثل هذه الصورة، أنا لم أقرأها؟؟قدحةٌ في عالم تحديث التشبيه ليكون المشبه به صورة الواقع والمشبه ظله. ثمّ (يلعب الغميّضة بذيال البِشتْ..) أنها لعبة البراءة المتخفية بأحضان الحشمة والخجل والحياء الجميل، وما تعنيهِ من علاقات حميمية في سِترٍ ولا أجمل (بذيال البِشت).
4- دائرة الخوف والكبرياء: ترتسمُ صورةُ الخوف في القصيدة ولكن ليس بمعنى (الجُبُن)، (بعيوني أريدك/ موش حلم ونوم/ولاخوفة الجايع/من يخون الزاد/..) هنا طلبٌ لحُلمٍ جديد؟؟ لايأتي من خيانة،(أهابك موش أخافك)، هنا التداول البلاغي في البديع والتجنيس الذي هو البناء والصيرورة مع أنفاس القصيدة. (أهابك) و(أخافك)، فالهيبةُ هي الإجلال والاحترام باعجاب ومحبة وافتنان، والخوف صورة للدلالة على الكره والعداء والتهيّب..!! ثمّ تأتي صورة التحدّي والكبرياء (..موش.. وانذليت..وناخ انتظاري ومانختْ..).
5- دائرة المقدّس: في مقطعٍ آخرَ من هذا النّص تأتي صورة المقدّس بهيئة السهل الممتنع، بحالة من الإستعارات التي تأتي ومضةً أو برقاً يضيء جانباً معتماً ليراه المتلقي كي تكتمل اللوحة بألوانها( .. يا سورة تبارك/ ياجزو عمّة..) اقتران (الآخر) بالمقدّس يشي بالارادة الإلهية لحراسته وصونه مهما كانت الظروف والنتائج. و( الحلم../صم ملح بالعين/ وصم كزاز/ وصم جفتْ..) أيّ حلمٍ هذا؟؟ حلمٌ يختلفُ عن كل احلام الماضين والآتين..
6- دائرة لعبة الألفاظ: سيفاجئكَ النّص باختيار الألفاظ والمفردات التي نحتتها الشاعرة لأول مرة، أو على أقل تقدير لم أسمع أو أقرأ مثلها من قبلُ، فتبعثُ في روحك الإدهاش والانبهار، ومنها: (بلكت تكف عني/ فد يوم/ بلكت وبلكتات/ وبلكتين/..) هذا التصرف الواعي الذي ينم عن حرفةٍ وخبرة باللهجة المحلية ونحت مفردات جديدة بتلاعب في الحروف والمفردات من جلباب مفردة لتتخذها مساراً وجسراً يصل مبتغاها سمعك وقلبك.
7- دائرة الصورة: تنهالُ عليك صورٌ وتقفزُ مما يحيط بك، وكأنك ترى معرضا تشكيلياً : (يل عينك إنصاف ومروّة)، (ي الكلش وكح)، (يبو وجه السمح)، (يا ضحكة هلا بفانوس للخطار)، (يافرّة مضيف ودك صدر)، (ياعوذة مسودن)،(ياروجة جذب)... كل صورة من هذه الصور لوحةٌ تلوّن وجهاً وجانباُ للحياة واستعارات وُضعتْ في مكانها الحقيقي فلم تكن مرغمةً، أو تأتي كمن يلوي أعناقها، وأي بلاغةٍ أسمى وأدهى وأكثر جنوناً من صورة( ياعوذة مسودن)؟؟؟؟
-الخاتمة: وختاماً فالكتابة عن هذا النّص اذا ماطالت دراسته قد يشوّهه فالأجمل أن نبحر قراءةً وتصوراً وتخييلاً، لنعيشه غربةَ بثياب وطن، وللشاعرةِ وفاء عبد الرزاق كل الوفاء واضطراد الابداع بكل صوره شعراً روايةً قصةً و(يا عوذة مسودن..)..
( رحت ؟ )
لا ما رحِتْ
ﮔلبي الراح ﮔبلي وناح
من شافك طحِتْ.
وﮔبل ما اتنوح الفخاتي
على النَّخل
جَسني شوﮔك حيل
كلِّش حيل من ذﭼرك نحِتْ.
رحِتْ؟
لا ما رحِتْ
بَس اﮔضيت
وايَّامي ﮔضن
مثل خرزات السبَح
خرزة خرزة
ابَّين صابيع السنين
اتطشَّرِتْ.
رحِتْ؟
لا ما رحِتْ
لاﭼنَّه العمر طشَّار
وأيَّامي جهال
تلعب بالتناثر
لعبة روح
لعبة ولي..
وماكو لعبة ابَّينهن تطلع تعال
يسبحان الصلاة وحمد لله
تدري بيك تـﮝبَّلت
جبلة الباري وسبَّحِتْ ؟
رحِتْ ؟
لا ما رحِتْ
وما اريد اﮔلك ليش ما انت تجي
إنت هنا معشّش خان
شلون بالخان ارتجي
يل تيزاب ضمَّادك
ظليت اعاتب بالصبر
تـﭽيتكم كلكم عليَّ او ورَّدِتْ.
يسألك تنور أمي المابرد
هذا أوَّل جرح
لو آخر جرح؟
يل بيَّ اختلتْ
مثل جاهل
يلعب الغمَّيضة بذيال البشِتْ.
رحِتْ؟
لا مارحِتْ
بعيوني أريدك
موش حلم ونوم
ولا خوفة الجايع
من يخون الزاد
أْهابك موش اخافك
وموش ذلِّة
وموش
وموش.. وانذلَّيتْ
وناخ انتظاري ومانخِتْ.
رحِتْ؟
لا مارحِتْ
ياسورة تبارك
يا جزو عمَّة
الحلم..
صم ملح بالعين
وصم كِزازة
وصم جفِتْ
بلكت تِكف عنِّي
ولَوْ فد يوم
وبلكت وبلكتات
وبلكتين
وغير الموادَع ما شِفِتْ
تابن كلهن المدلوعات بيَّ وماتبِتْ.
يلعينك أنصاف ومروَّة
ومرحبة ليِل
لعناد الصبح
يَ الكلِّش وكِحْ
يَبو وجه السمِحْ
وملح للماله زاد ولا ملِحْ
يا ضحكة هلا بفانوس للخطَّار
يل فرَّة مْضيف ودﮒ صدر
يا عُوذة مسودَن
يبو حـﭼي الذربْ
يل خابط المايين
يلمُرّْ وعذبْ
يا.... يل كلشي ارد اﮔلَّك
يا ذهب خالص
يا نهر زعلان
يا روجة ﭼذِبْ
جيت انشد الراي الغربتي
وعلى يا دِين الضم سبحتي
وعلى ياذنِبْ
ويا ركعة تقبل تيَهِتي
و على يا ثوب فصَّلني الوكِتْ
وليش بس آنه التهِتْ.
رحت؟
لا ما رحت
ظليَّت اتمرغل على ترابك
كلِّش حلو ترابك
حتى لو جنَّاز بيَّه
رضيت
ويا حياة وموت
ويا... ويا شنُو؟
يا.. يا شنو؟
ويا عيبي بسؤالي تلعثمِتْ.
دﮔيت بس الحزن ردلي
ولْگيتْ عند الباب جنَّاز الوكِتْ
مدري يا هو المات إنتَ
لو آنه المتتْ
ولـﮝيت احبال بيتك راخية وترجى السَمِتْ.
الغربةُ، هي: (الزّكامُ، الرّشحُ، الأنفلونزا...) لاتفارق كتاباتِ نخلةٍ حملتْ معها جذورها ورملها وطينها، حتى لو حلّتْ في القطب الشمالي..!! لتظلّ سامقةً شامخةً في ديار غربتها، لا تهوّن عليها صخب المطارات والمترو والمحطات ولاتنسيها الأضواءُ والعيش الرغيد صورَ بيوت الطين و(التنك) والشوارع الضيقة (الدرابين) ونساء يجلسن على قارعة الطريق يفترشن اللبن والجبن والقيمر..؟؟!!
-(بِشت) البلاغة في القصيدة:
مع قصيدةٍ جديدةٍ للشاعرة العراقية(وفاء عبد الرزاق) بعنوان( رحِتْ)، يمكنُ أن نقرأها على هيئة مقاطع، فلكل مقطع فلسفتهُ ومحاورهُ ورسالتهُ..القصيدةُ بُنيتْ على صورٍ بلاغيةٍ من البديع الذي تنفّسَ بحرها من عبق الطباق والجناس، وهي وسائلُ بديعية تشي بذوق وحذق الشاعرة في اختيار اللفظة ومكانها من الشطر، وقد جاء ذلك في مقاطعَ عديدةٍ منها : (رحِتْ لو ما رحتْ)/ و (كلبي الراح/ كبلي وناح)، / و ( أهابك موش أخافك)، / و (مرحبة ليل/ لعناد الصبح).. وهكذا هو التجنيس المفعم بالنرجسية، حيثُ يتناسلُ البديعُ بأصانفهِ ومسمياتهِ فيقتفيهِ انسجامُ موسيقى وايقاع صوتي، حتى يستسلمَ السامعُ والقاريء الى روحية المفردة في اختلاف المعنى وانشطاره بل تفجيره عبر التغيير والتنويع بل وتطعيم المفردة بأنشطة تخييلية تارةً واجتماعيةٍ ونفسيةٍ تارةً أخرى..
فما بين الشيء ونقيضه، ما بين الواقع والخيال، والحب والكراهية تتلاقحُ الأفكارُ لتكونَ الأضدادُ صورةً متحركةً لاتنقسمُ على نفسها بل تتوحّد في ذاتها صورةُ التجلّي والوضوح في ذهن المتلقي الذي يحتاجُ الى درايةٍ وخبرةٍ بالطريقِ الذي تسيرُ عليه القصيدةُ، والتي لا تعطي ثمارها بسهولة، فهي تقودُكَ نحو مفترقاتِ طرقٍ ولاتعطيكَ حلولاً بل تكشف لك حقيقةً، لتكوّنَ في ذاتكَ نصّاً جديداً يترشحُ منهُ مفهومٌ إنساني قد يكون قريباً أو بعيداً عن مرمى الهدف(النّص) أو بيت القصيد.
-التفكيك في القصيدة:
هكذا تُعلّمنا الشاعرةُ (وفاء عبد الرزاق)، فهي ترمي نصوصها على قارعةِ الفكر وتوقدُ الاختلافَ بين قرّائها، لأنها امرأةٌ تثيرُ الجدل وتستفزّ الآخر..!! لعلّنا -الآنَ- نحاولُ أن نفكّكَ كي نضعَ قراءتنا بمنظورٍ يتماشى أو يتعاطى مع فحوى النّص ومفهوم القيمة الصوتية والبلاغية والتحليلية وفق ثيمة دوائر وهمية لكنها متخيّلة يصطنعها القاريء وهي –بالتأكيد- نابعةٌ من بنية النّص وتلويحاته.
-دوائــــــر النّص:
1- دائرة الصراع: وهي مفتتح القصيدة، (كلبي الراح كبلي وناح/ من شافك طحتْ..)/،وهذا يعني أن (الآخر) دخلَ حرباً وصراعاً مقيتاً إلا أنهُ هوى، لم يسقطْ، لم يمتْ، بل كانت كبوة حصان.
2- دائرة تاريخية العلامات والعلاقات بين الرموز: (وكبل ماتنوح الفخاتي) ارتباط بزمانية مفتوحةٍ غير منغلقة، الرجوع الى عصورٍ موغلة في القدم، وكلمة(الفخاتي) رمزية( الفختاء)، كثيرة النواح، قراءة للحنين والماضي، كما اختار بعض الشعراء تلك الصورة(أبو فراس الحمداني): (أقولُ وقد ناحت بقربي حمامةٌ...)، وفي تراثنا الشعبي في استخدام غنائية (الفاختة) على لسانها: (ياكوكتي وين أختي بالحلة..)، أستخدامٌ ينمّ عن حرفةٍ في نسج التراث بالتاريخ، والتاريخ برمزية القصيد. ليظل التاريخُ هاجسَ القصيدة بل وراويها الذي يحرّكُ العقل أكثر من استرقاق القلب، (..وأيامي كضن/ مثل خرزات السّبح/ خرزة.. خرزة..)، أنها الأيامُ التي تمر مسرعةً تودّعُ الأحداث والحوادث بقضّها وقضيضها، فتنفلتُ بعد لأيّ وصبرٍ سنين العمر(ابّين صابيع السنين/ أتطشّرتْ.).
3- دائرة الموروث الشعبي: بكل ما تحملهُ هذا الكلمة من معنىً ومفهوم، فالتراث تراكم فكري مجتمعي ثقافي، يداعب المخيلة والعقل، ويثير في النّفس مكامن التوهّج، هي الأجمل من صور الحاضر لذلك يذهبُ بعضهُ حكمةً ومثلاً وملحمةً وأسطورة.. (وايامي جهال)؟؟ هل قرأتُم مثل هذه الصورة، أنا لم أقرأها؟؟قدحةٌ في عالم تحديث التشبيه ليكون المشبه به صورة الواقع والمشبه ظله. ثمّ (يلعب الغميّضة بذيال البِشتْ..) أنها لعبة البراءة المتخفية بأحضان الحشمة والخجل والحياء الجميل، وما تعنيهِ من علاقات حميمية في سِترٍ ولا أجمل (بذيال البِشت).
4- دائرة الخوف والكبرياء: ترتسمُ صورةُ الخوف في القصيدة ولكن ليس بمعنى (الجُبُن)، (بعيوني أريدك/ موش حلم ونوم/ولاخوفة الجايع/من يخون الزاد/..) هنا طلبٌ لحُلمٍ جديد؟؟ لايأتي من خيانة،(أهابك موش أخافك)، هنا التداول البلاغي في البديع والتجنيس الذي هو البناء والصيرورة مع أنفاس القصيدة. (أهابك) و(أخافك)، فالهيبةُ هي الإجلال والاحترام باعجاب ومحبة وافتنان، والخوف صورة للدلالة على الكره والعداء والتهيّب..!! ثمّ تأتي صورة التحدّي والكبرياء (..موش.. وانذليت..وناخ انتظاري ومانختْ..).
5- دائرة المقدّس: في مقطعٍ آخرَ من هذا النّص تأتي صورة المقدّس بهيئة السهل الممتنع، بحالة من الإستعارات التي تأتي ومضةً أو برقاً يضيء جانباً معتماً ليراه المتلقي كي تكتمل اللوحة بألوانها( .. يا سورة تبارك/ ياجزو عمّة..) اقتران (الآخر) بالمقدّس يشي بالارادة الإلهية لحراسته وصونه مهما كانت الظروف والنتائج. و( الحلم../صم ملح بالعين/ وصم كزاز/ وصم جفتْ..) أيّ حلمٍ هذا؟؟ حلمٌ يختلفُ عن كل احلام الماضين والآتين..
6- دائرة لعبة الألفاظ: سيفاجئكَ النّص باختيار الألفاظ والمفردات التي نحتتها الشاعرة لأول مرة، أو على أقل تقدير لم أسمع أو أقرأ مثلها من قبلُ، فتبعثُ في روحك الإدهاش والانبهار، ومنها: (بلكت تكف عني/ فد يوم/ بلكت وبلكتات/ وبلكتين/..) هذا التصرف الواعي الذي ينم عن حرفةٍ وخبرة باللهجة المحلية ونحت مفردات جديدة بتلاعب في الحروف والمفردات من جلباب مفردة لتتخذها مساراً وجسراً يصل مبتغاها سمعك وقلبك.
7- دائرة الصورة: تنهالُ عليك صورٌ وتقفزُ مما يحيط بك، وكأنك ترى معرضا تشكيلياً : (يل عينك إنصاف ومروّة)، (ي الكلش وكح)، (يبو وجه السمح)، (يا ضحكة هلا بفانوس للخطار)، (يافرّة مضيف ودك صدر)، (ياعوذة مسودن)،(ياروجة جذب)... كل صورة من هذه الصور لوحةٌ تلوّن وجهاً وجانباُ للحياة واستعارات وُضعتْ في مكانها الحقيقي فلم تكن مرغمةً، أو تأتي كمن يلوي أعناقها، وأي بلاغةٍ أسمى وأدهى وأكثر جنوناً من صورة( ياعوذة مسودن)؟؟؟؟
-الخاتمة: وختاماً فالكتابة عن هذا النّص اذا ماطالت دراسته قد يشوّهه فالأجمل أن نبحر قراءةً وتصوراً وتخييلاً، لنعيشه غربةَ بثياب وطن، وللشاعرةِ وفاء عبد الرزاق كل الوفاء واضطراد الابداع بكل صوره شعراً روايةً قصةً و(يا عوذة مسودن..)..
( رحت ؟ )
لا ما رحِتْ
ﮔلبي الراح ﮔبلي وناح
من شافك طحِتْ.
وﮔبل ما اتنوح الفخاتي
على النَّخل
جَسني شوﮔك حيل
كلِّش حيل من ذﭼرك نحِتْ.
رحِتْ؟
لا ما رحِتْ
بَس اﮔضيت
وايَّامي ﮔضن
مثل خرزات السبَح
خرزة خرزة
ابَّين صابيع السنين
اتطشَّرِتْ.
رحِتْ؟
لا ما رحِتْ
لاﭼنَّه العمر طشَّار
وأيَّامي جهال
تلعب بالتناثر
لعبة روح
لعبة ولي..
وماكو لعبة ابَّينهن تطلع تعال
يسبحان الصلاة وحمد لله
تدري بيك تـﮝبَّلت
جبلة الباري وسبَّحِتْ ؟
رحِتْ ؟
لا ما رحِتْ
وما اريد اﮔلك ليش ما انت تجي
إنت هنا معشّش خان
شلون بالخان ارتجي
يل تيزاب ضمَّادك
ظليت اعاتب بالصبر
تـﭽيتكم كلكم عليَّ او ورَّدِتْ.
يسألك تنور أمي المابرد
هذا أوَّل جرح
لو آخر جرح؟
يل بيَّ اختلتْ
مثل جاهل
يلعب الغمَّيضة بذيال البشِتْ.
رحِتْ؟
لا مارحِتْ
بعيوني أريدك
موش حلم ونوم
ولا خوفة الجايع
من يخون الزاد
أْهابك موش اخافك
وموش ذلِّة
وموش
وموش.. وانذلَّيتْ
وناخ انتظاري ومانخِتْ.
رحِتْ؟
لا مارحِتْ
ياسورة تبارك
يا جزو عمَّة
الحلم..
صم ملح بالعين
وصم كِزازة
وصم جفِتْ
بلكت تِكف عنِّي
ولَوْ فد يوم
وبلكت وبلكتات
وبلكتين
وغير الموادَع ما شِفِتْ
تابن كلهن المدلوعات بيَّ وماتبِتْ.
يلعينك أنصاف ومروَّة
ومرحبة ليِل
لعناد الصبح
يَ الكلِّش وكِحْ
يَبو وجه السمِحْ
وملح للماله زاد ولا ملِحْ
يا ضحكة هلا بفانوس للخطَّار
يل فرَّة مْضيف ودﮒ صدر
يا عُوذة مسودَن
يبو حـﭼي الذربْ
يل خابط المايين
يلمُرّْ وعذبْ
يا.... يل كلشي ارد اﮔلَّك
يا ذهب خالص
يا نهر زعلان
يا روجة ﭼذِبْ
جيت انشد الراي الغربتي
وعلى يا دِين الضم سبحتي
وعلى ياذنِبْ
ويا ركعة تقبل تيَهِتي
و على يا ثوب فصَّلني الوكِتْ
وليش بس آنه التهِتْ.
رحت؟
لا ما رحت
ظليَّت اتمرغل على ترابك
كلِّش حلو ترابك
حتى لو جنَّاز بيَّه
رضيت
ويا حياة وموت
ويا... ويا شنُو؟
يا.. يا شنو؟
ويا عيبي بسؤالي تلعثمِتْ.
دﮔيت بس الحزن ردلي
ولْگيتْ عند الباب جنَّاز الوكِتْ
مدري يا هو المات إنتَ
لو آنه المتتْ
ولـﮝيت احبال بيتك راخية وترجى السَمِتْ.
إرسال تعليق