عُمُرُ النَّبيّ

مشاهدات



علي الجنابي


الحمدُ للهِ الأوّلُ الآخِرُ في الجَلالِ والإِنعَامِ والإكرام، في عِلمهِ وفي عَطاياهُ،  والظّاهرُ الباطنُ في الجمالِ والإِحكامِ والأَحكام، في حلمهِ وَفي وصاياهُ، والعَليمُ الخَبيرُ بذي ضميرِ وقريرهِ، فأَيَّدَهُ وغشّاهُ، وماأعشَاه لمّا تَحاشَاهُ، والحَليمُ البَصيرُ بذي صَفيرِ وصريرهِ، فَقَيَّدَهُ وأحصاهُ، وما أقصاهُ لمّا عَصَاهُ،

هوَ الْبَرُّ السّلامُ، سواءٌ أذكرَهُ اللّبُ أم صهلُ العُصاةِ سَلاهُ،

هو الوَهّابُ بسَخاء، سواءٌ أشَكَرَ القلبُ أم جَهلُ الجُفاةِ جَفاهُ،

هو التَوَّاب لمَن أساءَ، حتى يُغَرغرَ الحَسيرُ، ويُخَرخِرَ بِزفيرهِ الفاهُ.

ثُمَّ..

 الصّلاة والسلام على سيّدِ الأنامِ: " محمد إبنِ عبد الله" وذلكَ رَجُلٌ، رَبُّ العَرشِ العَظيمِ أحَبَّهُ فإجتَباهُ وإصطَفاهُ، وما كانَ مثلَهُ قبلَهُ في سُموّهِ مِن رَجُلٍ، ولن يكونَ مِثلَهُ بَعدهِ في عُلُوّهِ، ولا في مُحَيّاه.

 ولقد إستحضَرتُ أنا ندى عُمُرِ النبيِّ خَطفاً، فَإستَذكرتُ صدى السِفرِ الزكي عَطفاً، في عُمُرٍ مُبَاركٍ بَشَّرَ الثَقَلَينِ فِي عَقدَينِ، وَعَطَّرَهُما من الثَمَرَاتِ تَنَسماً وتَألُّقَاً وَلُطفاَ، وَحَذَّر الفَريقَينِ فِي عَقدَينِ، وأنذَرَهُما من الظُلُمَاتِ تَجَسّماً وتَسَلُّقاً وَقَطفاً.

إنَّهُ بشرٌ مِنّا وَفِينا، بَلَغَ أَشدَّهُ في عَقدِهِ الرّابعِ. الرابع؟! بَل قُل: 

عَقدُهُ الرّافعُ، فَإن هُما إلّا عَقدانِ فَإذ بهِ لِلثَقَلَينِ شَافِعٌ! عَقدانِ لا غَير؟

إي وَرَبِّي، نَصَحَ في عَقدينِ وثلاثٍ سنينَ، فرَجَحَ في الثقلينِ هَديٌ دافع..

قَرَأَ هوَ بِأسمِ رَبِّهِ الذي خَلَقَ، فَعَرَفنا نحنُ مِنهُ الّذي خَلَقَنا من عَلَق. عَقدان لا غير:

بِالحَقِّ قَلبُهُ صَدَقَ، فَلَمَعَت كُلُّ الأبصَارِ، إِنسُها وجِنُّها، مَن هياماً رَغِبَ بِكأسِ هِدايةٍ، ومَن قياماً لِرَأسِ ضَلالةٍ لَعَقَ. عَقدانِ لا غير: 

بالذِّكرِ لِسانُهُ نَطَقَ، فَسَمعَت كُلُّ الأَمصَارِ، وَبَرُها ومَدرُها، مَن بالعِلمِ إستَبانَ ووَثَقَ، وَمَن بالفَهمِ إستَهانَ وخَرَقَ. عَقدانِ لا غير: 

لِلكُفرِ صَعقَ، ولطُغيانهِ سَحقَ، ولجبروته شَنَقَ. لِلشِّركِ حَلقَ، ولِلفِتَنِ مَحَقَ، وَلِلفِرقِ غَلَقَ.

عَقدانِ لا غير: 

للذّكرِ عَتقَ، ولبُنيانهِ رَتَق، ولقنوتهِ فَتَق. عَقدانِ لا غير: 

كَلّمَ اليائِسَ إنِ القُنُوطُ على فُؤادِهِ طَرَقَ، وعَلَّمَ البَائِسَ إن مِن إملاقٍ سَرَق، فجَعَلَ البَصَرَ صامِدَاً لِلرَّحمنِ وحَامِداً، سَواءٌ أَقَدَرَ عليهِ رِزقَهُ، أَم أغدَقَ ورَزَق.

في عَقدينِ إثنينِ جَاوَز العَالمِينَ، بل الأنبياءَ كُلَّهمُ وَسَبَق.

- أَكُلٌّ في عَقدينِ؟

- إي وَرَبِّي، في عَقدينِ وثلاثٍ من سنين، أَتَمَّ الأمَانَةَ وَلِربِّهِ إلتَحَقَ!

كأنَّهُ قَبَسٌ من نُورٍ من الرَّحمنِ أَشرَقَ على ظَهرِها فُجأةً، فَجاءَ بِفَجرٍ فَمَكَّنَهُ مُستَدامَاً فَلا غَسَق! وما مَكثَ فِيها! فَلا تَستَحِقُّ عِندَهُ هَمَّاً ولا أَرَق. 

- لكنِ السِّتينَ عُمُرٌ مُبَكِرٌ لِلرَّحِيلِ يا سَيّدي يا رَسُولَ الله؟ مَا زَالَتْ فُسحَةٌ في حَيَاة! فسَبعونَ، فثمانونَ، فتسعونَ، بضعةُ عقودٍ أخرياتٍ من عَبَق؟

كلّا، لا مُكثَ هَاهُنا، أنَّها لا تَعدِلُ جِناحَ بَعوضٍ، سَواءً أَكانَ مُحَلِّقَاً أو إِن نَفَق، وإنَّما الدُّنيا ظِلُّ شَجَرةٍ أنفَاسُها رهينةُ شُعَاعٍ وشَفَق، وأنَّهُ خُيِّرَ بينَ خلودٍ فيها بذَهبِ على طَبَق، وبينَ الرفيقِ الأعلى فإختارَ ظِلالَ العَرشِ والألقَ. وإنَّ مُستَقَرَّهُ هُنالكَ حَيثُ نُورٌ مُقِيمٌ، وحَيثُ لا تَرَقُّبَ لِنَجمٍ آفِلٍ وآخرٍ شَرَقَ..

الموعدُ الحَوض يا رسولَ الله، بعدما نَرحَلُ مِن دَارِ نَكَدٍ وكبدٍ وعَرَق، فتَنهَلُ من نورِ وجهِكَ العيونُ والحدَق ...

" ويَا قبَّةَ الخَضراء، مالَكِ! قَتَلتِينا بِجَمَالِكِ! 

 جَمَالُكِ زَادَ بِ (مُحَمَّدٍ) نَورَ جَميعِ المَمَالِكِ".

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم