أزمة الخطاب الانتخابي في العراق؟

مشاهدات



الكاتب والباحث السياسي

الدكتور أنمار نزار الدروبي


منذ عام 2003 نلحظ أن كل الأحزاب والكتل السياسية والشخصيات المستقلة المشاركة في الانتخابات لديهم نفس البرنامج الانتخابي يتكرر في كل عملية انتخابية تجري بالعراق، ألا وهو (محاربة الفساد، محاسبة الفاسدين، انهاء المحاصصة، الرجل الغير المناسب في المكان الغير مناسب، توفير حياة كريمة للشعب المسكين، البنى التحتية، النازحون والمهجرون والمغيبون، وغيرها) هو ذات السيناريو منذ 15 عاما على أقل تقدير. فإذا كانت كل هذه الرموز والعناوين صانعة القرار السياسي في البلد متفقة على نفس البرنامج، لماذا لم يتوحد الجميع في قائمة انتخابية واحدة. كان من المفروض أن يتغير الخطاب الانتخابي لدى النخبة السياسية من باب التغيير ومجاملة الشعب على سبيل المثال، أن تكون هناك مشاريع وخطط جديدة لبناء محطة للطاقة النووية السلمية، أو تطوير القرى في الريف العراقي، ومشروع تحلية المياه، بناء مساكن للشباب، تطوير عجلة الصناعة، الاهتمام بالأراضي الزراعية والفلاح العراقي وتهيئة كل الظروف والعوامل الناجعة للإنتاج الزراعي، والكف عن طرح اللافتات والشعارات الانتخابية الزائفة التي أنهت العلاقة بين الناخب والمرشح. مع العرض أن الانتخابات التشريعية القادمة صور إليها على أنها انتخابات مبكرة، بمعنى أنها تجري في ظروف تختلف عن الظروف التي عرفتها المواعيد الانتخابية السابقة.     

في السياق ذاته تتضح أهمية وسائل الإعلام في حياة الإنسان المعاصر من خلال طرحها لمختلف القضايا ومنها قضية الانتخابات إلى الرأي العام وتهيئته فكريا. من هنا تبرز مشكلة الخطاب الانتخابي وخطورته في العراق، وذلك لأن أغلب الكتل والأحزاب السياسية (القديمة الجديدة) المشاركة في الانتخابات تمتلك قنوات فضائية وربما بعضهم لديهم صحف ومواقع الكترونية، هذه المنابر الإعلامية لا تعمل في الوقت الراهن سوى الترويج لمرشحيها. فبدل أن يلعب الإعلام دور الرقيب على الانتخابات وأن يصنع مناخا ملائما للناخب، من خلال توسيع آفاق الناس وتضييق الفجوة بين المواطن وصندوق الاقتراع، سيما أن 80% من الشعب العراقي غير مهتم أصلا بالانتخابات، ذهبت القنوات الفضائية الحزبية والمملوكة لرجال الأعمال باستقبال مرشحين كتلها وأحزابها، حيث بدأ هؤلاء المرشحون بالتنظير عن الفساد ومحاسبة الفاسدين وحث المجتمع العراقي على المشاركة في الانتخابات وووو، نفس الأسطوانة منذ عام 2003. من هذا المنطلق أصبح الهدف الرئيسي لهذه القنوات الفضائية وللإعلاميين العاملين فيها وحلمهم العظيم، هو كيفية نقل معلومات وأفكار وأحاسيس ومشاعر السيد المرشح إلى الشعب وتجميل صورة القيادي فلان بن علان، لاسيما أن نجاح الإعلامي في هذه المهمة تعتمد على إمكانياته وكفاءته ومهاراته الشخصية مدفوعة الثمن مسبقا.

من هنا فإن جوهر الخطاب الانتخابي لأغلب الكتل والاحزاب السياسة يحمل فكرة استبداد القوي الذي يسخر إرادة الشعب الضعيفة لصالحه، وتكمن في فكرة سيطرتهم على الاقتصاد، والقوة العسكرية والإدارة السياسية، دون مراعاة لباقي مكونات الشعب من المثقفين والنخبة وفئة الشباب. وهذا ما حدا بأغلب الشعب العراقي إلى العزوف عن الانتخابات، لأن المواطن العراقي يعلم أن هذه الأحزاب أنما تنطلق من مصالحها الذرائعية المجردة من المبادئ والتي تكيل بمكيالين والتي تشكل خطورة عظيمة على القيم والأخلاق والهويات. 

وتأسيسا لما تقدم، نجد خطورة الخطاب الانتخابي في العراق بجميع جوانبه المهمة يُعبر عن الرؤية الاستراتيجية للقوى الرأسمالية، وخصوصا الكتل والأحزاب السياسية التي تحكم منذ سبعة عشر عاما، والرامية إلى إعادة انتاج نفسها بمختلف الطرق، وتشكيل العراق وفق مصالحها، وأطماعها، سائرة نحو ذلك الهدف على أربعة مسارات متوازية:

أولا: نجاح الانتخابات بأي ثمن: حتى بوجود إشراف أممي ومراقبين دوليين، حيث لا يعدو وجود مراقبين دوليين في ضمان شفافية الانتخابات ونزاهتها، فقد تعلمت الأحزاب السياسية كيف تتعامل مع المراقبين الدوليين، وكيف تضعهم في الإطار المناسب لنجاح العملية الانتخابية.

ثانيا: اقتصادي من خلال السيطرة على المؤسسات الاقتصادية وفق سياسة اقتصادية يحكمها نظام واحد يتفق عليه فيما بينهم. 

ثالثا: سياسي ويهدف إلى الابقاء على هيكليات السياسية نفسها في صيغ تكرس الخلافات والاختلافات، وتفكك الأوطان والقوميات إلى كيانات هزيلة قائمة على نزعات دينية طائفية وعرقية، بغية سلب الشعب وقدرته على مواجهة الزحف المدمر للمحاصصة والتي لا تستقر إلا بالتشتت المجتمعي. 

رابعا: الثقافي الذي يهدف إلى تقويض البنى الثقافية والحضارية للأمة العراقية، بعد اكتساح الكتل والأحزاب السياسية لكل شيء في البلد، فتشبع الاحباط والخضوع.

وهذا يقودنا إلى خامسا وهي:

خامسا: جماهيريا: تعد الأحزاب والكتل السياسية الموجودة في الساحة العراقية أحزابا سلطوية لا تتمتع بمصداقية عند الناخب العراقي، حتى الأحزاب الإسلامية فهي في نظر الناخب العراقي جزء من المنظومة السياسية الرسمية، كما أن الأحزاب الإسلامية ليست موحدة وتعاني الكثير من الانقسامات والانشقاقات.

وعليه فبعد تجربة الكتل والأحزاب بمختلف اتجاهاتها وأيديولوجيتها في الحكم، فإنه من المستبعد أن تكون لها قدرة التأثير على الناخب العراقي، إلا بالقدرة على فرض بعض الانضباط على اتباعهم الذين أيضا لم ولن يرضوا على قياداتهم الحزبية.


0/أرسل تعليق

أحدث أقدم