موقع العراق والعرب في مؤشر الفساد لعام 2020

مشاهدات




 أكرم عبد الرزاق المشهداني


أصدرت منظمة الشفافية الدولية CPI في اواخر شهر كانون الثاني 2021 تقريرها السنوى عن “مدركات الفساد في العالم لعام 2020 والذي يضم تقييم 180 دولة على مؤشر الفساد العالمي. ويعد التقرير السنوي من أهم المساهمات التي تناولت مسألة الفساد في العقد الماضي والتي سعت إلى وضع مؤشرات أكثر وضوحًا لقياس الفساد، واستخدامها كوسائل لصياغة برامج سياسية تعالج أسبابه الجذرية، ومن تلك مؤشرات الحوكمة التي وضعها البنك الدولي كمرجع كلاسيكي

الفساد كما حددته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد:

عرفته”منظمة الشفافية العالمية” والتي تأسست سنة 1993 بأنه: “سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق المكاسب والمنافع الخاصة”، أما “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد” لسنة 2003 فإنها لم تتطرق لتعريف الفساد، لكنها جرمت حالات الفساد التي حددتها في:

1- رشوة الموظفين العموميين الوطنيين.

2- رشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية العمومية.

3- اختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها بشكل آخر من طرف موظف عمومي.

4- المتاجرة بالنفوذ.

5- إساءة استغلال الوظائف.

6- الإثراء غير المشروع.

7- الرشوة في القطاع الخاص.

8- اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص.

9- غسل العائدات الإجرامية.

10- الإخفاء.

11- إعاقة سير العدالة.

ما هو مؤشر مدركات الفساد؟

إن “مؤشر مدركات الفساد Global Corruption Barometer هو مؤشر يقيس مدى إدراك المجتمع للفساد في القطاع العام بناءً على 13 مؤشرا مختلفا تعتمدهم منظمة الشفافيَّة الدوليَّة، ويمنح المؤشر درجة تتراوح بين صفر إلى 100 نقطة، فكلما اقتربت الدولة من درجة صفر عكس ذلك ارتفاعا في مستوى الفساد لديها والعكس صحيح. ويصنف المؤشر الدول “حسب مستوياتها المتصورة من الفساد في القطاع العام، على النحو الذي تحدده تقييمات الخبراء واستطلاعات الرأي” حيث يقوم المؤشر بترتيب الدول حول العالم حسب درجة مدى ملاحظة وجود الفساد في الموظفين والسياسيين. وتجدر الاشارة إلى أن التوقيت الزمني لقياس المؤشر هو من تشرين الأول 2019 إلى تشرين الأول 2020.

والمؤشر يعتمد على 13 مصدرا للمعلومات تصدر من مؤسسات عالمية متخصصة ومستقلة ويرصد كل مصدر نتيجة كل دولة في جوانب محددة من الفساد والتي تنحصر في 11 وجها من أوجه الفساد

يركز التقرير على مجموعة من المؤشرات المرتبطة بثلاثة موضوعات: الأول: هو النزاهة السياسية الذي يشير إلى الحفاظ على العملية السياسية وتفاعلاتها في الدولة بمنأى عن تأثير المال والمصالح الخاصة، وهو موضوع قديم في التحليل السياسي، فقد اهتم الباحثون في نظم الحكم بكيفية ضمان أن تكون سياسات الحكومة ممثلة لمصالح المواطنين في مجملهم، وألا تقع في براثن أقلية من كبار الأغنياء ورجال الأعمال والحيلولة دون أن تتأثر القرارات بالمال السياسي، وهذا هو التعبير الذي يُستخدم للدلالة على توظيف الأموال للحصول على مزايا أو مكاسب سياسية واقتصادية.

والثاني: هو الالتزام بالشفافية بشأن تمويل الحملات الانتخابية في الدول الديمقراطية التي أصبحت تكلفتها باهظة. مما يتطلب إنفاذ قواعد صارمة على تمويل المرشحين وحملاتهم الانتخابية. فكلما كانت المساهمات المالية في هذه الحملات مُعلنة وتحت الرقابة قلت نسبة الفساد، وعندما تضعف فإن الباب يصبح مفتوحاً لممارسات الفساد.

أما الثالث: هو عملية اتخاذ القرار وضمان ألا تتأثر بغير اعتبارات الصالح العام وليس بأي أهواء شخصية أو فئوية، وأن تكون المناقشات بشأن البدائل المتاحة قبل اتخاذ القرار أو تبني السياسة على أسس موضوعية ونزيهة. وهي الفِكرة التي تسمى بضرورة منع “التناقض في المصالح” لدى كِبار العاملين في الحكومة. فتصدر القوانين والقرارات المنظمة لهذا المنع لضمان عدم تأثر القرار بالمصالح الشخصية لمن يشاركون في صنعه واتخاذه.

الموقف العالمي في مؤشر الفساد لعام 2020:

دول قمة الترتيب العالمي

وفقا للتقرير فقد تصدرت كل من الدنمارك ونيوزيلاندا قمة الترتيب العالمي بدرجة 8 بالمئة وتلاها يالمرتبة الثانية كل من فنلندا، وسنغافورة، والسويد، وسويسرا، بالمرتبة الثانية بتقييم (85 بالمئة ) ثم النرويج بالمرتبة الثالثة (84 بالمئة) ثم وهولندا بالمرتبة الرابعة (82 بالمئة ) ثم كل من ألمانيا، لوكسمبورج يالمرتبة الخامسة بتقييم (80 من مئة). ويلاحظ على هذه القائمة غلبة الدول الأوروبية (8 دول من 10) ودولتان من الشرق الأقصى، وأنها شملت كل الدول الاسكندنافية، وأن غالبيتها من الدول التي لا يزيد عدد سكانها عن الخمسة ملايين نسمة، وأنه غاب عنها أغلب الدول الصناعية أعضاء مجموعة الثمانية، وكل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.

دول القاع في مؤشر الفساد

أما الدول العشر التي احتلت قاع الترتيب العالمي فكانت: ليبيا، وكوريا الشمالية، وأفغانستان، وغينيا الاستوائية، والسودان، وفنزويلا، واليمن، وسوريا، وجنوب السودان، والصومال. تضم هذه القائمة 5 دول عربية. ومن حيث التوزيع الجغرافي، يقع أغلبها (7 دول) في أفريقيا واثنتان في آسيا، ودولة واحدة في أمريكا الجنوبية. وقد أشار التقرير إلى أن أكثر المناطق نجاحاً في مكافحة الفساد كانت أوروبا الغربية.

موقف الدول العربية في المؤشر

ويلاحظ على الدول الخمس العربية الأكثر تقدماً في المؤشر أن أربعاً منها من دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى الأردن الذي تراجع مرتبتين عن العام الاسبق . كما يلاحظ أن الإمارات جمعت بين صدارتها للدول العربية في هذا المؤشر وصدارتها لمؤشرات التنافسية الدولية، وأداء الأعمال، والتجارة الإلكترونية، مما يشير إلى أن الإنجاز في الأداء العام لمؤسسات الدولة هو ذو طابع تراكمي، وأن التقدُم في أحد المجالات يسهم في ايجاد البيئة المناسبة ويُحفز على التقدم في مجالات أخرى، لأن النجاح في مكافحة الفساد مرتبط بالنجاح في مجالات أخرى.

وإذا صنفنا الدول العربية حسب الترتيب العالمي إلى مجموعات تشمل كل مجموعة 45 دولة، سوف نجد أن الربع الأول يشمل دولتين فقط هما الإمارات وقطر، والاخيرة تقدمت درجتين في السنة الاخيرة، وأن الربع الثاني يشمل 7 دول وهي: السعودية، وسلطنة عُمان، والأردن، وتونس، والبحرين، والمغرب، والكويت. والربع الثالث يضُم ثلاث دول هي: الجزائر، ومصر، وجيبوتي. وأن الربع الأخير يشمل تسع دول هي: لبنان، وموريتانيا، وجُزر القمر، والعراق، وليبيا، والسودان، واليمن، وسوريا، والصومال، وهو اكثر عدد للدول العربية في أية مجموعة.

ان الرسالة التي يحملها هذا التقرير أن ممارسات الفساد ما زالت منتشرة في عديد من أرجاء العالم، وأن سياسات واستراتيجيات مكافحة الفساد التي تبنتها أغلب الدول لم تؤتِ ثمارها بشكل واضح بعد. ويرجع ذلك إلى أن الفساد له شق مادي وشق معنوي. يتمثل الشق المادي في أنه تعبير عن شبكة مُترابطة من العناصر الفاسدة في داخل القطاع الحكومي والقطاع الخاص والمؤسسات السياسية والاجتماعية والاعلام تتساند فيما بينها لاستمرار هذه الممارسات التي تجني من ورائها أرباحاً غير قانونية طائلة. أما الشق المعنوي فهو ثقافة الفساد والتي أشير بها إلى انتشار منظومة من القيم التي تبرر ممارساته وتسبغ عليه شرعية ما في ظل غياب للديمقراطية وللحريات.

مستشار قانوني/ خبير في مكافحة الفساد

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم