ثائرة اكرم العكيدي
بينما تُهدر أيام من النقاشات حول التاريخ الأنسب لإجراء الانتخابات، فتهدر معها دماء الشهداء تضيع الصورة الأكبر لتحسين الوضع السياسي في البلاد. فالتحديات أمام العراق لن تُحل بإجراء الانتخابات وإعادة تشكيل الحكومة بناءاً على نفس المحاصصة الطائفية والإثنية التي لن تجلب حلاً للأزمات المتعددة وهناك أصوات تتصاعد تطالب بإحداث إصلاحات أوسع بينما هناك من يعتقد أن النظام السياسي وصل إلى طريق مسدود في البلاد، وأنه من غير الممكن إصلاحه،خاصة بعد قرار تاجيل الانتخابات لتاتي بين رافض وقابل بهذا التاجيل وتكون دماء الشعب هي الضريبة من خلال تفجيرات اليوم في ساحة الطيران في بغداد سوق الشورجية المكتظ دائما بالمواطنين مما يتطلب إعادة رسمه تماماً لقرار التاجيل وبينما نظرياً هذا الأمر محبذ إلا أن تطبيقه صعب جداً، خاصة أن مواقع القوة في العراق انقسمت وتشرذمت، فلا توجد جهة واحدة بإمكانها أخذ القرار الحاسم في تعديل النظام السياسي أو إعادة رسم مفاصله.
اليوم انقسم العراقيون في نظرتهم للانتخابات فمنهم من يرى ضرورة إجرائها لتثبيت بعض المكتسبات، التي جاءت بها مظاهرات أكتوبر تشرين الأول 2019، وآخرون يرونها ذرا للرماد في العيون، وأنها لن تختلف عن سابقاتها وانها لن تحقق الكثير، وإن الوعود التي أطلقتها حكومة الكاظمي لم تنفذ، ولم يُحاسَبْ قتلة المتظاهرين، ولم تسيطر الدولة أو تضبط السلاح المنفلت.
اليوم اغلب الكتل السياسية الحالية تخشى الانتخابات، وتعمل على تأجيلها، فضلا عن أن قانون الانتخابات الجديد لن يلبي طموح العراقيين،
وهناك من يرى أن الانتخابات تعد فرصة سانحة للعراقيين للتعبير عن رؤيتهم بشكل أكبر من جميع سابقاتها، وأن قانون الانتخابات متعدد الدوائر سيحدد المرشحين عن كل دائرة، وحتى لو لم تحقق جميع تطلعات العراقيين، فإنها ستغير من الوجوه السياسية بما لا يقل عن 50%".
تعد الانتخابات القادمة الأكثر غموضا في إمكانية استقراء نتائجها، إذ إنها تأتي مخالفة لجميع الدوارات الانتخابية السابقة، فقانون الانتخابات الجديد يختلف جذريا عن سابقه، فضلا عن أن هناك اعتقادا واسعا لدى الكتل السياسية بأن الجمهور العراقي لم يعد ذلك الجمهور، الذي كانت الكتل السياسية تسيره وفق ما تريد.
وبعد التطورات الأخيرة التي شهدها العراق على المستويين السياسي والاقتصادي، باتت شرعية النظام السياسي الحالي متوقفة على الانتخابات المبكرة، ونسبة العدالة التي ستضمنها الحكومة، وتحقيقها تمثيلا حقيقيا لأبناء الشعب العراقي بعد كل الأزمات والمشاكل التي واجهها، لاسيما ان هناك بعص من القوى السياسية العراقية بتفصيل قانون الانتخابات حسب رغباتها، بعد أن فقدت كثير منها شرعيتها لدى الشعب.
وربما يُضاف إلى هذه العوامل المعرقلة، الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، خصوصاً بعد خفض قيمة الدينار العراقي، والتي من المرجح أن تدفع الكثير من العراقيين إلى عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، بالتالي تجعل نتائجها غير ممثلة للشارع العراقي كما حصل في انتخابات مايو (أيار) 2018، التي أدخلت البلاد في سلسلة أزمات معقدة.
كان هناك تسريبات قبل قرار تاجيل الانتخابات وهذا ماذكره بعض المسؤلين بشأن تأجيل الانتخابات وكانت التسريبات المتداولة من اجتماع الرئاسات تشير إلى الرغبة بتأجيل الانتخابات إلى شهر تشرين الأول المقبل لان بعض القوى السياسية غير متهيئة للانتخابات، ولاسيما الأحزاب المدعومة من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.
وكانت الحجة الاكبر هو تأمين نزاهة الانتخابات من خلال رقابة الأمم المتحدة، حيث ان تأجيل الانتخابات ياتي للسماح للامم المتحدة على الرقابة فهذا مردود لان هذه الرقابة شكلية وليس إدارة للانتخابات إنما مجرد ان ممثلية الأمم المتحدة تكتب تقريرا ورأيها بالانتخابات دون أن تتدخل لا بالعد ولا بالفرز ولا النتائج ، اذ كانت الحجة مفاتحة الجهات التي يتم التأكد منها من المرشحين مثلا الأدلة الجنائية أو المساءلة والعدالة فهي يمكن حسمها خلال أقل من شهر .
ان هذه الانتخابات محكومة بدستور عراقي وان المفوضية العليا للانتخابات تم تمويلها ب ٣٠٠ مليون دولار وفق قانون تمويل الانتخابات ولا حجة لديها وهذا التأجيل يخالف إرادة الشعب والمتظاهرين .
السؤال هنا هل تأجيل الانتخابات يتعلق بإجراءات المفوضية ام لتستطيع بعض الشخصيات السياسية بتوغل فيما بينها في مفاصل الدولة مع كتل شيعية واخرى سنية للسيطرة على جميع المفاصل الحكومية وبناء دولة عميقة جديدة .وهناك من يرى ان تاجيل الانتخبات هو وجود توجه برلماني من أجل الشروع في تعديل قانون مجالس المحافظات المنحلة عام 2019، وبالتالي إجراء الانتخابات التشريعية ومجالس المحافظات (مجالس الحكم المحلي) في موعد واحد لتخفيف الأعباء الاقتصادية.
ان النية المبيته لوجود إرادة سياسية لتأجيل الانتخابات حتى نهاية العام المقبل سببه غياب الامور اللوجستيةالفنية والوضع الاقتصادي السيء الذي يعيشه البلد وهنا ظهر تعطيل تشربع المحكمة الاتحادية وذلك يصب في مصلحة الجهات التنفيذية لا سيما أن من بين مهمات المحكمة، تقويم الخلل في القوانين الصادرة من السلطة التشريعية، فضلاً عن وجود أطراف سياسية تعمل على تعطيل تشريع القانون.
وعلى الرغم من تلقي مفوضية الانتخابات 427 طلباً لتأسيس أحزاب للمشاركة في الانتخابات، تمت الموافقة على 231 منها ورُفض نحو 99 والبقية قيد المراجعة والتدقيق من قبل المفوضية،ومع قرب تولي الإدارة الأميركية الجديدة سدة البيت الأبيض، نرى ان التأثير الأميركي ليس واضحا بعد، ولا يمكن التنبؤ به، إذ إنه يعتمد على عوامل عديدة، منها تعامل الإدارة الأميركية الجديدة مع الملف العراقي، وما قد يطرأ في الداخل الإيراني.
كما أن التطورات في العراق تتأثر بالمحيط الأوسع في المنطقة وبما يحدث في واشنطن ، وبينما تستعد طهران لانتخابات الرئاسة سيكون أي عقد سياسي جديد في العراق رهن الأحداث الداخلية والخارجية. لكن يجب أن تكون الانتخابات وسيلة لترسيخ جهود رسم هذا العقد المرجو، وليست غاية لترقيع العملية السياسية مجدداً.
الانتخابات العراقية ستواجه تحديات وعراقيل في الايام القادمة والضحية الوحيدة في كل هذا هم ابناء الشعب المبتلى الذي فجع اليوم بانفجارين كبيرين في بغداد ادى الى استشهاد وجرح العديد من المواطنين الابرياء ولانستبعد ابدا خروج مظاهرات شعبية كبيرة على غرار ما حدث في أكتوبرتشرين الأول عام 2019 مع مطالبات أوسع وأشمل خاصة مع الأزمة الاقتصادية الحالية، التي باتت أقسى مما سبق مع عودة الانفجارات أن الانتخابات القادمة سواء أجريت في موعدها أو تم تأجيلها إلا أنها تتصف بصعوبة استقراء وضع الكتل السياسية فيها، في ظل التعقيدات الداخلية والإقليمية، فضلا عن قانون الانتخابات الجديد متعدد الدوائر، الذي لم تجرب هذه الكتل مكامن نفوذها معه.
إرسال تعليق