الحنقباز العراقي

مشاهدات



إبراهيم الزبيدي


حين يهيمن الطفيليون على السلطة تصبح السرقة شطارة، والاحتيال سياسة، والذي تتاح له فرص الاختلاس ولا يختلس ويعيش في الفاقة والعوز غبيا، أما الذي يسارع إلى اقتناصها فهو ابن زمانه والذكي الذي يعرف من أين تؤكل الكتف.

أي ضرورات لضمان البقاء

في المجتمعات التي تشبه مجتمعاتنا المريضة في عالمنا المرقم 3 تزداد فرص المحتالين والانتهازيين والكذابين والمزورين في الصعود على سُلم السلطة، ويختفي العقلاء الذين يحترمون أنفسهم، ويتهيبون المنافسة مع الموهوبين بكثرة الدهاء وقلة الحياء.

وحين يهيمن الطفيليون على السلطة تصبح السرقة شطارة، والاحتيال سياسة، والذي تتاح له فرص الاختلاس ولا يختلس ويعيش في الفاقة والعوز غبيا، أما الذي يسارع إلى اقتناصها فهو ابن زمانه والذكي الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، كما يقولون.

وغالبا ما يكون المتربع على واحد من عروش السلطة جاهلا، ولكنّه ماكر قادر على أن يتغدى بخصمه قبل أن يتعشى به، وهي من ضرورات ضمان البقاء.

وم طبيعة الأشياء، في زمن حكم الجهل والأمية والشهادات المزورة، أن تنتعش صناعة الدسائس والمؤامرات وتلفيق الفضائح بين الراكضين اللاهثين وراء شهوة الحكم والثروة والجاه.

وفي العراق يصفون الشخص الموهوب بقدرة الاحتيال على الناس وخداعهم بـ”الحنقباز”، وهي كلمة تركية دخيلة على اللهجة العراقية يستخدمها العراقيون كثيرا في حياتهم اليومية وتعاملاتهم.

وتقول حكاية شعبية عراقية، إن شخصا كان عابرا على جسر الشهداء ببغداد من جهة الكرخ متوجها إلى الرصافة لمراجعة إحدى دوائر الحكومة فرأى رجلا واقفا كالتمثال عند منتصف الجسر رافعا يده إلى أعلى بثبات. فاستغرب من هذا المنظر، ولكنه كتم فضوله وواصل سيره دون اكتراث.

وبعد عدة ساعات أنهى أعماله في الرصافة وقفل راجعا عابرا الجسر ذاته إلى الكرخ، ففوجئ بأن ذلك الرجل نفسه ما زال رافعا يده إلى أعلى مثلما رآه قبل ساعات، فغلبه فضوله وتقدم منه وسأله:

لماذا أنت رافع يدك إلى أعلى كل هذه الساعات الطويلة؟

أرفع يدي هكذا لكي يمر بها طائر ويظنها واحدا من أعمدة كهرباء الجسر فيحط عليها فأصطاده.

فضحك السائل ساخرا وقال:

كيف تتوقع أن يحط طائر على يدك، هل أنت مجنون؟

لست أنا المجنون، لكن هذا الآدمي الذي تراه جالسا إلى جانبي منذ عدة ساعات هو المجنون، فقد دفع لي، مقدما، ثمن ثلاثة طيور.

ويُعرف علم النفس الشخص الوصولي بأنه الذي يضع مصلحته الشخصية فوق كل اعتبار، دون أي شعور بالذنب، ويقوم بالتملق الدائم من أجل الوصول إلى أهدافه، كما يبيح لنفسه استخدام جميع الوسائل، حلالها وحرامها، لتحقيق مكسب خاص، حتى لو كان على حساب الآخرين. وعموما يهاب الوصولي المغامرة والمخاطرة، وشعاره دائما الغاية تبرر الواسطة.


كاتب عراقي

0/أرسل تعليق

أحدث أقدم